x

جمال الجمل مقال لقارئ واحد اسمه: محمود درويش جمال الجمل السبت 15-03-2014 20:57


عزيزى محمود.. مضيت، وكأنما أعجبك الفراق. أسأل دفتر الأشعار عن قوافيك الجديدة فيجاوبنى الصدى، أتذكر وعدى القديم بإنجاز (ديوان المأثورات الكاملة) وأخجل من كسلى، مر عيد ميلادك قبل يومين، وبالأمس نكأ الخال عبد الرحمن الذكرى، وهو يعلن ابتهاجه بجائزة بعيدة، لأنها تكفى لأن تقرن اسمه باسمك فى سطر واحد، ما أوفاه ذلك الأبنودى الموعود بالفقدان.. من صدمة الطاهر، إلى غيابك يا محمود، مرورا بانسكاب أمل فى سماء الغرفة البيضاء.

هل تذكر عندما قلت لك ذات صباح مشمس أننى «ينايرى متعصب» وأنك «مارسى» فقلت لى معارضا إليوت «مارس أقسى الشهور»، لم تأبه كثيرا بميلادك فى الثالث عشر من شهر الأساطير، تذكرنا خديجة واحتفالات المرأة بعيدها والعطر الخالد من استشهاد عبد المنعم رياض وفتيات فلسطين اللاتى صتعن بدمائهن يوم الأرض.

كان إبريل هو أقسى الشهور عن إليوت، لأن أرضه كانت قاحلة جرداء خرابا، أما أرضك فكانت (وظلت) تجمع بين الأحمر والأخضر.. تصنع الحياة من الموت، مثلها مثل مارس (أذار) فارس الحرب الذى يمهد للربيع، هكذا جئت يا محمود على الحد الفاصل بين شتاء يمضى وربيع يولد.. فى شهر أذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب، ولدت على كومة من حشيش القبور المضىء/ وفى شهر أذار نمتدّ فى الأرض / فى شهر أذار تنتشر الأرض فينا/ فى شهر أذار، فى سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدمويّة/ فى شهر أذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات اشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ./ أذار يأتى إلى الأرض من باطن الأرض.

هل تعرف أن إيليا سليمان صنع أروع مشهد فى فيلمه «يد إلهية» من وحى مقطع صغير فى قصيدتك «الأرض»، حيث يلتهم خوخة صغيرة ويلقى ببذرتها من نافذة سيارته فتنسف دبابة لأعداء الحياة؟.. كنت أتمنى أن أسمع المقطع بصوتك المميز.

«أسمّى ضلوعى شجر

وأستلّ من تينة الصدر غصنا

وأقذفة كالحجر

وأنسف دبّابة الفاتحين»

ها أنا وحدى أمارس لعبتى القديمة، وأعيد كتابة قصيدة لك بالحذف، سأحذف هذه المرة من «الأرض» بتصبح قصيدة جديدة عن شهر ميلادك.. شهر يوم الأرض مارس (أذار):

«فى شهر أذار ندخل أول سجن وندخل أول حبّ. / وفى شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها/ وفى شهر أذار تستيقظ الخيل/ وفى شهر آذار ينخفض البحر عن أرضنا المستطيلة/ فى شهر آذار ينتفض الجنس فى شجر الساحل العربيّ

فى شهر آذار زوجت الأرض أشجارها/ وفى شهر آذار تأتى الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال، وتأتى العصافير غامضة كاعتراف البنات/ وفى شهر آذار يمشى التراب دما طازجا فى الظهيرة/ فى شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها/ وفى شهر آذار رائحة للنباتات. هذا زواج العناصر» آذار أقسى الشهوروأكثرها شبقا.

وفى شهر آذار نأتى إلى هوس الذكريات.

وأشد الهوس بك يا محمود يعرفه الأصدقاء من ترديدى الدائم لهذا المقطع:

«مساء صغير على قرية مهملة

وعينان نائمتان

أعود ثلاثين عاما

وخمس حروب

وأشهد أن الزمان

يخبّئ لى سنبلة»

لا تسألنى عن فلسطين هذا العام يا محمود، لا جديد فى الجليل.. البروة ما زال اسمها أحيهود، وأخوة يوسف مازالوا فى غيهم، ونحن ما زلنا فى انتظار السنبلة، وكل سنة وأنت طيب.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية