تابعت مؤخراً على صفحات جريدة «السياسة» الكويتية وغيرها، ما تم نشره من حلقات نسبت لمذكرات «شمس بدران» وزير حربية مصر إبان هزيمة يونيو 1967.
وأكثر ما لفت نظرى فيها ما ذكره «شمس بدران» بخصوص أن «صلاح نصر» أخبره أنه كان يمد الرئيس «جمال عبدالناصر» بأفلام جنسية لسعاد حسنى، لكى ترفع من درجة الإثارة الجنسية لديه، وتساعده على التغلب على آثار مرض السكر الذى كان الرئيس يعانى منه، ويؤثر على قدراته الجنسية!! حسب رواية «شمس بدران»
ولأنه برغم كل الحملات العاتية لتشويه «جمال عبدالناصر» وعهده وفكره، لم يسبق «شمس بدران» أحد فى ادعاء تلك الفرية بحق عبدالناصر، لذا فقد وجدت أنه من اللازم تفنيد الرواية رغم سخافتها ووضوح كذب راويها.
الثابت تاريخياً وطبياً ونقلاً عن مذكرات أطباء الرئيس عبدالناصر، د. منصور فايز فى كتابه «مشوارى مع عبدالناصر» ود. الصاوى حبيب فى كتابه «كنت طبيباً لعبدالناصر»، أن الرئيس عبدالناصر لم يكن مريضاً بالسكر الأحمر «البرونزى» بل بالسكر العادى، وأن مرضه لم يكن من النوع الخطير، وأن أثاره لم تزدد على صحة الرئيس إلا بعد هزيمة 5 يونيو 1967، أى بعد القبض على صلاح نصر وشمس بدران ومحاكمتهما وسجنهما، فإذا افترضنا جدلاً أن رواية «صلاح نصر» لشمس بدران حقيقية، فمتى سلم «صلاح نصر» الأفلام الجنسية للرئيس عبدالناصر لكى يشاهدها قبل النكسة وهو بكامل صحته!! أم بعدها و«صلاح نصر» فى السجن؟!
كتب «صلاح نصر» مذكراته وصدرت الثلاثة أجزاء الأولى منها فى كتب عن دار نشر «الخيال»، بينما صدر الجزء الرابع منها مسلسلاً فى مجلة المصور عام 2010، وفى تلك المذكرات شن «صلاح نصر» هجوماً ضارياً على الرئيس «عبدالناصر» ودافع بشدة عن المشير «عبدالحكيم عامر»، ولم يذكر تلك الواقعة الخاصة بالأفلام الجنسية لسعاد حسنى وتزويده الرئيس عبدالناصر بها لمساعدته جنسياً!!.
فلماذا تغاضى عن ذكرها «صلاح نصر» وهو الشاهد الوحيد عليها، بينما ذكرها «شمس بدران» نقلاً عنه وبعد وفاة «صلاح نصر»!!.
لو كان الرئيس «جمال عبدالناصر» فعلاً يبحث عن الإثارة الجنسية فلماذا يكتفى وهو رئيس للبلاد أمره نافذ ومطاع بمشاهدة أفلام جنسية لسعاد حسنى أو غيرها؟!!، بينما بإمكانه بمنتهى السهولة أن يجلب لسريره من يشاء من ممثلات وفاتنات مصريات وعربيات وأجنبيات أيضاً؟!!
الثابت تاريخياً عن الرئيس عبدالناصر وبشهادة ألد أعدائه أنه كان رجلاً مستقيماً بلا رذائل شخصية، وقد كان موضوعاً تحت مراقبة عدة أجهزة مخابرات لإيجاد نقيصة أخلاقية واحدة له، ولم يحدث أن تم كشف أى مثالب شخصية بحقه، وهو ما يشهد به يوجين جوستين رجل المخابرات وأحد كبار المتخصصين فى الشأن المصرى فى السى آى إيه الذى صرح وكتب ما نصه:
«مشكلتنا مع ناصر أنه بلا رذيلة مما يجعله من الناحية العملية غير قابل للتجريح فلا نساء ولا خمر ولا مخدرات ولا يمكن شراؤه أو رشوته
أو حتى تهويشه، نحن نكرهه ككل ولكننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً تجاهه لأنه بلا رذيلة وغير قابل للفساد».
مأساة «شمس بدران» أنه رجل موتور سكت دهراً ونطق كفراً، لم يكتف بدوره المجلل بالعار فى هزيمة 5 يونيو 1967، وما أعقبها من المحاولة الفاشلة لمجموعة المشير «عبدالحكيم عامر» للانقلاب على الرئيس عبدالناصر، وما تلا ذلك من القبض عليه ومحاكمته، لذا عندما قرر كتابة مذكراته بدأها بمحاولة بائسة لتلطيخ سمعة «جمال عبدالناصر» وشرفه عبر ذلك الادعاء الكاذب.
كان «جمال عبدالناصر» ذاته هو الذى أمر بالتحقيق فى قضية انحراف المخابرات عقب النكسة واختار لتلك المهمة اثنين من الضباط الأحرار «حلمى السعيد» و«محمد نسيم» وقد توليا التحقيق فى القضية ونشرت شهادة حلمى السعيد بمذكراته
«شهادتى للأجيال»، وقد أثبت فيها أن قضية استغلال الفنانات فى أعمال المخابرات كانت بهدف جمع المعلومات ولم يمارس خلالها أى ضغط أو إكراه على الفنانات للعمل بالمخابرات، بل العكس هو الصحيح فمنهن من بادرن للعمل بالمخابرات سعياً وراء مصالح مالية وفنية وشخصية لهن.
فهل يحاكم الرئيس عبدالناصر ومدير مخابراته «صلاح نصر» ويسجنه بينما هو متورط معه فيما يحاكمه عليه؟!!
يكاد «شمس بدران» يكشف فريته بحق الرئيس عبدالناصر عندما يكتب أن الدنيا ثارت عليه لتعرضه للحياة الجنسية لعبدالناصر بينما تم تلطيخ سيرة حياة المشير «عبدالحكيم عامر» بنشر العديد من القصص الجنسية عنه!!
وكأن «شمس بدران» يقول لقراء مذكراته إن ما ينسبه كذباً لعبدالناصر مقابل ما تم نسبته لعامر، وهو يعلم جيداً أن المشير «عبدالحكيم عامر» كان متزوجاً بالفعل من الفنانة الراحلة «برلنتى عبدالحميد» ولم تكن تلك فرصة ألصقت به.
أما القول بأن عبدالحكيم عامر أراد شن ضربتين جوية كانت كوديا باسم - فجر - وأخرى برية كانت كوديا باسم - فهد - على النقب يوم 27 مايو.
فالصحيح أن مؤتمر القيادة العامة للقوات المسلحة الأول فى 25 مايو ناقش أمرين: تعديل خطة «قاهر» للدفاع عن سيناء.. و(المقرة فى ديسمبر 66 وهى من وضع الفريق صلاح محسن قائد المنطقة الشرقية) بما يغير تموضع الفرقة السابعة مشاة من الشيخ زويد إلى رفح شمالاً، مع تعزيزها بقوة الشاذلى الخاصة، وتعزيز جنوب سيناء بـ3 ألوية مشاة نقلت من اليمين (من أصل مجموع 8 ألوية هناك)، والامتناع عن شن الضربة الأولى تحت أى ظرف.. مع نفض الغبار عن خطتين عارضتين تنفذان فقط فى حال إن بدأت إسرائيل بالعدوان على سوريا أو حتى الضفة.
وللتأكيد، فقد كان مقال هيكل يوم الجمعة 26 مايو واضحاً وقاطعاً فى أن الضربة الأولى هى لإسرائيل.. وكان ذلك عين المنطق لاسيما وخسائرها لا يجب أن تتجاوز خمس الطيران فيما لو كانت اليقظة هى الناموس.
إن عبدالحكيم عامر، كان متحرقاً للحرب، بظن أنها تغسل أدران 56 والانفصال واليمن التى كان له «فضل» التسبب بها، فأمر بالمضى فى تنفيذ الخطتين فى 27 مايو، وبظن أن ذلك سيحرج موسكو كى لا تعترض هذا فى نفس الوقت الذى كان شمس بدران مازال هناك.
افتضح الأمر من الموساد والسى أى إيه قبل يوم من الموعد فاتصل جونسون بكوسيجن عند منتصف ليل 26 - 27 مايو بتوقيت القاهرة ليقوم الأخير بالاتصال بسفيره فيها وأمره بمقابلة الرئيس عبدالناصر فوراً ناصحاً بوقف العملية فى المهد.. وصل بوجداييف فى الثالثة صباحاً ليتفاجأ عبدالناصر بفحوى رسالته ثم ليتثبت من صحة معلوماتها عندما اتصل بعبدالحكيم عامر.. فأمره بإلغائها من فوره.. أى قبل 4 ساعات من موعد شنها. لم يكتف عبدالحكيم عامر بذلك بل قام بتغيير محور الدفاع الأساسى من الشمال - الوسط إلى الجنوب بأن نقل قوة الشاذلى من الشمال إلى برزخ بين الوسط والجنوب وبتحريك الفرقة السادسة مش ميكا من تمد إلى الكونتيللا شمالاً، وتحريك الفرقة الثانية مشاة من أبوعجيلة إلى القسيمة شمالاً مما أخرجهما من التحصينات الهندسية الواقية وعرضهما للحصار، وهو ما جرى فعلاً للفرقة الثانية يوم 6 يونيو.
أما أن يقول شمس بدران أن عبدالناصر سرح بعد 10 يونيو أكفأ الضباط فهو ما يدعو إلى الضحك المتواصل، سيما عندما يتذكر المرء أمثال سليمان عزت (حادثة المدمرة القاهرة - 56 وبطء التحرك البحرى إلى اللاذقية - 61) وصدقى محمود وجمال عفيفى وتسببها فى تدمير الطيران على الأرض مرتين «56 و67، وأحمد علوى وعلى شفيق وحمزة البسيونى وإسماعيل لبيب وعثمان نصار ومحمد كامل ومحمد أيوب وغيرهم من هذا الطراز أما أن عامر وبدران فكانا يريدان ديمقراطية فيحسن بى التوقف هنا قبل أن (........).
بالفم الملآن يعترف أخينا بتواصل المشير ورجالته مع واشنطن، طلباً لرضاها عما يعدونه من انقلاب.. صلاح نصر الذى أوقع الجاسوس الأمريكى الأهم فى مصر - مصطفى أمين - فى فخه عام 65 هو ذاته الذى يطلب عون مجنديه بعدها بعامين!!
لأ والغريب أن صلاح نصر وشمس بدران وعباس رضوان ومشيرهم كانوا يريدون الديمقراطية!! يعنى هم من رواد الصرعة ورسلها الأوائل.
ختاما قد يقول البعض ولما كانت مجموعة المشير عامر بهذه الصفات طيب لماذا تركهم الرئيس جمال عبدالناصر فى مناصبهم إلى أن تم عدوان 1967 ومن جانبى أرجوهم نظرا لضيق المساحة أن يقرأوا ما سطرته فى كتابى شهادة سامى شرف سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر الكتاب الأول فصلين كاملين عن عدوان 67 ومأساة الرجل الثانى كما كتب دراسة بعنوان هل كان فى وسع عبدالناصر تجاوز المؤسسة العسكرية.