ليس هنا المكان المناسب لمناقشة تفاصيل ودلالات حكم القضاء الإدارى النهائى بإلغاء بيع شركة «موبينيل» إلى الفرنسيين.. فما يعنينى فقط هو انتصار نجيب ساويرس للمرة الثانية فى ذلك النزاع القضائى الذى أصبح، رغماً عنه وعنا، صراعاً يمس الهوية وهوى الناس ومشاعرهم، وليس مجرد صراع اقتصادى بين عملاقين.. ولا أزال أذكر يوم انتصر نجيب فى المرة الأولى ووقف فى ساحة المحكمة يبكى بدموع كثيرة وصادقة ويصرخ: «البلد دى بلدنا ومش هانسيبها»، ولهذا أطلب اليوم من نجيب ساويرس أمراً ربما لا يخطر فى باله الآن، وما هو فيه من أرقام وملفات وقضايا وهموم وشواغل، أطلب منه أن يلتفت للصعيد..
لن أقول له كلاماً مكرراً عن الواجب الاجتماعى لرجال الأعمال، ولن أعيد على مسامعه تلك الأسطوانة القديمة عن الالتفات للجذور ورد الجميل لبلدان الطفولة والصبا.. ولكننى سأطلب من نجيب ساويرس ما هو أهم من ذلك.. وهو ليس طلباً واحداً فى حقيقة الأمر.. وإنما سأطلب منه أولاً أن يقدم درساً لمعظم رجال الأعمال فى مصر فيما يخص الرياضة وتنميتها والاهتمام بها.. فلا تصبح الرياضة بالنسبة لهم مجرد وجاهة تتجسد فى هدايا ومكافآت للنجوم.. أو وسيلة لمنافقة السلطة ومسؤوليها فى كل مناسبة.. أو شراء منصب ومقعد فى أى ناد وصور وأخبار فى كل الصحف وعلى كل الشاشات.. ولكنها ممكن أن تكون حلولا لهموم ومواجع كثيرة جداً..
وإذا كان رجال الأعمال فى كولومبيا قد نجحوا بكرة القدم فى مواجهة تجار المخدرات.. فإن نجيب ساويرس هنا ممكن أن يشرح للآخرين كيف يمكن لكرة القدم أن تواجه الفتنة الطائفية ومحاولات الداخل والخارج لغرس الغضب والكراهية تحت جلد الجميع، ولتكن البداية فى مدينة مصرية حزينة ومجروحة اسمها نجع حمادى..
سأطلب من نجيب ثانياً ألا تكتفى عائلة ساويرس بنقل مباريات الجونة إلى استاد سوهاج، مسقط رأسهم، ليستمتع الناس هناك بالفرجة على الأهلى والزمالك.. ولكن أتمنى أن يرعى نجيب فريق سوهاج لكرة القدم بشرط ألا يضم النادى أى لاعب أفريقى أو أى لاعب من خارج سوهاج.. ليبقى هذا الفريق طاقة النور لكل أبناء المدينة الحزينة الموهوبين لكن دوماً ممنوعون من الحلم واللعب.. لأن هذا النادى هو الأولى برعاية نجيب واهتمامه وأمواله من الصيد أو الأهلى، مهما كانت الفوارق فى الشهرة والمكانة والأضواء..
أما الطلب الثالث الذى سأطلبه من نجيب فهو ألا يجرى مثلهم جميعاً وراء كرة القدم فقط لأنها هى التى تأتى بالشهرة والوجاهة.. ففى الصعيد مواهب حقيقية فى لعبات أخرى كثيرة.. لكنها فقط تنتظر ولو فرصة واحدة فى العمر.