x

مي عزام مطالب كومونا وشيفتشينكو في يوم المرأة العالمي مي عزام السبت 08-03-2014 20:42


في الثامن من مارس يحتفل العالم كل عام بيوم المرأة، لكن أحدا من المشاركين في آلاف المؤتمرات والندوات لم يشف غليلي ويجاوبني عن سؤال: من المرأة المستهدفة من كل تلك المؤتمرات والندوات والمجالس وبيانات منظمات المجتمع المدني؟ هل هي المرأة في المطلق، هل تتساوى قضايا ومطالب المرأة في رواندا وتورا بورا وفرشوط مع مطالب نساء نيويورك وباريس والزمالك؟. هل تتساوى مطالب المرأة التي كل أمنيتها البقاء على قيد الحياة في جمهوريات أفريقيا الوسطى وميانمار مع مطالب المرأة التي تسعى للحصول على حقها في أن تتظاهر عارية؟

أى امرأة نتحدث عنها؟ المرأة المتعلمة المثقفة التي تعرف حقوقها ولا يغيب عنها طموحها، أم المرأة التي لا تعرف قيمة الدولار؟ فعلى سبيل المثال المرأة الفرنسية ترى أنها لم تحصل على كامل حقوقها في المساواة بالرجل، فراتبها مازال أقل من راتب زميلها في العمل عن نفس الوظيفة، في حين أن المصرية قد لا تلتفت لذلك كثيرا على اعتبار أن زميلها بالعمل «فاتح بيت»، المرأة الإنجليزية تجد أن الإعلان عن وظيفة من شروطها حسن المظهر نوع من أنواع التمييز فيه شبهة تحرش مستقبلي، في حين تجد اللبنانية أنه شرط عادي تثبت فيه جمالها واهتمامها بمظهرها، ولا مانع من أن تسمع بين الحين والآخر كلمات المدح والإعجاب ولا تعتبر ذلك تحرشا.

كل عام تنتابني نفس الحيرة وأنتظر تعريفا تفصيليا عن الفئة المستهدفة من الحديث عن المساواة، فكومونا بطلة فيلم «ساحرة الحرب» لا تشغلها أمور المساواة، وهي لا تجسد دور المرأة الضحية رغم تعرضها للاغتصاب ومقتل والديها أمام عينيها في بلدها الكونغو، ولكنها تجسد ظروف مجتمع يتعرض للإبادة بسبب الحرب غير الإنسانية بين القبائل هناك واستخدام الأطفال كجنود. عنف لا يميز بين رجل وامرأة وطفل بل يطال الجميع ويطارد الكل. كومونا لا تفكر فى حق الإجهاض وحرية الجسد، بل تفعل المستحيل للإبقاء على حياة طفلها، كومونا ليست ضحية تفرقة بين الرجل والمرأة بل ضحية جهل وفقر وحرب تحصد الضحايا دون أدنى تفرقة، هل طلبات كومونا هي نفسها طلبات الأوكرانية إينا شيفتشينكو، مؤسسة جماعة «فيمن» التي تجعل من التعري أسلوبا تعبر به عن حرية المرأة فى امتلاك جسدها؟ ما الذى يمكن أن يكون عاملا مشتركا بين كومونا وإينا شيفتشينكو؟ والاثنتان من أحفاد حواء.

كلما فكرت في حقوق المرأة تذكرت شخصية ليسستراتا اليونانية التي يعتبرها البعض رائدة الحركات النسوية وأول امرأة تمارس التظاهر والإضراب، رغم أنها شخصية خيالية اخترعها أرسطو فان، حتى صارت شخصية من لحم ودم، امرأة تعرف ما تريد من الحياة، لا تتظاهر دفاعا عن مصلحة شخصية أو خاصة للنساء دون الرجال ولكن تدافع عن الحياة نفسها.. الحياة التي تشترك فيها مع الرجل، فلقد جمعت نساء أثينا وطالبتهن بالضغط على أزواجهن بالامتناع عن معاشرتهن حتى يعودوا للرشد ويتوقفوا عن الحرب ويرضوا بالتوقيع على مباردة صلح بين بلدها أثينا وإسبرطة ونجحت في مسعاها.

ليسستراتا وأخواتها يدافعن عن حق أولادهن في حياة طبيعية، لا يردن لأطفالهن أن يكونوا أيتاما ولا لأنفسهن أن يكن أرامل، هنا تكون المطالبة مشروعة ويكون الحق طبيعيا؛ فلا يمكن تحسين أحوال المرأة وحصولها على حقوقها بمعزل عن المجتمع الذي تعيش فيه، المجتمع حين يتطور لا يمكن أن يهمل نساءه؛ فهن جزء منه، بعد تحسين أوضاع الحياة لكل أفراد المجتمعات تأتي القوانين لتضع قواعد التعامل والسلوك القويم بين أفراده، فتساند الضعيف والمظلوم سواء كان رجلا أو امرأة. في المجتمعات التي يتم فيها رصد جرائم عنف ممنهج ضد المرأة ستجد أن هذه المجتمعات تحتاج لإصلاح سريع وتحسين أحوال، فهل يمكن أن تنتظر من بيئات عشوائية يحشر فيها عشرة في حجرة أن تتذكر شعارات «فيمن»، إنها زنزانة ومعمل تفريغ للجريمة في كل المجالات، فكيف تنتظر أن يفوح العطر من النفايات؟ من الغريب أن تعمل منظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة والممولة من الخارج، على أن تحصل المرأة في تلك البيئات على حقوقها دون العمل على تحسين البيئة بالكامل، وهنا يساورنى الشك في أهداف هذه المنظمات ومن يمولها، هل تسعى فعلا لتحسين أوضاع المرأة، أم أنها رأس جسر لدراسة سلبياتنا ومعرفة سبل الضغط والتدخل والتأثير على حياتنا كما يريدون؟

المرأة تستحق كل التقدير ليس فى 8 مارس فقط ولكن طوال أيام العام، ليس لأن على رأسها ريشة ولكن لأنها هي التي تربي الأجيال، ولكن في ذات الوقت لا يمكن أن يصدر الغرب تعليماته لتنفذ في مجتمعات بعيدة كل البعد عن ظروفه، ولا يمكن أن تتحسن ظروف المرأة بمعزل عن الرجل، فهي ليست في منافسة معه، وكذلك هو، فهما في البداية والنهاية شريكان في الحياة والسعادة والأمل في غد أفضل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية