x

بشار الأسد.. «دون كورليوني» يُبعث من جديد (بروفايل)

الأربعاء 22-01-2014 01:36 | كتب: شاهر عيّاد |
بشار الأسد وآل باتشينو بشار الأسد وآل باتشينو

ربما لا يعي الرئيس السوري بشار الأسد أن حياته تتقاطع في كثير من المشاهد، مع حياة مايكل فيتو كورليوني، بطل رواية «العراب» للروائي الإيطالي ماريو بوتزو، والذي جسد شخصيته النجم آل باتشينو في ثلاثية «The Godfather»، للمخرج فرانسيس فورد كوبولا (1972 – 1974 – 1991).

فكلاهما خلف والده بالصدفة، بعد وفاة شقيقه، وكلاهما واجه استهانة خصومه بشدّة لم يتوقعها أحد، وكلاهما أحدث تغييرات هيكلية في الإمبراطورية التي ورثها عن والده، وكلاهما تعرض لخيانة أحد المقربين من والده، وفي النهاية كل من الرجلين استطاع عبور أزماته مستغلًا حنكته، أو أخطاء الخصوم.

«آل كورليوني» و«آل الأسد»

صعد فيتو كورليوني إلى المجد وأسس عائلة تسيطر على أعمال المافيا في نيويورك، قادمًا من القاع، مطاردًا من عصابات المافيا في جزيرة صقلية الإيطالية. بنى رويدًا رويدًا مجده، مع مجموعة محدودة من أصدقائه.

استكمل فيتو كورليوني (الذي أدى دوره في الجزء الأول من الفيلم النجم مارلون براندو، وفي الجزء الثاني روبرت دينيرو)، بناء أركان إمبراطوريته العتيدة، مرتكبًا مجموعة متنوعة من الجرائم، ليزيح عددًا من العقبات التي حاولت إعاقة طريقه، ثم يحقق ما يراه «عدلًا»، مُحافظًا، في الوقت نفسه، على حماية قيمه الخاصة، ومفهومه الشخصي عن العدل، وقدسية الحياة الأسرية.

أعد فيتو كورليوني ابنه الأكبر «سوني» لخلافته، فيما تعمّد إبعاد الابن الأصغر «مايكل» عن أعمال العائلة. كان مايكل ضابطًا في الجيش، ومن أبطال الحرب العالمية الثانية. ولكن بسبب ظروف استثنائية، تعلقت بدخول عائلة «كورليوني» في صراع مع العائلات الأخرى التي تعمل بالمافيا في الولايات المتحدة، أدت إلى مقتل «سوني»، صعد «مايكل»، ربما دون أن يشعر، إلى واجهة المشهد، وخلف والده في إدارة أعمال العائلة.

فور تولي مايكل كورليوني إدارة أعمال العائلة، واجه سلسلة من المصاعب تعلقت بخيانة سال تيسيو، أحد أقرب أصدقاء والده، وتآمره مع زعيم عائلة «بارزاني» المنافسة لاغتيال مايكل، فيما حافظ الصديق الآخر ريتشارد كليمانزا (الذي عُرف أيضًا باسم كليمانزا البدين)، على العهد مع فيتو كورليوني.

نجح مايكل كورليوني بدهاء، في إزاحة جميع منافسيه، وتربع على عرش عائلة «كورليوني» حافظًا مكانتها، قبل أن يطور أعمالها فيتورط في أعمال المخدرات التي طالما رفض والده أداءها، ويحطم الثوابت الأسرية التي أسسها «فيتو» في مشهد أيقوني، يُقتل فيه شقيقه «فريدو» بناء على أوامر «مايكل».

تبدو قصة «آل كورليوني» شديدة القرب بقصة «آل الأسد». إذ شق حافظ، الذي نشأ في قرية القرداحة الفقيرة على سواحل اللاذقية، طريقه العسكري في الجيش السوري والسياسي في حزب البعث العربي الاشتراكي بالتزامن، حتى نجح مع صديقه –الذي لم يخنه- في الصعود إلى قمة الهرم السياسي في سوريا عام 1970، منقلبًا على أستاذه صلاح جديد، ثم عيّن «طلاس» وزيرًا للدفاع.

عيّن حافظ الأسد صديقه الآخر، عبد الحليم خدام، الذي لعب لاحقًا دور سال تيسيو مع بشار الأسد، وزيرًا للخارجية، فور توليه رئاسة الجمهورية، فكانت هذه هي الدائرة الأضيق التي تحكم سوريا.

أعدَّ حافظ الأسد ابنه الأكبر «باسل» لخلافته، ولكن وفاته في حادث سيارة في يناير 1994 أحبطت هذه الخطة، فاستدعى «حافظ» ابنه «بشار» من حيث كان يستكمل دراسة طب العيون في لندن، لينضم في عام 1994 إلى الجيش السوري ضابطًا برتبة ملازم أول، ويصبح عام 1999، قبل عام واحد من وفاة والده، عقيدًا.

ربيع دمشق.. وشتاؤها

في 10 يونيو 2000 توفي حافظ الأسد، فتولى نائبه الأول عبد الحليم خدام منصبه مؤقتًا، وقرر ترقية «بشار» من رتبة العقيد إلى رتبة الفريق، وعيّنه قائدًا عامًا للقوات المسلحة السورية. واجتمع مجلس الشعب السوري، برئاسة عبد القادر قدّورة، وقرر إجراء تعديل دستوري على المادة 83 من الدستور، لخفض سن المرشح لرئيس الجمهورية من 40 عامًا، إلى 34 عامًا، لفتح الطريق أمام الفتى الذي لم يكن بلغ عمره 35 بعد.

اجتمعت بعد أسبوع من وفاة «حافظ» القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وقررت، بالإجماع، ترشيح بشار الأسد لرئاسة الجمهورية. وكان الدستور السوري آنذاك، ينص على أن تقدّم القيادة القطرية لحزب البعث مرشحًا للرئاسة، يصوّت نواب البرلمان على اسمه، ثم يطرح للاستفتاء الشعبي.

مثل مايكل كورليوني، واجه بشار الأسد تحديات في بداية حكمه، كان سببها التغييرات الهيكلية التي أراد القيام بها في سوريا. أدخل الابن الإنترنت إلى البلاد للمرة الأولى، ثم التليفون المحمول، وفتح ثقبًا في جدار الاشتراكية السميك الذي بناه والده وحافظ عليه، بأن سمح لرجال أعمال –مقربين منه- بالاستحواذ على مشاريع طالما دأبت الدولة على احتكارها، وبدأ السوريون يمرون أثناء سيرهم في شوارع دمشق بفروع مصارف أجنبية، وسلاسل مطاعم أمريكية مثل «كنتاكي» و«بيتزا هت».

ترافق ذلك مع انفتاح مؤقت في الحريات السياسية، ما عُرف باسم «ربيع دمشق»، حيث ساد أمل بأن الابن سيفتح المجال السياسي الذي أحكم والده إغلاقه، تعزز مع السماح بأنشطة أحزاب معارضة وإصدار عفو عن مئات المعتقلين السياسيين.

ولكن مع احتدام النقاشات السياسية وتطرقها إلى كثير من المحرمات، تحوّل الربيع إلى شتاء قارس، إذ قررت السلطات الأمنية مطلع 2001 (بعد أقل من 6 أشهر على تولي بشار الأسد سلطاته) تعليق أنشطة المنتديات السياسية والاجتماعية التي كانت لُب الحراك السياسي في سوريا آنذاك، وأصدر «الأسد» ورموز نظامه تصريحات تهاجم بشدة المعارضين وتتهمهم بالعمالة.

وبعد أن قال العماد مصطفى طلاس في أغسطس 2001 «إننا أصحاب حق ولن نقبل بأن ينتزع أحد منا السلطة لأنها تنبع من فوهة بندقية ونحن أصحابها. لقد قمنا بحركات عسكرية متعددة، ودفعنا دماءنا من أجل السلطة»، ألقت الشرطة القبض على رموز المعارضة وحوكموا باتهامات تتعلق بـ«تهديد السلام الاجتماعي». أحكم «بشار» سيطرته على الدولة وتخطّى، بنجاح، أولى عقبات حكمه.

اغتيال «الحريري».. و«أنصاف الرجال»

بعد أن أحكم بشار الأسد سيطرته على سوريا، واجه أزمته الإقليمية الأولى عندما انفجرت سيارة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005 ليُقتل و21 شخصًا آخر في حادث تسبب في ضغوط دولية أجبرت بشار الأسد على سحب قوات الجيش السوري الموجودة في لبنان منذ الحرب الأهلية.

حتى الآن لم يُعرف على وجه الدقة من دبّر اغتيال «الحريري». ولكن عبد الحليم خدام، الذي انشق عن النظام السوري بعد 10 أشهر من حادث الاغتيال، يقول إن «الأسد» متورط.

اهتز «الأسد» مرتين عام 2005، إقليميًا في فبراير لدى اغتيال الحريري، وداخليًا في ديسمبر عندما انشق «خدام» صديق والده الوفي، فاهتزت أركان نظامه. غير أنه سرعان ما استعاد توازنه.

أدى اغتيال «الحريري» إلى توتر علاقات «الأسد» بالرياض وباريس وواشنطن، وهي العواصم التي اتهمه قادتها صراحةً بالتورط في اغتيال الرجل، أما القاهرة، فقد انقطعت علاقته بها عندما وقف أثناء حرب تموز (يوليو) 2006، في خطاب وصف فيه من هاجم حزب الله لاختطافه جنودًا إسرائيليين ما تسبب في اندلاع الحرب، بـ«أنصاف الرجال»، في إشارة إلى الرئيس الأسبق حسني مبارك، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. لم يغفر مبارك لـ«الأسد» هذا التلميح حتى الإطاحة به في 11 فبراير 2011.

استمرت عزلة الأسد الإقليمية والدولية وترسخّت في القمة العربية التي استضافتها دمشق عام 2008، والتي وُصفت حينئذٍ بـ«قمة الغياب» إذ قاطعها معظم الرؤساء والملوك العرب وشهدت تمثيلًا هزيلًا وصل في بعض الأحيان إلى مساعدي وزراء الخارجية.

ولكن في مايو 2008 اندلعت في لبنان مواجهات مسلحة بين مقاتلي حزب الله اللبناني وحلفائه من قوى 8 آذار من جهة، وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وأنصارهما من قوى 14 آذار من جهة ثانية، بسبب إصدار الحكومة اللبنانية، برئاسة فؤاد السنيورة، أحد قيادات تيار المستقبل، قرارًا بنقل أحد حلفاء حزب الله من منصب حساس في مطار بيروت الدولي، ما اعتبره الحزب مؤامرة على المقاومة، فهاجم مقاتلوه مقار قوى 14 آذار بينها صحف وقنوات تليفزيونية، غير أنه في المقابل مُني بهزائم في جبل لبنان، معقل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي.

انتهت هذه المواجهات، بعد نحو أسبوعين، برعاية قطرية، وضوء أخضر سوري. وفي مؤتمر عُقد في الدوحة ضم جميع القيادات السياسية (الطائفية) في لبنان، اتفق على وقف المواجهات، ووضع حد للفراغ الدستوري في منصب الرئيس، إذ لم يكن لبنان انتخب خليفةً للرئيس السابق إميل لحود، الذي انتهت ولايته في أغسطس عام 2007، بسبب تعطيل قوى 8 آذار انعقاد البرلمان لانتخاب الرئيس، حسبما ينص الدستور اللبناني.

ترتب على الدور السوري الخفي في حل الأزمة، في وقت كانت علاقات دمشق بالدوحة جيدة، انفتاحًا من سعد الحريري، نجل رفيق الحريري وزعيم تيار المستقبل، على دمشق، إذ أقر في 2010 أن اتهامه «الأسد» باغتيال والده عام 2005 كان «خطأ».

ساهم ذلك أيضًا، في إصلاح علاقات دمشق بالرياض وواشنطن وباريس، إذ أثبت «الأسد» للعالم أنه ورغم انسحاب قواته المسلحة من لبنان، فإن مفاتيح تفجير الأوضاع فيه، أو تهدئتها، ما زالت في قصر الشعب بدمشق، وبالتالي، على العالم أن يتعامل مع هذه الحقيقة، وإلا فلن يعمَّ هدوء في لبنان.

الثورة..

ولكن لم يدُم شهر عسل «الأسد» مع الغرب طويلاً، إذ انهار كل شيء عندما قمعت قواته المسلحة المظاهرات السلمية التي اندلعت في درعا ودمشق وريفها في مارس 2011.

واجه «الأسد» الاحتجاجات التي بدأت سلمية بقمع الجيش، وقد بدا أنه تعلم الدرس جيدًا من مصر وتونس، اللتان استطاع المتظاهرون السلميون فيهما الإطاحة بالرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك.

أدت سياسة «الأسد» قمع المتظاهرين إلى تفجر الأوضاع بشكل بدا أن لا داعي له في البداية. ولكن على المدى البعيد، ترتب على القوة المفرطة لقوات «الأسد» بحق المتظاهرين وأهل مدنهم، انتشار السلاح بيد كل من هب ودب، كما توافد المجاهدون من أصقاع الأرض إلى سوريا لنصرة الدين، اكتسبت معركة النظام السوري شرعية وبُعدًا أخلاقيًا، فأن تطلق النار على متظاهرين سلميين، يختلف تمامًا عن قتال كتيبة أفغانية جاءت لإزاحة حاكم ولو كان ظالمًا.

واليوم، وبعد أن تحوّلت الثورة، باقتدار، إلى حرب أهلية، طائفية أحيانًا، وعقائدية في أحيانٍ أخرى، لم تعد القضية الأساسية استمرار بشار الأسد في الحكم أو إزاحته عنه. بل، كيف يمكن أن تطرد إسلاميين متشددين وفدوا من بقاع الدنيا إلى سوريا، ثم تعيد الأمن وتُنهي فوضى السلاح. وبعد ذلك، يُفسح المجال للحديث عن مسار سياسي، بـ«الأسد» أو بدونه، وهذا هو، تحديدًا، المسار الذي يحاول النظام السوري دفع «جنيف 2» إليه.

مرة أخرى، وتمامًا مثل مايكل كورليوني.. يعبر بشار الأسد مأزقه بنجاح..

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية