لم أكن من الثلة الاولى التي دخلت ميدان التحرير في 25 يناير, فقد دخلته ليلا و بعد ان اعتصم الثوار بالميدان, يومها وجدت كل من اعرفهم الان من رجال بحق في وسط الميدان, مجموعة من الشباب يشكلون دائرة حول عبد الرحمن يوسف و مصطفى النجار و غيرهم من الشباب, رأني مصطفي و أول ما قال "تأخرت عن الثورة يا دكتور شكري", تشكلت إذاعة الميدان بالجهود الذاتية و حضر بعض السياسيين لإلقاء الكلمات التحفيزية وشد أزر الشباب. بقيت في الميدان حتى منتصف الليل و رحلت قبل فض الاعتصام بدقائق و علمت بعدها بخبر القبض على النجار.
27 يناير ليلا, التقينا في منزل الدكتور البرادعي للحديث عن يوم 28 و ترتيباته, و كنت من ضمن الحاضرين مع السادة محمد أبو الغار, عبد الجليل مصطفى, عبد الرحمن يوسف, محمد سعد الكتاتني , عصام العريان, مصطفى النجار و عبد المنعم امام. كان رأي في تلك الجلسة أن من نزل في25 يناير لا يتبعوا أي تنظيم و ليس لأحد سلطان عليهم, قد يكونوا متافعلين مع دعوات الانترنت كالتي على صفحة كلنا خالد سعيد و لكن بالتأكيد غير منظمين و لكل منهم عقله الذي يحركه. كان الرأي الأغلب في الجلسة أنه لا يمكن التكهن بما سيحدث في اليوم التالي الجمعة 28 فمع قطع الاتصالات قد يزداد الغضب. و تكلم البعض عن فكرة تشكيل حكومة تقود في حالة سقوط النظام.
كان القرار بأن يصلي الدكتور البرادعي في مسجد الاستقامة و أن تكون نقطة التجمع قبل صلاة الجمعة أمام منزلي لقربه من المسجد. 28 يناير صباحا, حضر من حضر في اليوم السابق و قد تم القبض على قادة الاخوان ليلا, و زاد على الحضور بعض الشخصيات السياسية فكان من بينهم الكاتب ابراهيم عيسى. تحركنا مع قدوم البرادعي إلي مسجد الاستقامة, وقبل المسجد بمئة متر أغلق الأمن الطريق و ترجلنا للمسجد بعد تفاوض مع الأمن للمرور للصلاة وصت هتاف "عيش, حرية عدالة اجتماعية". كانت ساحة المسجد ملأة بالمصلين, فافترشنا الأرض حول البرادعي و صلينا في الشارع. فور إنتهاء الامام من الصلاة ارتفعت الصيحات بشعار "الشعب يريد اسقاط النظام" تدافع الناس في اتجاه الامن إلا أن المياه و القنابل المسيلة للدموع اجبرت الشباب الملتف حول البرادعي إلي إدخاله داخل المسجد لحمايته. بقيت خارج سور المسجد و بدأ الكر و الفر مع الأمن, رأيت السيدات يلقين المياه للمتظاهرين و زجاجات الخل من النوافذ, رأيت الدكتور أبوالغار يجلس منهكا على الرصيف رأيت شبابا أعرفهم من الانترنت و التقيتهم لأول مرة في الميدان, كنت واثقا أن هناك الآلاف غيرنا في الميداين و أننا إذا صبرنا ساعة فحتما لن يصمد الأمن أمام كل تلك الجحافل من الشباب. كانت المعركة بين الشباب الذي يرفع الشعارات و الافتات بكل سلمية و الأمن الذي يمطرهم بالقنابل المسيلة للدموع كلما حاولوا التقدم, بقى الحال على ذلك حتى بعد صلاة العصر إلى أن فتحت الشرطة الحواجز عند الميدان.
كانت لحظة فارقة, رأيت الناس تسلم على أفراد الشرطة و نحن نمر من بينهم و يحيوهم و يهتفون "سلمية, سلمية, سلمية" ثم مررنا بجوار كنيسة الجيزة و إذ بمجموعة من الشباب يشكلون درعا بشريا مشبكين أيديهم حول اسوارها, مررنا بجوار السفارة الاسرائيلية و كنت متخوف من أن يتهور بعض الناس فتتشتت المظاهرة إلى غير ما خرجنا إليه و لكن الوعى الجمعي تفوق و مرت التظاهرات بسلمية جانب السفارة وبجانب مديرية أمن الجيزة, نظرت إلي الخلف فلم أرى إلا أناسا يملئون الأفق, و على مد البصر حتى ميدان الجلاء رأيت رجالا و نساءا و شبابا. وصلنا ميدان الجلاء و إذا بتمثال طه حسين غير مرأي من الناس, وجدت عربة شرطة محترقة وجدت مصابون محمولون قادمون من كبري قصر النيل ففهمت أن مقاومة الشباب كانت في كل الميادين, كان استقبال مسيرة الجيزة برتحاب شديد و كأنهم كانوا ينتظرون الغوث, وسمعتهم يقولون دوركم الأن ان تعبروا كوبري قصر النيل, مضينا على كوبري قصر النيل و صلينا المغرب عليه و استمر الكر و الفر بين الأمن و المتظاهرين إلي أن دخلنا ميدان التحرير عند صلاة العشاء و مع نزول الدبابات إلي الشوارع أدركت أن دوري في هذا اليوم قد انتهى و عدت إلي المنزل لتبدأ مصر مرحلة جديدة و تبدأ الثورة معاناتها.