شرّفنى الدكتور محمد المخزنجى فى مقاله الأخير بـ«المصرى اليوم» بالإصغاء إلى حديثى عن ضرورة المصالحة بين السلطة والإخوان وعدم التمادى فى الخصومة.
شرف كبير أن يكتب الدكتور «المخزنجى» اسمى المتواضع بقلمه المغموس فى النور. أنا الذى لم يتصور أن تكون العلاقة بينه وبينى أكثر من مُبدِع ومُعجَب، فالحمد لله الذى يعطيك حتى يدهشك.
بالنسبة لفحوى المقال فقد استغرب بعض أصدقائى الذين يعرفون القيمة الحقيقية للدكتور «المخزنجى» من حالة المقت الشديدة التى ظهرت فى كتاباته الأخيرة عن تيار الإسلام السياسى. وكان مبعث الدهشة أننا نعرف تضاريس روحه كراحة يدنا. روّعهم أن روحه الرقيقة التى لطالما اتسعت للعالم قد عكرها كل هذا البغض، وأن نفسه الخضراء المتسامحة التى امتزجت بالكون وأصغت إلى أسراره الهامسة تتورط فى مثل هذه الكراهية.
بالنسبة لى كنت أكثر فهماً للتفاعلات النفسية داخله. الدكتور «المخزنجى» شبكة من الأعصاب العارية التى لا يحجبها جلد عن العالم الخارجى. هذه الحساسية الفائقة هى سر إبداعه المتوهج، ولكنها اصطدمت بالفهم البائس للدين، هو الذى عرف الله من خلال الأخوة الكونية مع باقى المخلوقات، كان من الطبيعى لإنسان هكذا تكوينه النفسى أن يمقت بعنف كل من يعكر سلامه النفسى، ويهدد برياح الخماسين غابات الجمال الأخضر الممتدة داخل روحه.
لكن مبدعاً بقيمة الدكتور «المخزنجى»، وبالإنسانية الأصيلة فى تكوينه، لا يمكن أن يتورط فى حالة الهوس والكراهية التى انتشرت كالوباء فى المجتمع المصرى، ليس لأنها تنذر بأوخم العواقب فحسب، ولكن لأنها تناقض كل ما هو حقيقى داخله. وهل يستطيع الفنان أن ينهض بالتناقض؟!
أنا لا أطالب بأكثر من أن ننظر بعيون الآخرين حتى نستطيع أن نفهمهم. هم يرون أنهم حازوا الأكثرية فى جميع الانتخابات السابقة، وأن المظاهرات مهما بلغ حجمها لا تلغى شرعية الصندوق طالما تمت بانتخابات نزيهة، وأن أعداد المتظاهرين فى الشارع لا يمكن الجزم بها، فهى خاضعة للتهويل والتهوين، بعكس الصندوق الصارم فى أرقامه. هذه معضلة لن ينهيها الحل الأمنى.
أنا لا أمارى فى أن الإخوان قدموا نموذجا بائسا للإسلام، ولا أجادل فى فشلهم الذريع فى إدارة الدولة. هذه أسباب وجيهة تدفعنى لعدم انتخابهم فى المرات القادمة. ولكن الإنصاف يدفعنى للتساؤل: هل نجح نظام فى إدارة الدولة بما فيها الحكومة الحالية؟ وهل المشاكل المستعصية لمصرنا الحبيبة بسبب عام الإخوان الواحد أم بسبب الأداء السيئ للحكومات المتعاقبة؟ من باع القطاع العام بأبخس الأسعار وتاجر بأراضى الدولة؟ من كرّس عبادة الفرد وقنّن الفساد والسرقة والمحسوبية؟ لا يمكن أن أنسى المسؤول الحقيقى عن تعاستى، وأضع اللوم كله على الإخوان باعتبارهم الشيطان الذى حين يُسلسل فى الأصفاد سوف يعم السلام وتنتهى المشكلة.
هذا استئذان بالحوار مع إنسان أحبه واحترمه، وأعرف أنه الصدق مجسماً، وأنه لا يهدف إلا إلى مصلحة الوطن، لعله يقنعنى أو أقنعه، أو نظل مختلفَيْن مع الاحترام. ولعل ذلك أكثر نفعا من الاتفاق، أن نضرب مثلاً للحوار الراقى فى مجتمع يسوده الهوس والرغبة فى تحقير الآخر. ومن أَوْلى من الدكتور «المخزنجى» بذلك؟