هو صاحب الكلمة الأخيرة لإعلان ما إذا كانت اللحوم صالحة للاستخدام أم لا.. يداه المصبوغتان باللون الأحمر تكشفان عن هويته بين جدران عنبر الذبح فهو «ختام» الذبائح، يقولها متفاخراً بين الجميع «أنا اللى بختم اللحمة اللى الناس بتاكلها»، يظل عبدالرحمن زكى محطا للأنظار طوال عمليات فحص اللحوم، فهو «البُشرَى» لصاحب الذبيحة بأنها صالحة للاستخدام، فبغير خاتمه هذا لا يمكنه أن يخرج بلحومه من المجزر مهما كان الأمر.
أربعون عاما كاملة من حياته لا يعرف زكى خلالها إلا ختم اللحوم، وللختم هذا مهارة خاصة اكتسبها بمرور الوقت، فكما يقول: «مش أى حد يعرف يختم.. الختم له طريقة محددة أثناء تمرير الخاتم على اللحم لكى تظل الكلمات واضحة للجميع أنا حامل أختام المدبح».
وللختم أسرار لا يعرفها إلا زكى فيقول: «كل يوم الختم بيتغير.. أولا اليوم نفسه سواء كان أربعاء أو سبت أو أى يوم من أيام الأسبوع.. والعلامة السرية بتتغير كل يوم»، ويؤكد زكى أن العلامة السرية هى الفيصل فى أن تلك اللحوم تم ذبحها داخل المجزر أم لا، ويفسر ذلك بقوله:«من الممكن أن يتم تقليد ختم اللحمة، ولا يستطيع أحد التمييز بينه وبين اللحوم الصالحة للاستخدام التى ذبحت بطريقة صحيحة داخل جدران المجزر».
ويؤكد زكى ان هذه العلامة السرية لا يعرفها إلا المشرفون والمراقبون على اللحوم فى الأسواق والذين يستطيعون فرز اللحوم غير الصالحة بمجرد مشاهدة الختم المزور على اللحوم المباعة. زكى لا يستطيع أن يمرر خاتمه على أى من الذبائح إلا بعد أن يتلقى تعليمات من الطبيب المراقب فى عنابر الذبح، بختم اللحوم الصالحة للاستخدام، ومهنته هذه حساسة للغاية فهو مفتاح عبور اللحوم من المجزر، فيقول: «لا أجد خطراً فى مهنتى طالما أن الطبيب المراقب يقف بجوارى، ولولا ذلك لما استطعت الوقوف وسط هؤلاء الجزارين وممارسة عملى بنزاهة».
تظل يداه مصبوغتين باللون الأحمر على مدار ساعات عمله التى يبدأها من السادسة صباحا وحتى الثانية عشرة ظهراً، هى مدة الوردية الأولى بالمجزر، إلى أن ينتهى من عمله ويقوم بغسلها مستخدما الكلور الخام وهى المادة الوحيدة التى تستطيع تخليصه من آثار الصبغة.
رغم حساسية عمل زكى فإنه يتقاضى 5 جنيهات فقط يومياً، هو وزملاؤه العاملون بمهنة الختم، وأغلبهم يعملون بعقود استمرت لأكثر من عشرة أعوام كاملة وحتى الآن لم يتم تثبيتهم.
يكتب زكى تتر النهاية على اللحوم التى تم فحصها طوال 6 ساعات من العمل المتواصل داخل جدران عنابر الذبح، لكنه حتى الآن هو وغيره من العاملين بنفس المهنة لم يستطيعوا الوصول إلى وضع مرضٍ فى مهنتهم فكما يقول: «محدش مهتم بينا من المسؤولين.. إحنا يدوب ختامين وبس بالنسبة لهم»، فهو وغيره من الختامين يعولون أسرا بحاجة إلى نفقات لا تستطيع مهنتهم توفيرها، وهو ما قاله أمين سيد، أحد الختامين بالمذبح، والذى يعمل منذ 11 عاماً داخل جدران المكان لم يتقاضَ خلالها إلا 150 جنيهاً فى الشهر، كما أنهم جميعا لا يعرفون نهاية لعملهم بهذه الطريقة فلا أحد يحدثهم عن تعيينات ولا أحد يعدهم بزيادة الرواتب.
فيديو: يوم فى مجزر المنيب الآلى على الرابط التالى:
http://www.almasryalyoum.com/multimedia/video/day-munib-slaughterhouse