x

سعد هجرس يكتب: حتى التصوف.. بقرار جمهورى!

الإثنين 19-04-2010 23:00 |

ما إن هدأت عاصفة الانتماء الحزبى لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، بقبول الرئيس حسنى مبارك استقالته من عضوية المكتب السياسى للحزب الوطنى الحاكم، حتى هبت عاصفة أخرى بصدور قرار جمهورى بتعيين الشيخ القصبى رئيساً للمجلس الأعلى للطرق الصوفية.

وأسباب هذه العاصفة متعددة، لكن الأساس فيها هو الاستغلال السياسى للدين.

فلماذا تتدخل الدولة – أصلاً- فى الشؤون الدينية؟ وما هى مؤهلاتها التى تسوغ لها تعيين «زيد» واستبعاد «عبيد» من أى منصب دينى؟ وألا ينطوى هذا التدخل الحكومى فى الشأن الدينى- بطرق وآليات متعددة- على شبهة استغلال الدين والجماعات والمنظمات الدينية فى لعبة السياسة؟!

وما الفارق بين لعب الحكومة بورقة الدين وبين انتحال جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين لنفسها حق الاحتكار الحصرى للشعارات الدينية وفى مقدمتها شعار «الإسلام هو الحل»؟!

أليس من حق الرأى العام أن يستنتج من هذا «التسابق» بين حكومة الحزب الوطنى وبين جماعة الإخوان المسلمين على توظيف الدين فى أمور دنيوية، أن الصراع بين الاثنين ليس خلافاً بين تيار يدعو إلى إقامة دولة مدنية وبين تيار آخر يسعى إلى زراعة دولة دينية على ضفاف النيل، وإنما هو صراع على «الأحقية» فى احتكار التحدث باسم الدين؟!

وكيف تلوم الحكومة جماعات الإسلام السياسى على تديين السياسة وتسييس الدين بينما تسعى هى ذاتها إلى استصدار «فتاوى» ذات طبيعة سياسية صرف، مثل تلك الفتوى العجيبة التى تضع بناء سور عازل، أو منشآت هندسية –سمها كما شئت- على الحدود التى تفصلنا عن قطاع غزة، فى خانة «الحلال» شرعاً؟!

هذه التساؤلات –وغيرها الكثير- تشير إلى أننا لم نحل بعد معضلة العلاقة بين الدين والدولة.

حتى الحلول الواردة فى وثائق على أعلى درجة من الأهمية –مثل الدستور ذاته- تعانى من التشوش والارتباك وعدم الحسم. وعلى سبيل المثال فإن الدستور الذى يعلى فى مادته الأولى من شأن المواطنة- وما يستتبعه ذلك من رفض لكافة أشكال التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو الجنس أو المكانة الاجتماعية أو غيرها- هو ذاته الذى ينص فى مادته الثانية على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، بما ينجم عن ذلك من تفسيرات لدى البعض تتناقض مع منطوق المادة الأولى،

ولعل أحد أبرز الأمثلة على ذلك ما ذهب إليه بعض السادة المستشارين القضاة فى مجلس الدولة الذين استندوا إلى المادة الثانية من الدستور فى تبريرهم لرفضهم تعيين المرأة قاضية فى مجلس الدولة انطلاقاً من تفسير لمبدأ «الولاية» الذى تم التعلل به اليوم لرفض «ولاية» المرأة كقاضية، وبالتالى لا يوجد ما يمنع التعلل به غداً لرفض ولاية القبطى على المسلم وبالتالى رفض تعيين المواطن المسيحى المصرى قاضياً!!

وكل هذا يعنى أن أحد محاور الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى الذى ننشده لبلادنا يجب أن يشمل هذه العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة، وبالذات بين الدين والسياسة.

وإصلاح هذه العلاقة الملتبسة ينبغى أن يبدأ بالاعتراف بأن الدولة الحديثة كيان غير دينى يسعى لتحقيق أهداف دنيوية بحتة لا علاقة لها بهذا الدين أو ذاك بقدر ما تتعلق بالمصالح.

وبالتالى فانه لا يوجد مسوغ لتدخل الدولة فى حرية ضمائر مواطنيها، أو حرية العقيدة بشكل عام. بل يجب أن تظل «محايدة» إزاء جميع المواطنين بصرف النظر عن دياناتهم.

وهذا ينقلنا إلى ممارسات حكومية يتم النظر إليها كما لو كانت «عادية» ولا غبار عليها. من ذلك ما بدأنا به من حديث عن صدور قرار جمهورى بتعيين رئيس للمجلس الأعلى للطرق الصوفية.

فإذا أمعنا النظر فى خلفيات هذا القرار الجمهورى سنجد أن هناك طرقا صوفية كثيرة العدد، وأن الحكم فى مصر – قبل 23 يوليو 1952 وبعدها – دأب على اختراق صفوف هذه الطرق الصوفية ومحاولة الاستفادة منها سياسياً عبر عديد من الآليات ليس هذا مجال الخوض فيها. أى أن محاولة توظيف الطرق الصوفية سياسياً ليست بالأمر الجديد، فهى سابقة لعصر الرئيس حسنى مبارك ولم تكن أحد «اختراعاته».

ومع ذلك فإن هذا التوظيف قد أخذ صورة فجة فى الأعوام الأخيرة، ويكفى أن نلقى نظرة على الحوار المثير الذى أجرته صحيفة «صوت الأمة» مع الشيخ القصبى الرئيس المعين للطرق الصوفية وخصمه الشيخ أبوالعزايم الذى كان يرى أنه الأحق بالجلوس على العرش الصوفى المصرى، حيث يقول الشيخ أبوالعزايم بصريح العبارة إن القصبى قد تم تعيينه لأن «النظام يرضى عنه». واستطرد أبو العزايم قائلاً «أنا لست عضوا بالحزب الوطنى، ولست عضوا فى مجلس الشورى أو الشعب، ولذلك اختاروا الأكثر ولاء للحزب الوطنى».

وبصرف النظر عن سبب تعيين «فلان» وعدم تعيين «علان» فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: ما شأن الحكم –أى حكم– بمن يرأس الطرق الصوفية؟ ولماذا لا يختار المنتمون إلى الطرق الصوفية من يرأس مجلسهم بإرادتهم هم فى ضوء احتياجات ومتطلبات ومصالح تلك الهيئة «الأهلية» التى انضموا إليها بإرادتهم ورغبتهم؟!

وألا يسىء هذا التعيين إلى كل من الحكم والطرق الصوفية فى آن واحد؟ وهو أمر ينطبق على ممارسات كثيرة للحكم الذى يتدخل حيثما يجب أن يرفع يده، والذى ينسحب ويقدم استقالته حيثما يجب أن يتواجد ويمارس مهامه فى مجالات التعليم والصحة وسائر الخدمات الاجتماعية الضرورية.

وليس تعيين رئيس المجلس للطرق الصوفية سوى مظهر واحد من الآلاف من مظاهر الخلل التى نعانى منها فيما يتعلق بهذا الملف فقط، نعنى ملف العلاقة بين الدين والسياسة، وهى كلها آفات تعنى أن الحديث عن «دولة مدنية حديثة» فى مصر الآن هو حديث ينطوى على قدر كبير من التجاوز، لأن مظاهر الحداثة المحدودة مازالت غارقة فى بحر من الرمال المتحركة للدولة التقليدية التى تنتمى إلى الماضى ومخلفاته، والتى تستميت لشدنا إلى الوراء ومنعنا من اللحاق بصناع الحضارة ورواد المستقبل.

علماً بأن هذه المهمة تزداد صعوبة يوما بعد يوم. ولعل أستاذنا فاروق القاضى قد عبر أفضل تعبير عن صعوبة هذه المهمة فى خاتمة كتابه المهم «العلمانية هى الحل» بقوله «كنا فى المحاولات السابقة نحاول اللحاق بالعصر، نحاول اللحاق بالمجتمع الصناعى. أما اليوم، فقد تطور المجتمع الصناعى فى العالم عبر المعلوماتية التى لا غنى لمجتمع عنها، إلى مجتمع تكنولوجيا العلوم، بينما انحدرنا نحن إلى الزراعة البدائية بالمياه الملوثة!

علينا إذن أن نحاول اللحاق بالعالم المعاصر عبر ثلاثة عصور. أن نعبر كل الجسور التى تعترضنا ونطور مجتمعنا باستمرار للحاق بالزمن حتى نقترب ونصبح من بين القوى المعترف بها فى العالم فى وقتها. فبينما نحاول اللحاق بالعصر يسير الزمن أسرع وأسرع مما يدعونا لبذل كل الجهد. ولن يحدث هذا إلا إذا استعملنا لغة العصر، العلمانية بكل متطلباتها، العلمانية بكل عناصرها: المواطنة، المساواة، الديموقراطية».

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية