x

إسعاد يونس لا.. يا أستاذ وحيد حامد إسعاد يونس الخميس 06-02-2014 20:12


■ من صندوق الذكريات.. هذه رسالة كتبتها يوم تسعة إبريل 2009 وكانت موجهة للكاتب الكبير الأستاذ وحيد حامد.. وهى تثبت نظرية بتقول «مش كل الحنين للماضى حلو.. ده فيه ماضى يعلم بيه ربنا.. الحنين إليه بيجيب تلبك فى المعدة»..

■ الأستاذ وحيد حامد المحترم.

■ قرأت رسالتك المنشورة يوم 8 إبريل 2009، والموجهة إلى السيد غبور تطالبه فيها بالتوقف عن إنتاج التكاتك، جمع تكتك، لأسباب عدة سقتها أنت تتعلق بمخاطبته بصفته صانعها الأول، ومطالبا إياه بوقف خطوط إنتاجها وتحويلها إلى إنتاج سيارات مشروع التاكسيات الجديد.. إلى آخر ما سقت من أسباب لم تكن هى التى استوقفتنى..

■ إنما ما استوقفنى هو وصفك للتكاتك بأنها تنطلق فى الشوارع فى عشوائية وكأنها مجموعات من الصراصير تثير الفزع والقرف وتتسبب فى زيادة معدل الجريمة وانتشار الفوضى والقبح وعرقلة المرور وإفساد الحياة الاجتماعية المصرية.. وقرنت هذا الأمر بأننا دولة سياحية المفروض أن تتميز بالتقدم والرقى والتحضر..

■ وشعرت بالألم والغصة لمهاجمتك لتكاتكنا الحبيبة.. أهكذا يا أستاذ وحيد؟.. بجرة قلم تنهى حياة أحبابنا الصغار الذين يمرحون فى شوارعنا مثيرين البهجة والفرحة والمرح.. تلك التكاتك المقطقطة ذات الألوان الفاقعة والرسومات المزركشة.. يا لقسوة القلب.. هكذا؟.. تحرمنا من البلالين والجلاجل والكلاكسات ذات التزييق النشاز والزمامير والنداءات المبدعة إوعى وشك لا القطر ينشك؟..

■ وكل هذا بدعوى أن بلدنا بلد سياحى؟.. المفروض أن يتميز بالرقى الحضارى والملامح المصرية التاريخية.. وأن يصبح قبلة السواح فى جميع أنحاء العالم لما فيه من معالم يندر أن تجتمع فى بلد آخر..

■ وما هى هذه المعالم؟.. الآثار الفرعونية والإسلامية والقبطية والرومانية والإغريقية؟.. والبحر الأبيض والأحمر؟.. السياحة الدينية والعلاجية والترفيهية؟.. فقط؟..

■ إسمح لى.. وأنا التى لا أحلم أن يصل ارتفاعى لربع قامتك العظيمة.. أن أضيف إليك بعض المعلومات..

■ نحن لدينا سياحة من النوع الفريد.. منها هذه التكاتك الحبيبة التى تريد إعدامها.. فأين يمكن أن يرى السائح هذه المغامرات البهلوانية التى تحدث فى الشوارع، وخاصة تلك التى تحيط بالآثار والتى تقع فى دائرة رحلته إن كان متوجها لزيارة أبوالهول أو أهرامات سقارة مثلا؟..

■ أين يمكن أن يرى نهرا عظيما كنهر النيل وقد تزين فى مناطق كثيرة منه بورد النيل القاتل.. أو ترصع بجثث الحمير والجواميس الميتة منتفخة البطن فى منظر رائع ومثير؟.. أين يمكن أن يرى الترع المتفرعة من النيل وقد غطتها القاذورات الأنيقة وأكوام مخلفات البشر.. أين يمكن أن يرى الأطفال أحباب الله وقد تعرى بعضهم تماما أو ستر بعضهم نفسه بلباس دمور وهم يمرحون المرح البرىء ويلقون بأنفسهم فى المياه العطنة التى لا يزيد ارتفاعها عن نصف متر؟..

■ قد يرى فى مناطق سياحية فى بلدان أخرى خيولا وجمالا وحميرا.. ولكن هل يسمح له الزمان بأن يتعرف على من يسوقون هذه الخيول والجمال والحمير كما يتعرف عليهم عندنا؟.. الناس الكمل الذين يدعونه بمنتهى الإلحاح لأن يمتطى الدابة من دول بخمسة دولار.. وعندما تنتهى الجولة يطلبون مائة دولار حتى ينزلوه؟.. فإذا البعيد رفض.. هى نغزة فى مؤخرة الحصان أو الجمل لينطلق بأقصى سرعة مهددا حياة من فوقه ليبدأ فى الاستغاثة ويدفع ورجله فوق رقبته؟.. من الذى يفلت من هذه المغامرة؟.. راكب الحمار طبعا..

