x

صلاح منتصر عندما نصح بيريز مصر أن «تذاكر» قضية طابا جيداً! صلاح منتصر السبت 15-03-2014 21:00


كانت طابا، التى يمر يوم الأربعاء القادم ١٩ مارس ٢٥ سنة على تحريرها ورفع علم مصر عليها، أول نزاع يواجهه حسنى مبارك مع إسرائيل، التى أصرت على عدم الانسحاب منها وسارعت إلى بناء فندق فيها واستراحة على شاطئ إيلات لفرض أمر واقع، لكن مبارك للإنصاف أثبت وطنيته، وأصر على استعادة طابا وعدم التنازل عن حبة رمل فى سيناء. وقد لجأت مصر أولاً إلى محاولة حل النزاع عن طريق التفاوض، ولكن دون فائدة، وبالتالى لم يعد سوى اللجوء إلى عرض النزاع على هيئة تحكيم دولية. ولم يكن الأمر سهلا، فمن ضروريات «التحكيم» موافقة طرفى النزاع عليه، وهى المشكلة التى تواجه مصر فى نزاعها الحالى مع إثيوبيا حول سد النهضة، إذ ترفض إثيوبيا التحكيم.

وقد احتاج الأمر بالنسبة لطابا إلى جهود أربع سنوات حتى أعلنت إسرائيل فى يناير 1986 قبول التحكيم بعد أن تدخل الرئيس الرومانى نيكولاى تشاوسسكو، صديق إسرائيل، وقد تصادف أن استضافت بلاده مؤتمرا للاشتراكية الدولية، كان من بين المدعوين إليه شيمون بيريز، رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت. ونظراً لأن مصر كانت قد سحبت سفيرها من تل أبيب احتجاجا على غزو إسرائيل للبنان، فقد رأى تشاوسسكو انتهاز الفرصة بترتيب لقاء خاص بين بيريز وممثل لمبارك. (الاشتراكية الدولية دعوة تبنتها مجموعة الدول الاشتراكية التى ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ورأت أنها يمكن أن تقوم بدور عالمى اقتصادى وسياسى واجتماعى، إلا أن الدعوة سرعان ما ضعفت بانهيار الاتحاد السوفيتى).

وحتى لا يلفت اللقاء الأنظار، قرر مبارك أن يقوم بهذه المهمة الدكتور محمد عبداللاه، رئيس لجنة الشؤون الخارجية فى مجلس الشعب، والذى كان قد أعلن من قبل عن سفره لحضور مؤتمر الاشتراكية فى العاصمة الرومانية بوخارست. وقبل يوم من سفره فوجئ عبداللاه باستدعائه للقاء مع الرئيس فى بيته، أبلغه فيه بتفاصيل المهمة، مؤكدا عليه عدم التحدث عنها سواء لزوجته أو مع أى أحد آخر.

وحسب الترتيب الذى أعده تشاوسسكو، تم اللقاء فى أحد بيوت الضيافة الخاصة بعيدا عن العيون. وبعد يومين من المباحثات وافق بيريز على قبول مبدأ التحكيم، على أساس الطلب الذى حددته مصر بأن تكون هيئة التحكيم من خمسة محكمين لا من ثلاثة كما كانت تريد إسرائيل. ولما كان بيريز فى ذلك الوقت رئيسا فى وزارة ائتلافية مع إسحاق شامير، ممثل كتلة الليكود، فقد أوضح بيريز لعبداللاه أنه لن يعلن عن قرار قبول إسرائيل التحكيم إلا فى آخر مجلس للوزراء يعقده برئاسته وقبل أن يخلفه شامير. ثم بلهجة الأب الخبير الذى ينصح شابا لا دراية له قال بيريز لعبداللاه ولعله كان يهزأ فى داخله: «حاولوا بقى تذاكروا كويس قضيتكم»، مما كان يعكس ثقته بأن إسرائيل ستكسب التحكيم!

ويضيف عبداللاه أنه التقى مبارك فور عودته وقدم له تقريرا مكتوبا أشر عليه: وزير الخارجية ومدير المخابرات العامة، ثم نظر إلى عبداللاه قائلا: روح بقى المخابرات احكيلهم على ما حدث. قال عبداللاه بدهشة: ليه؟ قال له مبارك: إنت فاهم إنهم ماكانوش مراقبينك ورصدوا كل اجتماعاتك مع بيريز؟ روح بقى علشان تعرفهم إنك كنت فى مهمة وطنية!

لم تنته قضية طابا بإصدار هيئة التحكيم يوم 29 سبتمبر 1988 قرارها لصالح مصر، فقد أعلنت إسرائيل رفضها تنفيذ القرار. واحتاج الأمر إلى معركة جديدة من المفاوضات، شهدت مباراة من العنف المتبادل بين أعضاء الوفدين المصرى والإسرائيلى الذى كان يضم وقتها بنيامين نتنياهو، نائب وزير الخارجية. وأخيرا، انتهت المعركة بدفع مصر 37 مليون دولار ثمنا لفندق سونستا الذى بنته إسرائيل فى طابا، وتحدد يوم 19 مارس لرفع علم مصر فوق الأرض التى لا تتجاوز مساحتها نحو ألف متر، ودهشت إسرائيل من تمسك مصر بها رغم استعادتها سيناء البالغة مساحتها 62 ألف كيلومتر مربع!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية