أقيمت فى مدينة دبى الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائى فى الفترة من 8 إلى 14 أبريل، والتى كرمت عدداً من نجوم الخليج، على رأسهم الفنانة الكويتية حياة الفهد، والممثل العراقى خليل شوقى، والممثلة والكاتبة الإماراتية رزيقة الطارش، وشارك فيها 112 فيلما خليجيا من 142 فيلما عرضها المهرجان، وبذلك أجابت على سؤال مهم هو: كيف تقام مهرجانات سينمائية فى الخليج وهى منطقة لا تملك صناعة سينما؟
جاءت الإجابة من خلال برامج الدورة المختلفة، وفى مقدمتها المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، التى اشترك فيها سبعة أفلام، على رأسها فيلم الافتتاح «دار الحى»، إخراج مصطفى على، وهو أهم إنتاج سينمائى إماراتى،
والفيلم يحكى قصة ثلاث شخصيات تعيش فى مدينة دبى هم: «راشد» الشاب الإماراتى، و«باسو» سائق التاكسى الهندى الذى يريد أن يصبح فنانا، و«نتالى» المضيفة الجوية الأوروبية التى تعمل فى الخطوط الإماراتية، ويعرض كيف تتقاطع مصائرهم، ويعتبر الفيلم، رغم ما شابه من تشوش البدايات والتأثر بالشكل الأمريكى فى السينما، تجربة طموحة وواعدة تمثل حالة بحث عن شخصية سينمائية من قبل شباب السينمائيين فى الخليج.
وتأتى التجربة الأنضج والأكثر عمقا فى الفيلم الكردى/العراقى «ضربة البداية» للمخرج شوكت أمين كوركى، وتدور أحداثه فى كركوك بعد سقوط نظام صدام والاحتلال الأمريكى حيث تقيم مجموعة من العائلات المشردة فى ملعب كرة قدم داخل مجتمع «عشوائى» جدا من أكشاك الصفيح ومياه توزع أسبوعيا وغياب لكل مقومات الحياة المدنية أو الإنسانية،
ولكن وسط كل ذلك، يطلع الشاب «أسو» بفكرة تنظيم دورى لكرة القدم بين أبناء العرب وأبناء الأكراد وأبناء الأتراك، وهى العرقيات الثلاث الرئيسية فى كركوك من أجل الترفيه عنهم من ناحية، وكنوع من التوحد الوطنى بين أبناء مدينة واحدة تعانى كما تعانى العراق كله من احتقان طائفى وعرقى منذ سنوات طويلة، والفيلم فى مجمله سواء على المستوى البصرى أو الدرامى يبدو متأثرا بأجواء المخرج البوسنى «أمير كوستوريتشا» ويعتبر من أنضج التجارب السينمائية التى عرضت خلال هذه الدورة.
ساهمت البحرين هذا العام بفيلمين طويلين فى المسابقة هما «أيام يوسف الأخيرة» للمخرج محمد جناحى، و«حنين» للمخرج حسين الحليبى، والتجربتان تغلب عليهما الميلودراما الشديدة، وإن كان يحسب لفيلم «حنين» محاولته تقديم تجربة فى الفيلم السياسى حيث يتحدث عن الاحتقان الطائفى بين السنة والشيعة فى البحرين، وتدور أحداثه فى التسعينيات وحتى أوائل الألفية الجديدة، أى قبل تغيير نظام الحكم فى البحرين، ورغم افتقاد التجربة الكثير من المقومات الدرامية الناضجة إلا أنها تظل تجربة طموحة من واقع سينمائى لايزال يحبو.
قدم المخرج العراقى الشاب حيدر رشيد تجربة شديدة الخصوصية فى فيلمه «المحنة» حول شاب عراقى من الجيل الذى ولد فى المنفى يحاول العثور على معنى لحياته من خلال بحثه عن هويته، وتدور أحداث الفيلم كلها فى لندن من خلال «حسن»، ابن أحد الكتاب العراقيين الذين قتلوا فى بغداد بعد عودته للعراق، والذى يعانى من رغبته فى أن يصبح كاتباً دون أن يكون لوفاة والده دور فى ذلك.
أكثر ما جاء فى صميم الإجابة على التساؤل الذى طرحناه فى البداية حول وجود سينما خليجية، هو أقسام مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، وبرنامج أضواء، ومسابقة أفلام الطلبة،
فقد حفلت الأقسام الثلاثة بمحاولات واعدة وشديدة النضج والابتكار من قبل عشرات العقول الشابة التى تحاول أن تتلمس طريقها نحو دراسة السينما وتعلمها وصناعتها للتعبير عن ذواتهم وأفكارهم ومجتمعهم، خصوصا الأفلام التى استغرقت فى الواقع الحياتى والنفسى الخليجى على المستوى الاجتماعى مثل فيلم «اششش» للمخرجتين الطالبتين حفصة المطوع وشما أبونواس، والذى يتحدث عن مجموعة من الفتيات المراهقات فى دبى ويعتبر كسراً علنياً للكثير من التابوهات التى تغلف الفكر السائد عن المجتمعات الخليجية مثل الحب والجنس والشذوذ والزواج ومشاكل المراهقة فى قالب بصرى ودرامى طموح رغم ضعف الإمكانيات المادية لدى صانعتيه،
وفيلم «تينا» للمخرج الإماراتى أمجد أبوالعلاء الذى استغرقنا فى لغة شعرية بصريا وحواريا فى الخيط الفاصل ما بين الخرافة والأسطورة الشعبية فى المجتمع الخليجى، وفيلم «ليلى» البحرينى للمخرج على العلى وبطولة الممثلة الشابة مريم يوسف التى نعتبرها هى ومواطنتها هيفاء حسين بطلة «حنين»، أهم وجهين نسائيين فى أفلام المهرجان.
أما تنظيميا وإداريا فيكفى أن ندرج ملاحظتين، الأولى عن قيمة وجود الشباب الإماراتى الواعى والدارس فى إدارة ندوات المهرجان باللغتين العربية والإنجليزية بالرغم من وجود العديد من النقاد المخضرمين، والثانية وجود التذاكر الخاصة بكل عرض رغم أن العروض مجانية لعمل تقييم حقيقى للإقبال الجماهيرى على حضور الأفلام فى كل برنامج على حسب عدد التذاكر المسحوبة على كل عرض، وهى فكرة تنظيمية ممتازة.