بدأ الآلاف من سكان مدينة «الفلوجة» العراقية بمحافظة «الأنبار»، الإثنين، نزوحًا جماعيًا إلى خارج المدينة بالتزامن مع إعلان الحكومة فقدانها السيطرة على المدينة الواقعة إلى الغرب من العاصمة العراقية، حيث باتت المدينة في قبضة مسلحين تابعين لتنظيم «القاعدة» وجماعات من «مسلحي العشائر».
وفي ذات السياق عرضت كل من الولايات المتحدة وإيران، وفقًا لـ«بي بي سي»، استعدادهما «لدعم القوات الحكومية العراقية عسكريًا في قتالها مع القاعدة، ولكن من دون إرسال قوات عسكرية» بشكل مباشر، في محاولة لغسل أيديهما من المسؤولية عن تفاقم الأوضاع في العراق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
معارك الأنبار الدامية لا يمكن اختزالها في مجرد خلافات بين حكومة طائفية «شيعية» وسكان غالبتهم من «السنة» على أمور سياسية تتعلق بسياسات وتوجهات الحكومة المركزية في بغداد، كما أنها ليست مجرد صراع بين تنظيم «القاعدة» و«مسلحي العشائر» وقوات الأمن الحكومية.
ما يجري في «الأنبار»، وفي عموم العراق، منذ احتلاله عام 2003، ليس إلا نتاجًا لصراع استراتيجيات القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على تقاسم المصالح والنفوذ في العراق، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
وعلى الرغم من أن طرفي الصراع المباشرين في أزمة الأنبار الحالية، هما مسلحو العشائر وقوات الأمن العراقية، على إثر قيام الأخيرة بفض اعتصام بمدينة الرمادي، الأسبوع الماضي، أقامه محتجون على سياسات نوري المالكي قبل أكثر من عام، إلا أن تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية «داعش» سرعان ما دخل على خط المواجهة، وسيطر على مناطق واسعة في الرمادي والفلوجة.
إذن، هو شبح الإرهاب الذي دائمًا ما يتم توظيفه في صراعات واشنطن وطهران على تقاسم النفوذ في العراق والخليج وسوريا، فكما اتفقت مصالح الأمريكيين والإيرانيين على إسقاط نظام صدام حسين، ليجني الطرفان مكاسب استراتيجية واقتصادية لا حصر لها، ها هما يعرضان خدماتهما الآن للقضاء على إرهاب القاعدة بالعراق، على الرغم من أن هذا الإرهاب، هو صناعة أمريكية إيرانية بامتياز.
أزمة «الأنبار» ليست أزمة إرهاب «داعش»، بقدر ما هي أزمة حكومة تدير العراق بمنطق طائفي مقيت، بدا معه سكان «الأنبار» والمناطق السنية عمومًا يشعرون بالتهميش والظلم مع تزايد حملات الاعتقال لأبنائهم وحرمانهم من الفرص العادلة للتوظيف في الدوائر الحكومية، و«حتى النواب والوزراء الذين خرجوا من تلك المناطق ليس لديهم الصلاحيات لمساعدتهم أو تقديم الخدمات لهم»، وفقًا للمحلل السياسي العراقي، عبد العزيز اللهيبي، في حوار من وكالة الأنباء الصينية «شينخوا».
ما يجري في «الأنبار» ليس بمعزل عن الملف السوري، فما أن بدأت بشائر تقدم الثوار للإجهاز على نظام بشار الأسد، حتى ظهر تنظيم «داعش» والجماعات الإسلامية التكفيرية المتشددة على خلفية المشهد السوري، لتتغير بوصلة القوى الكبرى إلى ضرورة أن يظل «الأسد» شريكًا في مفاوضات «جنيف 2» لإنهاء الأزمة السورية، حتى لا تسقط سوريا في قبضة «المتشددين».
واتساقًا مع سياسة إخفاء الفاعل الحقيقي الأمريكية والإيراني في العراق وسوريا وغيرها، خلف ستار غامض ملتبس من الطائفية والمذهبية، يأتي اتهام رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، «الشيعي» المذهب، لدولة خليجية لم يسمها، لكنها قطعًا «سنية»، بأنها تدعم انفصال «داعش» بدولة مستقلة في «الأنبار»، في اتهام ضمني بأن العرب هم رعاة الإرهاب وصانعوه في المنطقة.
ولأن الحرب على الإرهاب صناعة رابحة للقوى الكبرى في العالم، فقد أعلنت وزارة الدفاع العراقية، وفقًا لشبكة «CNN»الإخبارية الأمريكية، عن تسلمها 13 طائرة هليكوبتر روسية من طراز 35-MI يطلق عليها اسم «صائد الليل»، بالإضافة الى صواريخ من الولايات المتحدة الأمريكية «من أجل محاربة الإرهاب في صحراء الأنبار».
إن «صائد الليل» الروسي، والصواريخ الأمريكية التي ستحارب الإرهاب في صحراء الأنبار، لن تحصد إلا أرواحًا ومنشآتٍ عراقية عربية، وبينما تتقاسم جميع القوى الكبرى الإقليمية والدولية، المغانم الكبرى على خلفية الصراعات العربية العربية، تظل الشعوب العربية هي الخاسر الأوحد في معارك الإرهاب التي تدار باسمهم بالوكالة.