x

مارس 2013.. هضبة المقطم.. تاريخ من أساطير أسقطته «القلعة البيضاء»

الأحد 29-12-2013 22:39 | كتب: آيات الحبال, عزة مغازي, عمر عبد العزيز |
تعلية أسوار مقر مكتب الإرشاد بالمقطم، 26 يونيو 2013، تحسبا لوقوع اعتداء أو هجوم خلال مظاهرات 30 يونيو. تعلية أسوار مقر مكتب الإرشاد بالمقطم، 26 يونيو 2013، تحسبا لوقوع اعتداء أو هجوم خلال مظاهرات 30 يونيو. تصوير : إسلام فاروق

ينسب للإمام الليث بن سعد، شيخ الإسلام فى مصر خلال القرن الثانى الهجرى، أن المقوقس أرسل لعمرو بن العاص عقب الفتح يسأله أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فلما رد الفاتح متسائلا عن سر رغبة المقوقس فى شراء سفح أجرد لا زرع فيه ولا ماء فيه بهذا المبلغ الطائل، رد المقوقس بإيمان المصريين أن بالمقطم غراس الجنة، فرد بن العاص: «لا أعرف غراس الجنة لغيرالمؤمنين»، فلما حضره الموت كان أول من يدفن بسفح المقطم.

لم تحتل القاهرة ونواحيها أثرا يذكر فى تاريخ مصر القديمة إلا من منطقة عين شمس والمطرية الحالية (مدينة أون القديمة)، ولم تمثل مناطق القاهرة الأخرى (سوى حلوان) أهمية تذكر، وكذلك ظلت هضبة المقطم العالية، غير ذات أهمية لزمن طويل. لكن مع دخول المسيحية ثم الإسلام إلى مصر، شكلت الهضبة الممتدة بمستوياتها الثلاثة مسرحًا لحكايات السلطة وأساطير الكرامات المرتبطة بالأولياء والقديسين على السواء، حتى إن حكاية الحاكم بأمر الله الذى تبنى عليه العقيدة التوحيدية الدرزية يشكل «جبل المقطم قلبًا لها»، فالدروز يؤمنون أن الحاكم إمام طاهر اختفى ليتعبد فى المقطم المقدس حتى نهاية الزمان.

لم ينقطع هذا التاريخ منذ حكاية عمرو بن العاص والمقوقس، حتى تاريخ اختيار جماعة الإخوان للهضبة نفسها لتكون مقرًا لمكتب الإرشاد الذى اشتهر عنه اسم «القلعة البيضاء».

مر عامان تقريبا على افتتاح مقر مكتب الإرشاد بالمقطم شهدا، هدوء العلاقة بين الإخوان وقوات الأمن والجيش. وفى الثانى والعشرين من مارس 2013، شهد المكتب الذى يمثل رأس السلطة للجماعة، تهديدا من مجموعات من الثوار توجهت للتظاهر أمامه اعتراضا على القرارات المتلاحقة للرئيس المعزول محمد مرسى، وتصريحات حكومته وجماعته التى اتخذت اتجاها رأته تلك المجموعات مخالفا تماما لاتجاه مطالب الثورة. انتهت الاشتباكات يومها إلى مقتل أربعة أفراد وإصابة 79 آخرين ووجه النائب العام وقتها (بعد ساعات من الاشتباكات) الاتهام لأحمد دومة وعلاء عبدالفتاح بالاعتداء على منشآت عامة وخاصة والتسبب فى مصرع المقتولين.

لم تكن تلك الاشتباكات التى وقعت خلال جمعة «رد الكرامة» هى الأولى، فقبلها بأشهر، تعرض ما يراه الثوار الرمز الحقيقى للسلطة إلى موجة من التظاهرات التى تلت اعتداء الإخوان على المتظاهرين فى الاتحادية، ليخرج المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بعد يومين من مقتل عشرة مواطنين بجملته الشهيرة: «ما ذنب النباتات».

فى الثانى والعشرين من مارس نسى سكان الأحياء المجاورة لمنطقة المقطم ما استقر فى الوعى الشعبى عن علاقة «الجبل» بالقوة والسلطة، ليشاركوا فى التظاهرات، فى الوقت الذى حشدت فيه جماعة الإخوان المسلمين أعضاءها من القاهرة والجيزة ومحافظات أخرى قريبة لحماية مكتب الإرشاد، ولم يتمكنوا من دفع المتظاهرين عن «القلعة البيضاء» حتى تدخلت قوات الأمن المركزى لصالح أصحاب القلعة.

على طول تاريخ المقطم وخلال حوالى 1500 عام، كانت تنسج الأساطير وتصنع حكايات التطهر والولاية، ليستمد منها الحكام المتعاقبين الذين سكنوا الهضبة العالية هالة من الغموض والقوة. كل هذه الأساطير التى بناها المصريون وحكامهم فى قرون، انتهت عندما حاولت جماعة الإخوان استعارتها، ليتبقى للتل الحجرى بضع حكايات ينتظر المؤمنون بها إماما قد يخرج عليهم من باطن الجبل فى نهاية الزمان.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية