أرجع الدكتور محمد البرادعى، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عدم انضمامه إلى مظاهرة حركة 6 أبريل إلى أنه لن يشارك فى مظاهرات سلمية بها 100 أو حتى 500 شخص، وإنما سيشارك فى التحركات التى يمكن أن تحدث فرقاً، قائلاً إنه «لابد من التفرقة بين النشطاء وعامة الناس الذين يقودون حركة للتغيير».
وقال البرادعى فى حوار مع صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، نشرته أمس الأول، إنه لم يشارك فى المظاهرة حتى لا يشعر المصريون أن حضوره يمثل «حماية» لهم، وقال: «عليهم أن يدركوا أن مصر بلدهم، وأن عليهم مسؤولية، وينبغى عليهم المحاربة من أجل حريتهم سواء كنتُ موجوداً أم لا، لأن هناك توقعات مبالغا فيها عما أستطيع أن أفعله».
وأضاف البرادعى فى حواره مع الصحيفة الذى أجرته «جانين زاشاريا»، أنه يحاول على الأقل فى هذه المرحلة المبكرة أن يوضح بعض المشاهد عما يجب أن يكون عليه المستقبل فى مصر، خاصة أنه أصبح واضحاً أننا فى «نهاية طريق مسدود» وعلينا أن نتحرك نحو الديمقراطية، لأنه ليس هناك طريق آخر، فالأمر سيؤثر على العالمين العربى والإسلامى، حيث سيتغير كل شىء داخلياً وخارجياً.
ووصف البرادعى مصر بأنها «محرومة» من الديمقراطية منذ عام 1952، مؤكداً أن المشكلة تكمن فى أن الناس لا يعرفون ماهية الديمقراطية أو كيف يحصلون عليها، فلقد أصبحت الناس خائفة جداً ومتشائمة تجاه حدوث أى تغيير، لدرجة أنها أصبحت جزءا من اللامبالاة الموجودة حالياً.
ورداً على سؤال عما إذا كانت مطالبه تعد «عملية سيتم تحقيقها على المدى الطويل»، وليس خلال الـ 18 شهراً المتبقية قبل الانتخابات، قال البرادعى: «الأمر فى النهاية يعتمد على معنى التغيير، فإذا كنا نريد تغيير عقلية الناس، ودفعهم لفهم الديمقراطية وكيفية ممارستها، والحصول على تعليم، ورعاية صحية جيدة فإن الأمر سيأخذ فى اعتقادى جيلاً بأكمله».
وتابع: «لهذا أهدف إلى تحقيق أهداف قريبة وبعيدة المدى فى الوقت ذاته، ولكننى سأركز حالياً على الأهداف القريبة المتمثلة فى انتخابات حرة ونزيهة ونظام تعددية حزبية، وفرص متساوية، وتغيير للدستور، خاصة أن النظام السياسى بأكمله نشأ على أساس غير شرعى».
وفى رد له عن سؤال لماذا توجد أحزاب أخرى فى مصر إذا كان الحزب الوطنى يسيطر على الحكم، قال البرادعى إن الوضع السياسى فى مصر بأكمله مجرد «خدعة» و«مسرحية هزلية» لذا لن أكون جزءاً منه دون حدوث تغيير، فهناك ستة أو سبعة مطالب تضمن وجود أى ديمقراطية فى العالم لابد أن تتوافر فى مصر، وما يوجد حالياً ليس ديمقراطية، وإنما مظهر آخر لنظام الحزب الواحد.
وعن عدم انضمامه إلى أى حزب، أكد أنه يريد أن يشارك مستقلاً وبدعم من الناس، وليس بالانضمام إلى حزب سياسى، مشددا على أنه مع احترامه لجميع الأحزاب السياسية، فإنه لن يترشح ما لم تتح له فرصة متساوية وسط دعم سياسى كبير، مؤكداً أن اهتمامه الأساسى هو الإصلاح وليس الترشح بالضرورة.
وأضاف أن الحزب الوطنى يمتلك برنامجاً سياسياً ولكنه فشل فى تحقيقه، فبعد 30 عاماً لايزال هناك أكثر من 40% من الشعب تحت خط الفقر، و30% منهم أميون، مؤكداً أن كل شيء فى الدولة يبدأ وينتهى حيث النظام السياسى الذى يتيح تمكين الشعب، وأن تكون الناس قادرة على انتخاب برلمان مناسب ومستقل تكون فيه الأغلبية للمنتخبين وليس للحكومة، ويتم تغيير الحكومة كل أربع سنوات، بالإضافة إلى وجود استقلال قضائى.
وشدد البرادعى على أنه ليس هناك أى من هذه الأشياء فى مصر الآن، فنحن لدينا ديمقراطية شكلية ولكنها صفر فى جوهرها، مشيراً إلى أنه دون وجود نظام سياسى لائق ومناسب سنظل نرى القمامة فى الشوارع، ونعانى أزمة المرور، فالتطوير الاقتصادى والاجتماعى مرتبط بنوعية النظام الذى نملكه.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان معادياً لخطة «التوريث» فى حال وجودها أصلا، أصر البرادعى، على أن هذا ما يقوله الناس، وهى فكرة «تراثية»، معتبراً أن الحديث عن توريث الأب لابنه زاد فى ظل تقديم النظام الحاكم نفسه على أنه البديل الوحيد للإخوان المسلمين الذين يعتبرهم على قدم المساواة مع أسامة بن لادن، منوهاً بضرورة فهم سبب تمتع الإخوان المسلمين بالكثير من المصداقية والدعم، فالأمر يكمن فى أن جميع الأحزاب السياسية العلمانية الأخرى تم منعها من القيام بدورها، كما أن الإخوان يساعدون الناس فى الشوارع وهو ما لا تفعله الحكومة.
وعن استخدام الحكومة المصرية لقانون الطوارئ لمنع وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة وتحويلها إلى دولة إسلامية، قال البرادعى: «حتى لو كان هناك متشددون فى جماعة الإخوان فبينهم معتدلون مثل محمد سعد الكتانى الذى زارنى مرتين فى بيتى، وأوضح أنه ضد الدولة الدينية ويريد دولة مدنية»، وأكد البرادعى أنه سيتخذ الإخوان شركاء طالما عملوا وفقاً للدستور، كما يحدث فى كل الدول، وأضاف: بعد أسبوع من وصولى تلقيت دعماً من الحزب الشيوعى المصرى والإخوان المسلمين وكانوا فى بيتى معاً، مما يعنى أن هناك خطأ حقيقياً فى النظام الحاكم.
وعن رأيه فى أن كون جمال مبارك نجل الرئيس مبارك إصلاحياً، قال البرادعى: «ليس لدىّ أدنى فكرة، فربما يكون إصلاحياً فى المجال الاقتصادى الاجتماعى، إلا أننا لن نحقق الإصلاح فى المنطقة دون التغيير السياسى، فالنظام الجديد لابد أن يعتمد على المؤسسات وليس نظام الشخص الواحد».
وفيما يتعلق برؤية بعض المسؤولين فى الحزب الوطنى أن دعوته للإصلاح ليست أمراً سهلا مثل إعداد القهوة، قال البرادعى إنه يتفق معهم أن: الإصلاح ليس «قهوة فورية» إلا أننا لن ننتظر 7 آلاف سنة أخرى للتغيير، وعلينا أن نتخذ خطوات، ولا ننتظر السراب، فما يحدث فى مصر هو انتظار للسراب وأنا لن أنتظره.
وعن حضوره قداس الكنيسة يوم أحد القيامة، أرجع البرادعى ذهابه إلى هناك إلى لقائه بامرأتين قبطيتين على الطائرة خلال عودته من فيينا، أخبرتاه أنهما خائفتان من الذهاب إلى قداس «عيد القيامة» بسبب ما حدث من اعتداءات ضد الأقباط فى عيد الميلاد المجيد، وقال: «أردت أن أحضر لأظهر أنهم جزء من مصر بصرف النظر عن ديانتهم، كما أننى اندهشت من التأييد الذى حصلت على من خلال التعليقات والشكاوى المكتوبة التى قدموها لى»، قائلاً إنه كان حزيناً من الإجراءات الأمنية حول الكنيسة، مؤكداً أنه لم يكن يحاول أن يقابل رجال الدين وإنما أراد أن يقابل الناس ويقول «نحن معا فى ذلك».
وعن عودته للقاهرة وإطلاقه فكرة حركة التغيير، قال إنها جاءت بالصدفة، مضيفاً: «الناس طالبتنى بالحضور والمشاركة.. من هنا بدأ الأمر..بدعوة من حفنة من الكتاب والمثقفين»، لافتاً إلى أنه لا يهتم بترك الرئيس مبارك للسلطة، ولا يهتم بالأمر على نحو شخصى، وإنما يتحدث عن السياسة، خاصة أن الدولة تتلاشى سياسيا واجتماعيا واقتصادياً.
وقال البرادعى إنه يختلف مع الرئيس الأمريكى جورج بوش فى كل شىء إلا فى دعوته للديمقراطية، إذ اعتبرها الشيء الصحيح الوحيد، إذ إنه لايمكن لدولة فى القرن الـ21، أن يظل شعبها يعيش لمدة 30 سنة تحت قانون يعتبر تجمع أكثر من خمسة أمراً ضد القانون أو تنظيم مسيرة سلمية خرقا له، كما أنك لو أردت تأسيس حزب عليك أن تذهب إلى الحزب الوطنى.
وأضاف البرادعى أنه علينا أن نعى أن أمريكا لا تمتلك الحقيقة، فكل شخص فى الجنوب أو الشمال أو الغرب أو الشرق عليه أن يدرك أن حقوق الإنسان عالمية، وينبغى أن يحظى الجميع بنفس الحقوق الأساسية للحياة بحرية، فالإصلاح لابد أن يأتى من داخل الدولة.
وعن تدخل المجتمع الدولى فى دعم الديمقراطية، قال البرادعى إنه لابد من تحقيق المصداقية فى مسألة حقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية التجمع، بأن يتم النظر إليها فى جميع الدول دون غض البصر عن الأنظمة الصديقة، فحقوق الإنسان قضايا عالمية.
ورأى البرادعى أن عدم المصداقية فى التعامل مع حقوق الإنسان وبقاء نظم الحكم الاستبدادية يزيد التطرف فى العالم العربى ومصر، مؤكدا أن الدولة لو بقيت على هذا النحو فسيتسمر التطرف ليس فى مصر فقط ولكن فى كل العالم العربى، فمصر تمثل مرشداً لبقية الدول العربية.