حذر الدكتور على السمان، رئيس لجنة حوار الأديان بالمجلس الأعلى للشـؤون الإسلامية، من خطورة استمرار حالة الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين، مؤكداً أن دخول السياسة فى أمور الأديان، أدى إلى وجود التطرف بين الجانبين.
ودعا السمان إلى عقد مؤتمر شعبى، يحاضر فيه مجموعة من عقلاء الجانبين، بمبادرة من المجتمع المدنى، وليس الحكومة، وبعيداً عن أى ضغوط، لمناقشة القضايا الشائكة بين المسلمين والأقباط، مؤكداً أن المسيحيين المصريين ليسوا «مهاجرين» لكنهم مواطنون لهم حقوق وفقاً للدستور، على أن يبدى الجانبان ملاحظاتهما فى المؤتمر بهدوء، بعيداً عن الصدام.
وقال السمان، فى حواره مع «المصرى اليوم»: إن بعض من سماهم «وجهاء» يوظفون «بلطجية» لتحقيق أهدافهم العاجلة، وأن لجنة حوار الأديان لن تحل مشاكل الكون بمفردها، وأنه كان ينفق على أنشطة اللجنة من جيبه الخاص منذ عام 1998 حتى 2003، مشدداً على أنه لن يسمح لمن سماهم «هواة الصيد فى الماء العكر»، بإحداث وقيعة بينه وبين الأزهر، ولفت إلى أن الإعلام تحول إلى أداة فى يد الأنظمة، لمساعدته فى الرد على خصومه وتمكينه من استقرار حكمه.
■ منذ وقوع حادثة نجع حمادى والقلق يسود المجتمع.. كيف ترى الحادث؟ وما تأثيره على السلام الاجتماعى؟
- لابد أن نعترف بأن هناك حالة احتقان عالية يغذيها الجهل فى كل الأحوال، وهو الخطر الأول الذى يهدد علاقة المسلمين والمسيحيين، لأن الجهل يؤدى إلى تعميم الأفكار، والخطر الآخر هو دخول لعبة السياسة فى الأديان وهو ما يصنع التطرف، فالسياسة تعنى، بالنسبة لى فن الممكن والمتغير، والمواءمة بين المتناقضات بعكس الأديان التى لها ثوابت مقدسة لا يجوز الاقتراب منها.
وأحذر من أن المشكلة بين الجانبين بالغة الخطورة والأسلوب التقليدى لعلاجها من خلال انتقال قيادات إلى مواقع الأحداث بأسلوب رد الفعل، لم يكن ملائماً، إذ تصور بعض القيادات من الجانبين أن حميمية العلاقات بينهم ستنعكس إيجاباً على القاعدة العريضة من مسلمى ومسيحيى مصر، وأن هذا كاف لحل المشكلة وهذا تصور خاطئ.
■ ما الحل فى نظرك؟
- أرى أن بداية الحل عقد مؤتمر شعبى تقوم به مجموعة عقلاء من الطرفين بمبادرة تخرج من المجتمع المدنى، لأنها إذا كانت حكومية ستصبح موضع شك، وفى ظل الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، برئاسة الدكتور عبدالعزيز حجازى، بتاريخه السياسى وخلفيته الوطنية، يمكن عقد هذا المؤتمر بمستوى ووعى وطموحات عالية فى التأثير الفعلى ولا يجب أن تكون هناك ضغوط على من سيشاركون فى المؤتمر وأن تكون الصراحة المطلقة هى لغة التخاطب بينهم حتى ولو كانت اللغة مختلفة، فأنا مثلاً أختلف مع من يعتقدون أن كلام الدكتورة جورجيت قللينى، مستفز، لأنها رأت ما لم نشاهده وعايشت واقعاً لم نعشه، فمن الطبيعى أن يكون رد فعلها مختلفاً عن ردود أفعالنا، والمطلوب هنا وجوب أن يسمع كل منا الآخر لأنه دون ذلك لن نصل إلى نتائج تحقق التعايش الوطنى المأمول.
■ ما الضوابط التى يقوم عليها هذا التعايش فى تقديرك؟
- أهم هذه الضوابط المقولة التى يرددها دائماً قداسة البابا شنودة وهى أن »مصر وطن يعيش فينا« مهما حدث وأينما ذهبنا، إذن مسيحيو مصر ليسوا مهاجرين وإنما شركاء وطن ولا يتخيل أحد أنهم سيتركون هذا البلد إلى آخر، فنحن معاً إلى الأبد.
■ ماذا عن باقى الضوابط؟
- الضابط الثانى أن يعتبر كل مواطن مصرى مسلماً أو مسيحياً نفسه مسؤولاً وهو يستمع إلى الخطاب الدينى وألا يعتبر توجيهات بعض القيادات الدينية أموراً مسلماً بها، فهو أيضاً من حقه أن يعلن ملاحظاته إن كانت له ملاحظات وعليه حينها أن يعلنها بكلمات هادئة بعيداً عن الصدام.
■ ما الإجراء الذى اتخذته لجنة حوار الأديان لمواجهة الأزمة والحد من تفاقمها؟
- اتفقنا أولاً على ضرورة أن تكون العلاقة بين المسيحيين والمسلمين فى مصر جزءاً من نشاط اللجنة على عكس ما هو مخطط له فى نظامها، ولى وجهة نظر فى هذا تختلف مع آراء كثيرين من أعضاء اللجنة وهى أن هذا التحرك يجب أن يكون غير رسمى بمعنى أننى أردت أن يكوِّن كل عضو على حدة مجموعة عمل على غرار المجموعة التى كونتها فيما مضى، لمواجهة المشكلة الطائفية التى حدثت فى الإسكندرية، وبصفة عامة لابد من وقفة حاسمة وعاجلة لحل القضية لاسيما حينما يتردد أن بعض وجهاء هذا البلد يوظفون بلطجية لتحقيق أهداف عاجلة فالمسألة لم تعد تحتمل الصمت أو التأجيل.
■ على ذكر الأزمات.. يرى البعض أن أزمة المآذن فى سويسرا نسفت فكرة حوار الأديان التى تعد واحداً من أبرز ناشطيها دولياً؟
- المآذن قضية تحميها منظمات حقوق الإنسان فى سويسرا، وأنا لست متحكماً فى هذا الشأن، ويجب ألا ننسى أن 49% من السويسريين رفضوا القانون الذى يحظر بناء المآذن، بل إن الحكومة السويسرية ذاتها ضده، ولكن يجب احترام ممارسة النظام السويسرى الديمقراطية التى تقول إنه إذا تم التصويت على استفتاء، تحسم المسألة وتنتهى، وقد دعا البعض للذهاب إلى المحكمة الأوروبية وهذا متاح، لكن دعينا نتحدث بصراحة أكبر وأنا لست مفتياً أو إماماً.. لماذا لم نسأل الفقهاء: «هل تجوز الصلاة فى جامع دون مئذنة؟
وهل هذه المآذن تستحق أن ندخل لأجلها فى حرب صليبية جديدة؟ وأنا هنا لى وجهة نظر قد تخطئ أو تصيب، هى أن نترك ميزان »قانون العدد« يلعب دوراً لصالح المسلمين، وأقصد عدد المسلمين فى أوروبا والغرب عموماً، والذى يتزايد بشكل سريع جداً، فبعد أن كان عددهم حوالى 3 ملايين، أصبح عدد المسلمين هناك أكثر من خمسة ملايين منهم مليون ونصف المليون، يحملون الجنسية، أى أنهم لديهم بطاقات انتخابية ومسجلون فى السجل المدنى فى هذه البلاد، ولهم حقوق المواطنين الأصليين..
فلماذا لا نتركهم يلعبون دوراً من خلال المؤسسات؟ ونرجو ألا ننسى أن من يأتى للعمل يعمل فى بلاد تنتشر فيها البطالة، وبالتالى سيكون هناك مجال لأقصى اليمين المتطرف الآن يقول ظلماً وبهتاناً إن المهاجر العربى المسلم يأخذ «اللقمة» من فم المواطن الأصلى، فى حين أن الواقع يقول إن المهاجر يقوم بالأعمال التى لا يجيد المواطن الأصلى القيام بها،
ويحدث هذا فى ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وبلجيكا وإيطاليا وسويسرا وغيرها وحتى فى أمريكا يحدث ذلك، وعودة لقضية المآذن أرى أنه فى ظل مجتمع فيه أحزاب كثيرة، وفيه أيضاً تطرف، وأرجو ألا أغضب أحداً فإن المآذن ليست أهم المشاكل التى نواجهها، ويجب أن نفهم وبموضوعية أننا نعيش فى مجتمع غير إسلامى فى مجمله، وهناك رجاء أوجهه دائماً هو أن ردود أفعالنا يجب ألا تكون عاطفية وعصبية فى التعامل مع القضايا التى يثيرها الآخر، وأن نفهم أن دور العقل فى الفكر الإسلامى مهم جداً، وأرجو أن نفكر جيداً فى كلمة «تفقهوا».
■ إذا كانت أزمة سويسرا لها خصوصية فماذا عن بعض الدول الغربية الأخرى التى تدعى احترامها لحرية العقيدة ومع هذا أساءت إلى نبى الإسلام.. وماذا فعلت لجنة حوار الأديان رداً على ذلك؟
- أولاً لا تعتبرى اللجنة هى المؤسسة العالمية التى تستطيع أن تغير الكون، فأعضاء لجنة حوار الأديان هم أشخاص حسنو النية سواء كثر عددهم أو قل، وهذه القضايا تحتاج تحركات على مستويات أعلى لأنها تمس دولاً وشعوباً، والمشكلة الأساسية تكمن فى غياب الفهم الثقافى بين الأطراف وبعضها البعض أى أنه لو أن الشعب العربى يفهم نظيره الدنماركى ثقافياً والعكس صحيح فلن تكون هناك أزمة على غرار ما حدث فى أزمة »كوبنهاجن« لأن الغرب عاش ولا يزال على ثقافة تعطى الحق المطلق لحرية التعبير، ونحن نريد أن نعطى الحق المطلق لحماية رموزنا الدينية وهذا يحتم المصادمة،
ولذلك طالبت فى مؤتمرات دولية عديدة، وفى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بعقد مؤتمر كبير لخبراء وعقلاء الإعلام فى العالم العربى والإسلامى والغربى ونتناقش حول إمكانية إقامة مصالحة بين الحق المطلق للحرية الذى لا يراد له حدود وحقنا فى احترام الآخرين لرموزنا الدينية، وأملى أن يتحقق هذا المشروع العام الجارى.
■ لماذا لم ينجح العالم الإسلامى حتى الآن فى التوحد الإعلامى من خلال إنشاء قناة فضائية بعدة لغات تستطيع أن تخاطب الآخر؟
- فكرة وجود عمل عربى إعلامى مشترك مجرد حلم جميل قد يستحيل تحققه، ويحتاج درجة أعلى من مسؤولية العمل المشترك، والأهم هو قبول القيادات السياسية لفكرة العمل المشترك ونحن العرب لم ننجح منذ عام 48 فى القيام بمشروع مشترك مع أننا بدأنا مع أوروبا وربما قبلها إلا أنه أصبح لديها المجلس الأوروبى الموحد بوزنه وميزانيته ولغته السياسية والاقتصادية ووحدة العملة.. بينما كان الفشل مصير أى عمل عربى مشترك، فهى مشكلة قيادية وسياسية فى المقام الأول.
■ لكن المجال متسع الآن لإنشاء قنوات فضائية خاصة، بعيداً عن التعقيدات الرسمية؟
- الإعلام الآن أصبح أداة فى يد كل قيادة سياسية، ومهمته الأولى مساعدتها على تمكين حكمها ويستخدم للرد على خصومها وهذه قضية أكبر من أى فضائية خاصة، حتى لو كانت مشتركة.
■ كنت عضواً فى لجنة حوار الأديان التابعة للأزهر واستقلت منها.. لماذا؟
- السبب هو وجود خلاف حول الميزانية التى يجب أن تخصص لنشاط لجنة الحوار، وكنت دائماً أقول إنه من حق الإمام الأكبر أن يتصرف كيفما يشاء فى ميزانية الأزهر، وإنما المشكلة هى أن احتياجات لجنة الحوار كانت غير محدودة إلى حد أننى كنت أنفق على نشاط اللجنة من مالى الخاص منذ عام 1998 حتى عام 2003 لسد احتياجاتها، ولأن إمكاناتى محدودة فكان لابد أن أتوقف، لكن لن أسمح لأحد بالصيد فى الماء العكر ليحدث وقيعة بينى وبين الأزهر، لأن هذا النوع من المعارك لا يناسبنى وليس أسلوبى،
وأنا أعرف حدود ما هو حقى وما هو حق الغير ومن حقى أن أستقيل حينما لا أستطيع مواصلة مهمتى خصوصاً أنه لم تكن هناك ميزانية أصلاً! والأزهر لم ينفق مليماً واحداً على نشاطات لجنة حوار الأديان طوال هذه السنوات!، فكان سفر جميع الأعضاء لحضور الاجتماع السنوى فى الفاتيكان أو لندن على نفقتى الخاصة،
وكنت أعتبر ذلك زكاة أو صدقة، لكن إمكاناتى محدودة وهذا هو السبب الوحيد لاستقالتى ولا توجد أى أسباب شخصية، كما ردد البعض، فالإمام الأكبر كان يرى أن الأولوية فى الإنفاق لإنشاء معاهد أزهرية، ولا يملك أحد أن يعارضه فى ذلك لأنه صاحب البيت.
■ هل كانت تلك المرة هى الأولى التى تقدم فيها استقالتك؟
- لا.. ليست الأولى وإنما الثالثة.. فالمرة الأولى كانت فى أواخر عام 74 وكنت وقتها مستشاراً للرئيس الراحل أنور السادات عام 73، والاستقالة كانت غير مسببة ولكنى كتبت للرئيس: «أرجو أن تعتبروا عملى معكم مهمة وليس وظيفة أى مرتبطة بالحرب»، والاستقالة الثانية كانت عام 84 من اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
■ هل أنت مع التطبيع؟
- كلمة تطبيع لا تعنى شيئاً بالنسبة لى، لأنها ليست جزءا من فكر الدولة، وإنما جزء من فكر واختيار نقابات معينة فى هذا البلد وهى حرة.
■ أتقصد أن الدولة تقوم بالتطبيع؟
- إجابة هذا السؤال لا تحتاج تفكيراً، فهى طبعاً تقوم بالتطبيع وتستطيعين أن ترى ذلك من خلال علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل والتقاء وزرائنا مع وزرائهم وفى رأيى كلمة تطبيع غير مطروحة.
■ ماذا تعنى بـ«غير مطروحة».. وما موقفك منه.. معه أم ضده؟
- طبعاً أنا مع ما تقوم به الدولة، فهناك اتفاق بيننا وبينهم، ولكننا فى هذا البلد تعودنا عدم احترام التحديد اللفظى للمعانى، فما وقعته معهم يسمى اتفاقية «كامب ديفيد»، أى أنه أصبح ليس عدواً لنا، وإنما يحتمل أن يكون خصماً، وهناك فرق بين الخصم والعدو، وأيضاً قد يكون منافساً بل منافس خطير.
■ ماذا منعك من الانضمام لأى من الأحزاب؟
- الذى منعنى طوال حياتى هو سوء السياسة، حتى وقت أن كان الاتحاد الاشتراكى إجبارياً على نقابة الصحفيين، رفضت الانضمام إليه، فما يهمنى هو العمل الوطنى وليس السياسى الحزبى.
■ ماذا يعنى لك العمل الوطنى؟
- العمل الوطنى العام يعنى بالنسبة لى عطاء وليس أخذا، والعمل الحزبى فى حزب حاكم يعنى أن تأخذ أكثر مما تعطى وأنا فى العمل الوطنى لا أقبل أن آخذ.
■ سنوات عديدة مضت والبعض يربط بينك وبين السياسة الخارجية، فماذا عن السياسة الداخلية؟
- حالياً أنا مهتم جداً بالسياسة الداخلية لأنها بعد هذا العمر بيت القصيد الذى سيحدد مستقبل مصر.
■ هل ترى الإعلام المصرى يجيد التعامل مع السياسة الداخلية؟
- يؤسفنى أن أقول إن تعامل الإعلام مع السياسة الداخلية خاطئ وأرفضه كلية، حيث باتت الإثارة لها مكان عال جداً فيه.
■ ألم تطمح فى يوم ما بتكليفك بوزارة الإعلام؟
- الطموحات فى الحياة اختيار، وأنا لم يكن العمل الحكومى أو الوزارى يوماً ما طموحاً لى، فهو كان بالنسبة لى صفحة وطويت بالكامل، يوم أن استقلت.. والمرة الوحيدة التى رشح فيها اسمى وزيرا للإعلام كانت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، فى وزارة الدكتور مصطفى خليل،
وأتذكر حينما سألنى السادات: كيف حال الإعلام فى أوروبا.. أجبته بأن الرئيس «جيسكار ديستان» ألغى وزارة الإعلام، فطلب منى كتابة تقرير عن ذلك، وفى أول تعديل وزارى ألغى وزارة الإعلام، والناس نسيت أن وزارة الإعلام ألغيت فى عهد الرئيس السادات.
■ إذا أردنا تقييم أداء الحكومات المصرية فى عهد كل من الرئيسين «أنور السادات وحسنى مبارك» ماذا ستقول؟
- أفضل من قام برئاسة الوزراء الدكتور مصطفى خليل، الذى أعطى عطاءً عالياً فى اتفاقية «كامب ديفيد»، والدكتور عبدالعزيز حجازى، ودوره من الناحية التاريخية أثناء الحرب لا يستطيع أحد أن ينكره.