■ هل تستطيع أى سائحة تزور بلدنا الحبيب مهما كان عمرها أن تنكر المتعة الحسية التى تحصل عليها أثناء تجوالها على قدميها فى مناطق كثيرة، مثل الأحياء الشعبية التى تتواجد فيها بعض الأسواق السياحية؟.. فهى يتم الترحيب بها على أعلى مستوى من شباب المنطقة الناهض.. يد تعرض عليها بضاعة لتشتريها بالعافية.. واليد الأخرى تسلم عليها بحرارة.. يقع الخطأ فقط عندما لا تمتد هذه اليد الأخرى لتبحث عن كفها.. وهو يعنى السلام ما ينفعش غير بالكف؟.. ما الجسم مليان مناطق أخرى..

■ أين يمكن للسائح أن يرى عربة كارو تتهادى فى هدوء ورشاقة وتؤدة على كوبرى ستة أكتوبر؟؟ حاتقوللى مستحيل؟.. رأيتها بعينى وكانت الساعة العاشرة والنصف مساء فى اتجاه مصر الجديدة.. وسرت بجوارها بسيارتى ببطء وعطلت طابور السيارات خلفى وتحملت اللعنات والشتائم بالأب والأم لأفرك عينى وأتأكد..

■ السياحة لدينا فريدة يا أستاذ وحيد والله.. هل تستطيع أن تنكر أن زوارنا يستمتعون برؤية الحمير والجمال والمعيز والكلاب والقطط والعرس والفئران والسلعوة فى شوارع عاصمتنا قاهرة المعز؟..

■ هل يمكن أن يرى السائح فى أى دولة فى العالم عربات الميكروباس الباسلة التى تنطلق فى شوارعنا فى حرية مطلقة؟.. يقف أينما يريد.. يسير فى أى اتجاه.. يكسر على من يحب.. يهرس من لا يحب.. يلتقط زبون فى أى لحظة ومن أى مكان.. يرمى الزبون الذى لا يعجبه فى أى مصيبة.. يستخدم كل ألفاظ التراث الشعبى العريق والمستحدث وبأعلى صوت.. يدخن ويشم ويبلبع ويلوك ويبصق فى جميع الاتجاهات.. فيه كده حلاوة يا ناس؟..

■ فى هذا العالم الرحب.. هل يمكن أن يقرر سائقو الميكروباس أن يكون الموقف فوق الكبارى السريعة، وبالذات فى المطالع والمنازل؟

■ فى هذا الكون الرائع.. هل يمكن أن يسير الناس فى وسط الشارع؟.. وبالذات فوق الكبارى؟.. وبالأخص فى عز الليل والإنارة معدومة أو شغالة صباحا فقط؟؟ شريطة أن يعطوا ظهورهم للسيارات الآتية من خلفهم؟.. هو ماشى.. أنت قررت تتفاداه يبقى خير وبركة.. لم تتمالك نفسك وصدمته يبقى منك لله والحكومة تطسك قتل خطأ أو تدفع الدية.. إنت وظروفك..

■ ضع يدك على أى مكان فى الخريطة وقل لى ما هو البلد الذى لا يجد ناسه غضاضة فى أن يقضوا حاجة عرضت فى الطرطريق العام؟..

■ طيب أنا راضية ذمتك.. تخيل سائحا أو سائحة خرجوا من الفندق فى غفلة من شركة السياحة التى أحضرتهم أو من المرشد السياحى المسؤول عنهم.. وليس معهم خريطة.. أصلا نحن ليس لدينا خرائط لنعطيها للسواح.. وتاهوا..

■ ولم يشعروا بأزمة لأن عيونهم تشاهد كل الأشياء النميسة المتفردة التى ممكن أن نتخيلها.. ساقتهم أقدامهم لتحت كوبرى..

■ لن تستقبل صدورهم ما ينقى الرئة وينعنشها مثل روائح الصنة المعتقة تحت الكوبرى.. لن يحلموا باستقبال شعبى مثل هذا الذى من أبناء المنطقة.. أولاد الشارع الذين نشأوا وترعرعوا فى هذا النصب التذكارى المظلم.. وسيظهر الكرم الحاتمى كما جاء فى الكتب.. كل أنواع السموم والعقاقير ومدقوق الجماجم ومحروق الصراصير ومطحون الركب علهم يكونوا من علماء الطب البديل.. وسيرون نماذج من بشر منزوعى الكلى ومحروقى الجلود أطفال آباء أطفال.. إلى آخر ما تحت الكبارى من مصائب..

■ فإذا خرج من هذه الموقعة سالما.. فهل سيركب مواصلات عامة؟.. هل يجرؤ؟.. هل سيركب ميكروباس؟.. هل سيركب تاكسى مثل تاكسيات أى بلد مهما كام متخلفا فى العالم بدون تقليب وسخافة.. هل سيصل إلى مترو الأنفاق؟.. هل سيستقل فلوكة من بتاعة الحبايب والأجرة عالمفتح شكل وعالمغمض شكل تانى..

■ إذن ماذا سيركب؟.. سيركب التكتك.. الذى سيحل له المشكلة ويوصله إلى الفندق آمنا سالما غانما.. مش مهم يكون الفندق الذى ينزل به أصلا.. إنما أهه فندق والسلام..

■ كان هذا هو بيت القصيد.. أن ألف كل هذه اللفة الخايبة لأدافع عن تكتكنا الحبيب.. وأعترض على مطالبتك بإعدامه.. من باب الشغب وخلاص..

■ دمتم.. ولك تحياتى..

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية