x

صراع «الإسعاف» ضد الزمن لإنقاذ الأرواح

الإثنين 30-12-2013 19:00 | كتب: ريهام العراقي |
أحمد أمام سيارتة فى انتظار نداء الواجب أحمد أمام سيارتة فى انتظار نداء الواجب

اندفع «أحمد» الشاب الثلاثينى وسط تجمع المئات، لم يلتفت إلى الوجوه أو يستمع إلى الهتافات أو يخش صوت طلقات الرصاص ودخان القنابل المسيلة للدموع الذى يغطى المكان، كان تركيزه الوحيد إنقاذ شيخ مسن سقط على الأرض مغشياً عليه غارقاً فى دمائه بعد إصابته بطلق نارى فى الصدر.

11 عاما قضاها أحمد حجازى كمسعف بمرفق إسعاف القاهرة، أتى من بلدته فى المنوفية يتنقل فى شوارع ومستشفيات العاصمة لإسعاف المصابين فى حوادث الطرق، بسترته الخضراء يجلس داخل سيارة إسعاف تتراص بداخلها الأجهزة الطبية والعقاقير. وبأسلوب هادئ اعتاد عليه رجل الإسعاف حتى لحظة وقوع الكوارث تحدث أحمد عن غياب أهمية دور المسعف عند بعض المواطنين قائلا: «للمسعف مكانة كبيرة فى الدول الأوروبية لأنه ينقذ حياة المصابين، لكن فى مصر حقنا مهدر، فأنا أستقبل ما يزيد على عشرة بلاغات يوميا، ودورى ينحصر فى تقديم الإسعافات الأولية للمصابين ونقلهم إلى المستشفيات، ولكن على أرض الواقع أُسعف المريض وأنقله إلى المستشفى وأظل إلى جواره ساعات طويلة لحين يتوفر له سرير بالمستشفى».

ساعات عمل أحمد قد تصل إلى 48 ساعة، يبدأ من وقت استقباله للبلاغ من غرفة العمليات يستقل بعدها سيارة الإسعاف وينطلق بسرعة وسط الشوارع المزدحمة، ولا يتوقف عند الجدل مع أصحاب السيارات الذين يغلقون الطريق أمام الإسعاف، الأمر الذى يعرضه للسب والإهانة فى العديد من الأحيان، ويقول بمرارة: «فى أحيان كثيرة يرفض الناس إفساح الطريق لمرور السيارة بحجة عدم وجود مصاب بداخلها، بل أفاجأ أحيانا بسير بعض السيارات أمامى أو خلفى مباشرة من أحل اللحاق بمواعيدهم، الأمر الذى يعيق سرعة وصولى لمكان الحادث فى الكثير من الأحيان».

لا ينسى أحمد ذلك اليوم الذى استقبل فيه بلاغا من غرفة العمليات مع اقتراب دقات الساعة الحادية عشرة مساء، توجه إلى كوبرى 6 أكتوبر ليشاهد رجلا فاقدا للوعى فأجرى له الإسعافات الأولية وتوجه به إلى 8 مستشفيات حكومية رفضت جميعها استقبال المصاب بحجة أنه مجهول الهوية ولا يوجد سرير خالٍ لاستقباله، ورفض أحمد التخلى عنه ورافقه طوال 48 ساعة أصبح فيها مسؤولا عن الرجل الذى كاد يفقد حياته لإصابته بمرض السكرى. «الإنسان عندنا مالوش قيمة».. هكذا وصف أحمد حال استقبال المستشفيات الحكومية لمصابى الطرق وقال: «أستقبل يوميا ثلاثة بلاغات حوادث طرق، إضافة إلى بلاغات إصابة غيبوبة سكر والجلطات، وتبدأ رحلة البحث عن سرير خالٍ لهم، ويجبرنى بعض الأطباء داخل المستشفيات على عدم ترك المصاب حتى توفير سرير له وإنهاء الإجراءات المطلوبة التى قد تتجاوز 5 ساعات بدءا من التأكد من وجود تأمين على المصاب من عدمه، فإذا كان مؤمن عليه ينتظر استقبال فاكس تحويل للبدء فى علاج المصاب، الأمر الذى يعطلنا عن إسعاف آخرين يحتاجون للمساعدة».

يبدى «أحمد» حزنه من سوء معاملة بعض المواطنين له أثناء وجوده داخل المظاهرات واعتباره جزءا من جهاز الأمن، يتذكر أحمد زميله إبراهيم العزب الذى استشهد بطلق نارى فى الرأس أثناء فض اعتصام رابعة فى شهر أغسطس الماضى، ويقول: «يوم فض اعتصام رابعة نطقت الشهادتين، وكان الموت يحاصرنا فى كل لحظة ورغم ذلك لم يتأخر رجل الإسعاف عن تأدية مهمته ودفع زميلى إبراهيم العزب حياته ثمنا للواجب ورغم ذلك لم يصرف أهله مستحقاته حتى هذه اللحظة، المسعف يؤدى واجبه ولا علاقة له بالأطراف المتصارعة، ولا يجوز حتى أن يكون لنا انتماءات سياسية».

قد تتوقف حياة البشر داخل المستشفيات الحكومية إذا لم يكن المصاب يمتلك ثلاثة جنيهات وهو ثمن تذكرة دخول الطوارئ، هذه المواقف التى تكررت عشرات المرات مع أحمد الذى لا يتردد لحظة واحدة فى دفعها حتى وإن لم يمتلك غيرها فحياة إنسان أغلى عنده من إطعام أبنائه على حد قوله: «استقبل بلاغات لمصابين على الطرق فى حالات خطرة، وأسرع إلى المستشفيات إلا أننى أفاجأ برفض المستشفيات الحكومية استقبال المصاب إلا بعد دفع ثلاثة جنيهات قد لا يمتلكها متسول أصيب فى حادث طريق».

يوجه أحمد اللوم إلى بعض أطقم التمريض داخل المستشفيات الحكومية الذين ينصحون أهالى المريض بعدم السماح للمسعف بالمغادرة إلا بعد توفير سرير للمريض: «من المفترض أن ينتهى دورى عند تقديم الإسعافات الأولية، وتوصيل المريض إلى المستشفى إلا أننى أفاجأ ببعض الأطباء ينصحون أهل المريض بعدم السماح للمسعف بمغادرة المكان إلا بعد توفير سرير للمريض، بحجة عدم استطاعتهم فى الحصول على سيارة إسعاف أخرى تنقلهم إلى مستشفى آخر، وهو ما يعد تعطيلا لمهمة المسعف وزيادة العبء على أهل المريض لأن التحرك والانتظار بالسيارة برسوم تبدأ ب50ـ جنيها للساعة الواحدة».

يحلم أحمد باستقرار البلد، ولكن على الوضع الصحيح، وأن يتوافر سرير لكل مواطن يحتاج الرعاية الصحية، كما يتمنى أن يقدر الناس دور المسعف وقيمته فى المساعدة فى إنقاذ الأرواح، أما الحلم المهنى فهو أن توافق الحكومة على كادر المهن الطبية بما يحسن أوضاع المسعفين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية