x

عمرو سلامة يكتب: فلاش باك ١١ فبراير

الجمعة 24-01-2014 18:02 | كتب: اخبار |
المخرج عمرو سلامة. المخرج عمرو سلامة. تصوير : other

قال عمر سليمان كلماته الأخيرة، “الرئيس كلف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد” صيحات كثيرة من الفرحة والسعادة، شعور لم أكن أتخيل أن أشعر به إلا لو مصر حصلت على كأس العالم. نزلنا في الشوارع لنهتف، أظن أننا كنا من أول من هتفوا “الشعب خلاص أسقط النظام”. أتذكر الهتاف ونحن نسير في شوارع المهندسين، لكن الكثير من الناس لم يشاركونا الهتاف، كانوا على قدر كبير من التوجس، والسؤال المحير يشغل بالهم، “ماذا بعد؟” أو كما يسألون يوميا “هي البلد رايحة على فين؟” أمسكت بهاتفي المحمول لأقرأ رسالة فحواها “من النهاردة مش هارمي زبالة، مش هامشي عكسي، هاشتغل علشان أعمر بلدي”، ووجدت أن نفس الرسالة ترسل إلي من كل أصدقائي. يومها كان عندي قناعات يقينية، هذا الشعب سيصنع من هذه الدولة دولة عظمى، لن يقبل بديكتاتورا آخرا، أي رئيس سيأتي سيصاب بال”تحريروفوبيا” وسيخاف هذا الشعب القادر على إطاحته كما فعل مع من قبله. بعد ثلاث سنوات، أكتب هذه الكلمات وأنا لا أخفي شعوري الذي أصاب كل من كان في موقفي، وهو شعور بالإحباط ممزوج بنظرة ساخرة لنفسي القديمة الرومانسية. نزل المحبطين ليصرخوا بأمل دب فيهم يوم ٢٥ يناير، إستشهد منهم من إستشهد، وهكذا في أحداث أخرى متعاقبة، آخرهم ٣٠ / ٦.

أؤمن أن كل من نزل للشارع وعرض حياته للخطر، أو حتى لم يعرض، كان دافعه حبه للبلد، وأمله في مستقبل أفضل، للبلد أو له كإنسان يحيا فيها، وعندما أقيم مجهود كل هؤلاء، والدماء التي سالت، ومن فقدوه من زويهم، أشعر مثلهم بالإحباط. يظل التساؤل مستمرا، “من الملام؟”، هل الملام هو نظام قوي، له ماكينة معقدة إسمها الدولة، عادت الثورة، لأنها بالطبيعة أتت على مصالحها، ففعلت كل مجهوداتها لتحارب هذه الثورة وتشويهها؟ أم نلوم يمينيين دينيين، جاءت الثورة لتجلس على حجرهم، ليستغلوها لحلم عقائدي طائفي، فأخذوها لحم ليرموها عظم، فيتطاريون بعدها كرماد، مستغلين قدرتهم على التمويل والحشد، وعلى غسل أدمغة البشر بحلم كاذب، وبإستغلال طائفية زرعت في قلوبهم على مدار قرون؟ قد نحاول أن نلوم الإعلام، الإعلام الذي كان بعد الثورة بين محارب لها، وبين منتصر لها حتى مع أخطائها الواضحة، إعلام حتى من لم يكن له موقف عدائي معها، ولكن بسبب إنعدام مهنيته، صمم على صناعة “حلقات سخنة” فقط، فإختار من رموز الثورة أكثرهم تطرفا، فقط ليتشاجر مع أكثر أعدائها تطرفا، ليصب ذلك في زهق الناس من الشجار الدائم وتشويه الثوار أنفسهم. لو كنا شجعان، قد نلوم الثوار نفسهم، في قلة وعيهم بالحس الشعبي، هذا يلوم الشعب على صمته، والآخر يرتب له أولوايته، وذاك يطالب بمطالب حتى لو كانت صحيحة بطريقة لا تلائم تقاليد بشر عاشوا عقودا تحت حكم ديكتاتوري فلا يعملوا غيره ويوترهم إحساس التغيير، خاضوا معارك لا تستحق مجهودها، وتركوا معارك بسببها نعاني جميعا، لم يستمروا لا على مسار ثوري خالص، ولا على مسار سياسي محنك، بسبب قلة وعي أو نوايا حسنة بشكل مبالغ فيها، أو بسبب تضليل لا يقل عن تضليل الطرف الآخر.

لذا يفشل الثوار دائما ولا ينتصر دائما إلا طرفين، يملكون المال أو السلاح أو الإعلام أو المؤسسات، طرفين بطبيعتهم متوجسين من بعض شباب يرونه أهوج، ليصبح الإختيار الشعبي دائما مع ذلك أو ذاك، فليس للثورة أو لشبابها “ظهر” حقيقي يستندون عليه، فكان دائما من السهل ضربهم على بطونهم. لكن ماذا سيفيد لوم ذلك أو ذاك؟ هل تحليلنا حتى لو كان صائب وعبقري سيغير من الحاضر شيء؟ السؤال الأقيم هو “ماذا بعد؟” و”مصر رايحة على فين؟” و”نقدر نعمل إيه”؟ الظن بأن أي نقطة هي النهاية ظن ساذج، الظن بأن الرأي العام الجمعي يقف عند نقطة ظن أكثر سذاجة، من يهلل له الناس اليوم قد يلعنوه غدا لو لم يلبي أمانيهم ووعوده، من يسبه الناس اليوم قد يحمل على الأعناق لو ثبت أن كلامه صحيح ونواياه صادقة. الخوف والإحباط واليأس مشاعر إنسانية، ووجودهم سيكون أكبر سبب للإنفجار، فالناس عندما نزلت في يناير أو في ٣٠/٦ نزلوا بسبب قمة الإحباط وليس قمة الأمل. لم يتحقق إلى هذه اللحظة شعورنا أننا في دولة عدل، أو أن هناك حرية حقيقية، ولم يتحقق ولو جزء من مطلب العدالة الإجتماعية، ومازلت أحلم بهذه المطالب أيا كان من يحققها، ثوري كان أو عدو لها، مدني كان أو عسكري، ديني كان أو علماني، فلو أن عدو الثورة إنتصر لمطلب العدالة الإجتماعية، ولو عسكري إنتصر للكرامة الإنسانية، ولو ديني وإنتصر للحرية، فأنا لا أعارض، فالأصل المطلب والخوف أن تكون هذه المطالب عكس قناعاته أو عكس مصالح من يدعمه.

الثورة ليست الأهلي، يجب أن نشجعه دوما أمام الزمالك أو أي فريق آخر، الثورة كلمة توصف حدث، سبب حدوثه المطالب ذاتها، وقد صنعنا منها أحيانا صنم فتناسينا لماذا قامت. إن سب هذا أو ذاك الثورة، أنا لا ألومه، فقد تغذى عقله على تشويهها، لكنني أسأله، ألا تريد العدل والحرية والمساواة والكرامة والأمن؟ فمن يكره هذه المطالب، هل نزلت الثورة لتطالب بالفوضى والظلم وقطع العيش؟ لذا فالمطالب جامعة، فلنتجمع عليها حتى نحققها، بأي شكل كان، حتى تنتصر مصر، وينتصر الإنسان. فالدولة بدون إنسان سعيد، دولة بائسة، ونحن نحلم بدولة أبأس من فيها مكرم وسعيد. ولهذا الحلم فقط، نتفنس ونحيا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية