بعد تسعة شهور من الإضراب عن الطعام داخل السجون الإسرائيلية، استطاع بطل «معركة الأمعاء الخاوية»، الأسير سامر العيساوي، القيادي بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فرض إرادته على سلطات الاحتلال، والانتصار ليس فقط في معركة تحريره، وإنما أيضًا في رفضه قرار إبعاده وإصراره على العودة إلى مدينته، القدس المحتلة، ليعود إليها العيساوي، الاثنين الماضي، بعد إطلاق سراحه.
من القدس المحتلة، أكد سامر العيساوي في حواره لـ«المصري اليوم» عبر الهاتف، أن «عمليات التبادل هي الوسيلة الوحيدة لتحرير الأسرى وليس المفاوضات السياسية»، مشيرًا إلى أن الأسرى الفلسطينيين حولوا السجون الإسرائيلية إلى «كليات ثورية»، تُخرج للشعب الفلسطيني قيادات جديدة، كما أكد العيساوي أن إسرائيل كانت تُحاول إهانة مصر برفضها الإفراج عنه، لكون مصر هي الدولة الراعية لصفقة «وفاء الأحرار» التي تحرر بموجبها قبل أن تعتقله سلطات الاحتلال الإسرائيلي من جديد.
في البداية، كيف تُلخص لنا تجربتك في الأسر ونضال الأسرى داخل السجون الإسرائيلية؟
الأسرى الفلسطينيون في نضال مستمر من أجل الحصول على حقوقهم وتوفير الدواء والطعام الآدمي داخل السجون الإسرائيلية، وهذه الحقوق لا تأتي إلا بنضال طويل يخوضه الأسرى ضد الاحتلال، لهذا حولنا السجون إلى كليات ثورية تُخرج القادة والكوادر لشعبنا، نستغل الوقت في القراءة والكتابة وتنظيم دورات لتثقيف الأسير الفلسطيني داخل السجون، ليخرج الأسير لشعبه أكثر قوة وصلابة وتمسكًا بكشف مخططات الاحتلال، وتعريف أبناء شعبنا بهذه المخططات، التي يمارسها الاحتلال، من أجل توعية أبناء الشعب.
هناك الكثير من الأسرى الذين خرجوا لشعبنا قيادات كبيرة مثل جبريل الرجوب وقدورة فارس، كانوا أسرى والآن هم من قيادات هذا الشعب، حولنا السجون لكليات ثورية رغم كل الظروف الصعبة، وعندما امتلك الأسير القلم والدفتر، لم يمتلكهما لأن الاحتلال أراد ذلك، إنما امتلكهما بنضال طويل، لأنه كان ممنوعا عليه أن يمتلك قلما ودفترا، لكن الحركة الأسيرة أصرت أن تُثقف نفسها لتُخرج قادة لأبناء الشعب.
خُضت أطول إضراب عن الطعام في التاريخ استمر لمدة 9 شهور، كيف اتخذت هذا القرار، وهل كدت أن تفقد الأمل بعد أن طالت مدة الإضراب؟
لا، ولا لحظة فقدت فيها الأمل، فقدان الأمل يعني فقدان حقي في الحرية، فقدان الأمل لأي إنسان ثائر يعني أنه فقد القضية والهدف الذي يُناضل من أجله، عندما بدأت الإضراب كنت أقوم بواجبي، كان هناك صفقة تم الإفراج فيها عن عدد من الأسرى، وكنت من بينهم، وهي صفقة وفاء الأحرار (المعروفة إسرائيليًا باسم صفقة شاليط)، حاول الاحتلال الالتفاف على الصفقة واعتقلني مع إخوة آخرين، متوهمًا أنه سيعبر على جماجم شهدائنا في غزة الذين دفعوا ثمن التمسك بإطلاق سراحنا، ومتوهمًا أيضًا أنه سيهين ثورة مصر الشقيقة، لأن مصر كانت راعية لهذه الصفقة.
كان الاتفاق هو عدم اعتقال الأسرى من القدس والضفة الغربية، ومن هنا جاء هذا الإضراب كي أحافظ على ما تم إنجازه، وعلى هيبة مصر كأهم دولة عربية، والدولة التي قدمت الكثير من الشهداء من أجل فلسطين، ورعت هذه الصفقة، وأيضًا كي لا أسمح للاحتلال بالتلاعب بالصفقة.
كانت حركة «حماس» هي الطرف الفلسطيني الذي وقع صفقة وفاء الأحرار مع الجانب الإسرائيلي، ولكن الحركة لم تتحرك عندما انتهكت إسرائيل بنود الصفقة، ما هو تعليقك على ذلك؟
كان هناك اتصال بين حماس والمخابرات المصرية، وأطلعوهم على الانتهاكات التي تتم للصفقة، ولكن الاحتلال كان يدعي أنني أخطط لعملية خطف جنود، وكان هناك ضغط من القيادة الفلسطينية من قبل الرئيس محمود عباس، وعيسى قراقع وزير شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، ورئيس نادي الأسير قدورة فارس، والأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، نايف حواتمة، وكانوا يتواصلون مع القيادة المصرية لكي يطلعوهم على هذه الانتهاكات.
ولكن كل هذه القيادات تعبر عن السلطة الفلسطينية وعن الجبهة الديمقراطية لا عن حركة حماس التي عقدت الصفقة وتتحمل مسؤولية احترام بنودها؟
أتحدث عن أن الكثير من القيادات الذين حاولوا التواصل مع الطرف المصري من أجل أن يتم إطلاق سراح من تم اعتقالهم، وتواصلنا مع خالد مشعل وإسماعيل هنية لمتابعة الطرف المصري، وكان يصل إلينا أن هناك اتصالات تجري بين الجانب المصري والإسرائيلي لإطلاق سراحنا لكن كل هذه الجهود فشلت، والحمد لله تمكنا من النصر بفضل أحرار العالم لنحافظ على ما أنجز.. أنا لا علاقة لي بمضمون الصفقة ما يهمني هو دماء الشهداء الذين ضحوا من أجل عقدها.
هل كانت هناك مفاوضات بينك وبين الجانب الإسرائيلي؟
كانت هناك مفاوضات بيني وبين المخابرات الإسرائيلية، عرضوا علي خلالها الإبعاد إلى قطاع غزة أو إلى أي دولة في العالم لمدة 10 سنوات، ورفضت العرض لأن فيه إهانة لي ولشعبي ولكرامتي ولكرامة شعبي، كيف أوافق أن يبعدني الاحتلال عن القدس مدينتي ويسمح للمستوطنين بالعيش فيها، صممت على العودة إلى القدس الأقصى وكنيسة القيامة لنؤكد للاحتلال أنها مدينة عربية وستظل كذلك.
كيف كان التعامل الطبي الإسرائيلي معك أثناء فترة الإضراب؟
عندما يُقدم أسير على الإضراب لا يتم التعامل معه من قبل الأطباء الإسرائيليين، ولا تقديم أي شيء له، ولكن في مراحل متقدمة من الإضراب، تم جلب قاضٍ للمستشفى واتخذ قرارًا باستخدام القوة إذا لزم الأمر، لإعطائي تحاليل طبية كي يكسروا الإضراب، وكنت أرفض كل شيء، وكان هناك متابعة من الصليب الأحمر.
ما مدى رضا سامر عيساوي عن المساندة القانونية التي تلقاها من السلطة والمؤسسات الفلسطينية؟
عندما نتحدث عن الأمر القانوني، يجب أن نعرف أنه لا يوجد قانون هنا، هناك احتلال غير شرعي وقضاء غير شرعي، لا قانون على هذه الأرض، لا نعترف بالاحتلال ولا بقوانينه هذه أمور صورية وشكلية، من يقرر الاعتقال هو مخابرات الاحتلال، هي التي تقول لمن يُسمى قاضيًا، وهو ليس كذلك إنما هو معبر عن الاحتلال، الحكم الذي يجب أن يتخذه.. نحن لا نؤمن بهذه المحاكم وأنا كنت مقاطعا لها ولم أكن أعترف بالمحاكمة.
شهدت قضيتك تعاطفًا وتضامنًا دوليًا قد يكون غير مسبوق، كيف كنت تستقبل هذه الأخبار، وماذا كانت تعني لك؟
سمعت عن ذلك من خلال المحامين الذين كانوا يزورونني، كنت أعلم أن هناك مشاركة وليس فقط تضامنا، في مصر ولبنان والأردن ودول عربية أخرى وأوروبية، لا أعتبر هذه الأمور تضامن، وإنما كانت خوضًا للمعركة إلى جانبي، سواء من داخل فلسطين أو خارجها، لأنهم آمنوا أن هذا حق طبيعي لشعبنا الفلسطيني، كلهم شاركوا في هذا الانتصار، وفي القلب منهم الصحفيون والإعلاميون، الذين كانوا جنودًا أيضًا في المعركة، لأنهم أوصلوها لكل أحرار العالم، لولا الصحفيون لما وصلت هذه الصورة لأحرار العالم الذين تفاعلوا مع القضية.
كيف ستكون حياة سامر العيساوي بعد انتصاره في معركته وتحرره من الأسر؟
بالتأكيد سأستمر في النضال ضد الاحتلال وفي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وفي المحافظة على وجودنا في القدس ورفع المعاناة عن أبناء شعبنا الفلسطيني، الإنسان الثوري لا يتراجع حتى تحقيق الهدف سأواصل حتى الشهادة أو الحرية.
كأسير محرر، في رأيك ما هي الوسيلة الأفضل لتحرير الأسرى؟
المفاوضات مع الاحتلال مستمرة منذ ما يزيد على 25 عامًا، هذا الاحتلال لن يحرر الأسرى، فقط عمليات التبادل هي التي حررت الأسرى، وهي القادرة على تحريرهم وبالمعايير الفلسطينية، والاحتلال لا يفهم إلا هذه اللغة.