أينما صوّبت بصرك هذه الأيام، ترى مشهدًا واحدًا يكاد يتكرر في كل مكان، أناسًا هائمة ووجوهًا شاحبة ونظرات زائغة، فقدت بريق الحياة وانعدم داخلها الأمل رغم الابتسامات المصطنعة والكلمات الباهتة الخالية من أي مضمون، لماذا وصلنا إلى هذه الحال من انعدام اليقين؟ الإجابة لا تحتاج إلى جهد أو تفكير.
هي حالة التخبط التي نعيشها من تشوّش عقلي ووجداني بفعل الأعمال الإرهابية التي تضرب البلاد والعباد وممارسة سياسة الأرض المحروقة، فما حدث من تفجير العبوة الناسفة التي طالت حافلة نقل عام بمدينة نصر سوى «قرصة ودن» لإرهاب المواطنين الذين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الإدلاء بأصواتهم للاستفتاء على الدستور منتصف الشهر المقبل.
فسيناريوهات جماعة الإخوان بالنسبة للاستفتاء على الدستور، تتركز في ثلاثة محاور رئيسية، أولها: أن يمنع التنظيم بالقوة والمظاهرات المكثفة التي لا تخلو من شغب وترويع، ذهاب المواطنين للتصويت على الدستور، غير أن هذا الخيار سيُفقدهم نهائيًا تعاطف الغرب، لأنه عندما يصل الأمر إلى صندوق الانتخابات، إذن فاذهب وقل رأيك، لكن لا تُخرّب ولا تُرهب، هذه هي ثقافة الغرب المتعاطف معهم، ومن هنا فإن عنف تنظيم الإخوان إذا ما حاول منع المواطنين من الذهاب للانتخابات بممارسة العنف المباشر ضدهم ومنعهم بالقوة فسيُصنفون على أنهم فصيل إرهابي حقيقي بالنسبة للمفهوم الغربي، ومن هنا فإن الجدل الدائر حول ما إذا كانوا جناة أم مجني عليهم سينتهي إلى الأبد، وسيظهر للعالم من هم جماعة الإخوان، وستعجّل بإدانتهم دوليًا، وهنا تكمن الصعوبة في هذا الخيار.
السيناريو الثاني هو الامتناع عن التصويت ودعوة المواطنين للامتناع بكل السبل بالترهيب تارة والترغيب تارة أخرى، وبالتالي فإن نسبة الذين سيذهبون للاستفتاء من وجهة نظرهم ستكون أقل من نسبة من ذهبوا في 2012، وهنا ستكون التجربة على المحك العملي. أما السيناريو الثالث، فسيكون بذهاب الإخوان للتصويت بـ«لا»- وإن كانوا حتى الآن في حالة إنكار ونفي لهذا السيناريو- ظنًّا منهم أن نسبة «لا» ستكون أعلى من «لا» في استفتاء 2012. وبتفجير حافلة الركاب في مدينة نصر قبل يومين، يكون الإخوان قد دخلوا حيّز تطبيق المخططات والسيناريوهات الموضوعة لإفشال الاستفتاء على الدستور ويكون لديهم الوقت الكافي أيضًا لاختبار السيناريو الأكثر نجاعة بالنسبة لهم، في ضوء الظروف الملتهبة والاحتقان الذي يسود البلاد.
ورغم أن هذه المخططات باتت حاضرة في ذهن وضمير المواطن، غير أننا لا يمكن إغفالها ونحن نرسم صورة المشهد الذي ستكون عليه لجان الانتخابات والإقبال الكثيف الذي لن يخل من تحدٍ وإرادة جماعية لقهر الإرهاب المادي والمعنوي الذي تمارسه الجماعة ضد أبناء الشعب، فالمواطن إلى جانب تسلّحه بإيمانه أن مصلحة الوطن باتت مهددة بفعل فئة ضلت الطريق وواجبه الوطني الذي يحتم عليه ألا يكون سلبيًا، إلا أن ذلك يحتاج إلى قوة أخرى يستمدّ من خلالها إحساسه بالأمان وهو على أعتاب المشاركة بالاستفتاء على الدستور، هذه القوة لابد من ترجمتها على أرض الواقع ليشعر بها المواطن ويأمن لها وتكون الحافز والدافع القوي للخروج دون تردد أو خوف في مواجهة فاشية الجماعة وإرهابها الذي تجاوز كل الحدود.
صحيح أن المواطنين يتحدّون الإخوان بحماس كبير بعد التفجيرات الإجرامية التي طالت مديرية أمن الدقهلية وحافلة مدينة نصر وغيرها، ومصممون على الذهاب مهما كانت الظروف، لكن هناك هواجس بدأت تطفو على السطح، فمن يضمن لهم أثناء وقوفهم فى طابور الانتظار للتصويت بمن لا يروّع أمنهم ويقضّ مضاجعهم بفعل إرهابي هنا أو هناك حتى لو كان من باب التهويش وثني العزيمة والتصميم على كسر هيبة الدولة وإشاعة الفوضى مهما كان الثمن، فلم يعد لهذه الفئة شيء تخسره وسياسة الأرض المحروقة التي يمارسونها ككارت أخير بعد الفشل الذريع الذى منوا به، باتت تظهر نتائجها بوضوح في تخريب وتحطيم المنشآت الجامعية والعامة والخروج في مظاهرات مكثفة لإرهاق الأمن واستنزافه، والتنكيل بالمعارضين وضرب الرافضين والمعترضين على سلوكهم، غير آبهين بردود أفعال المواطنين وعمق الشرخ الذي صنعوه بأياديهم الآثمة في شق الصف الوطني، والإصرار المستميت حتى آخر رمق بإشاعة الفوضى والقتل والتفجير وحرق الأخضر واليابس دون أن يرف لهم جفن.