x

تمرد جنوب السودان.. «دولة القبيلة» قادمة (تحليل إخباري)

الثلاثاء 31-12-2013 17:26 | كتب: مصطفى شفيق علام |
جيش جنوب السودان يواجه المتمردين جيش جنوب السودان يواجه المتمردين

بدأت قوات «الجيش الأبيض» المناوئة لحكومة جنوب السودان في مهاجمة مدينة «بور» الاستراتيجية، عاصمة ولاية جونجلي، فجر الثلاثاء، قبل ساعات من انتهاء المهلة التي حددها بعض الزعماء الإفارقة في المنطقة للرئيس «سيلفا كير ميارديت» لبدء الحوار مع «ريك مشار» الذي يتهمه «ميارديت» بتدبير محاولة الانقلاب التي أشعلت المعارك مؤخرًا، ما يشكل منعطفًا «انفصاليًا» حادًا قد يكاد يعصف بمستقبل الدولة الوليدة.

في 2011، اختار السودان انفصال شطره الجنوبي ظنًا منه بأن أزمة الجنوب معضلة تستعصي على الحل، وأن البتر أولى من تحمل تكلفة العلاج الباهظة، ومنذ ذلك الحين، لم يستقر السودان ولم تهدأ نزعات الانفصال فيه، في حين ولد الجنين الجنوبي الجديد وهو يحمل ذات الجينات التي ورثها عن الأم، جينات التفتيت أو «تفتيت المفتت».

ولعل محاولة الانقلاب التي قادها الجناح «النويري»، بقيادة رياك مشار، في الائتلاف الجنوبي الهش الذي قاد الانفصال عن الدولة الأم قبل نحو ثلاث سنوات، هي الأولى منذ قيام الدولة الجديدة، لكنها قطعًا لن تكون الأخيرة، في ضوء تعقيدات مشهد الفسيفساء الإثنية الذي جلعت جنوب السودان ومنذ ولادتها تندرج تحت قائمة «الدول الفاشلة» وفقًا لتقرير مؤشر صندوق السلام، والذي وضع السودان وجنوب السودان، الأم والوليد، في صدارة الدول الفاشلة حول العالم للعام 2013.

تحالف «الدنكا» بزعامة رئيس جنوب السودان «سيلفا كير ميارديت» و«النوير» بزعامة نائبه «ريك مشار» ولد ميتًا، نظرًا للخلافات الإثنية الكبيرة بين مكوناته الأبرز، ولعل الشئ الوحيد الذي كان يجمع مكونات هذا التحالف الهش، هو العداء لنظام البشير، ومطلب الانفصال الذي صورته الميديا الغربية باعتباره حقًا «قوميًا" لتقرير المصير، في حين إن جنوب السودان لا يحمل أي مقومات للقومية، فهو إقليم شتات من عرقيات مختلفة يتحدثون لغات مختلفة ويدينون بديانات شتى.

إن محاولة انقلاب «مشار» على «ميارديت»، ليست شخصية، بقدر ما هي انقلاب من «النوير» على هيمنة «الدنكا»، بما ينذر ببداية حروب وصراعات، طويلة الأمد، تكون «القبيلة» هي محركها الرئيس، ما يعني تحول جنوب السودان من دولة «موحدة»، على هشاشتها الديمجرافية والعرقية، إلى دويلات للقبيلة، الأمر الذي يلقي بظلاله السلبية على الأمن الأقليمي لشرق إفريقيا وحوض النيل والقرن الإفريقي ككل.

كما إن دخول أوغندا على خط المواجهة، بتهديد رئيسها «يوويري موسوفيني»، بعمل عسكري ضد متمردي «الجيش الأبيض» الموالي لـ«مشار» في جنوب السودان إذا لم يلتزموا بوقف إطلاق النار، يعني في الأخير، خلق بؤرة جديدة للصراع في شرق إفريقيا، تضاف إلى الصومال وشرق السودان ودارفور.

وإذا أضفنا ما يعانيه السودان الأم من بذور انقسام، تخمد حينًا وتثور حينًا، فإننا، بامتياز، نكون إزاء حقل ألغام يوشك أن ينفجر في وجه الأمن القومي والإقليمي لدول المنطقة. فبعد انفصال جنوب السودان لم تخل دولة الشمال من مخاطر اندلاع حروب أهلية جديدة في جنوبه وغربه وشرقه، لا سيما في ولايات دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.

ثمة احتمالات قوية باتجاه الصراع في دارفور السودانية إلى مزيد من التصعيد، الذي يحمل بذور التفتت والتقسيم، وخاصة بعد الإعلان عن تأسيس كيان جديد يجمع كبرى جماعات التمرد في الإقليم، أطلق عليه «الجبهة الثورية السودانية» بزعامة كل من «مالك عقار» و«عبد العزيز الحلو».

ويزداد مستقبل السودان الأم غموضًا، بعد دخول قبائل «البجة» التي تتوطن في شرق السودان على خط التمرد، من خلال «الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة»، التي قد تلجأ إلى التهديد بالانفصال على غرار نموذج الحركة الشعبية لتحرير السودان التي انفصلت بالجنوب.

ماذا يتبقى من السودان، إذن، بعد انفصال جنوبه الغني بالنفط، واحتمالات انفصال شرقه المطل على البحر الأحمر ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى، وغربه ذي الامتداد الإفريقي الحيوي للخرطوم.

أما جنوب السودان، فإنه قد يتجرع قريبًا مرارة الكأس الذي سقاه يومًا للسودان الأم، حينما تمرد على الحكومة المركزية وقاد البلاد نحو انقسام تاريخي في الوقت الذي تعلي فيه القوى الكبرى من قيمة الاتحاد وإقامة التحالفات عابرة القومية، كالاتحاد الأوروبي والنافتا والآسيان والميركسور، وغيرها، لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية لا تخفى.

وفي الوقت الذي تتحد فيه جهود القوى الكبرى لتعظيم مصالحها الاستراتيجية حول العالم، تتجه فيه دولنا الهشة نحو مزيد من التشرذم والانقسام والتفتيت وتفتيت المفتت أصلاً، وكأن التنافس بين تلك الدول بات منصبًا بالأساس حول أي منها يحوز لقب الدولة الأكثر فشلاً في العالم بلا منافس.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية