x

المؤرخ الأمريكى «ايوجن روجان»: أي انتخابات نزيهة فى المنطقة العربية ستأتى بالإسلاميين للحكم

الأربعاء 16-12-2009 15:19 | كتب: سها السمان |
تصوير : other

وكأن الخيوط كلها تبدأ وتنتهى عند لحظة انهيار برجى مركز التجارة العالمى، عند اللقطة التى ظهر فيها بن لادن على شاشات التليفزيون ليعلن مسؤولية تنظيم القاعدة عن التفجيرات، لحظة الحدث الفارقة التى سمحت للولايات المتحدة بإعلان الحرب على ما سمته الإرهاب، الأمر الذى تحول بشكل أو بآخر إلى الحرب على المسلمين، إنها نفس اللحظة التى بدأ العالم يعيد فيها حساباته تجاه منطقة الشرق الأوسط، ويتملكه الرعب من وصول الإسلاميين للحكم فى البلاد العربية، تلك الأفكار المتشابكة والمختلطة جعلت العالم الغربى يرحب كثيرا بأى دراسات تحاول تبديد ذلك الغموض،

لذلك لم يكن من الغريب أن يحظى كتاب «العرب» The Arabs للكاتب والمؤرخ الأمريكى «ايوجن روجان»، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أكسفورد، الذى صدر مؤخرا، بحفاوة خاصة من جانب المهتمين بالمنطقة العربية على المستويين السياسى أو التاريخى.

هذا الكتاب يرصد بعمق رغبات الشعوب العربية فى العودة إلى قوتها الغابرة من خلال محاولة استعادة الجذور الإسلامية الأولى التى تمثل فى الذهنية العربية العصر الذهبى لأمة بأكملها، ويقول روجان إن هذه الرغبة سوف تطرح نفسها بقوة عند إجراء أول انتخابات حرة ونزيهة فى الوطن العربى لتصعد بالإسلاميين إلى كراسى الحكم، والمفارقة أن الطرف الأكثر عداء للغرب هو الأقدر على الوصول للسلطة عند اللعب بقواعد الديمقراطية الغربية.

«المصرى اليوم» التقت «ايوجن روجان» عبر الإنترنت فى حوار طويل يمكن وصفه بأنه نظرة خبير غربى على أوضاع المسلمين ومستقبل المنطقة العربية.

■ دعنا فى البداية نتساءل عن بدايات اهتمامك بدراسة التاريخ العربى، وكيف جاء هذا الاهتمام؟

- فى عام ١٩٧١ أبدى السعوديون للحكومة الأمريكية رغبتهم فى شراء طائرات عسكرية حديثة لجيشهم، فقامت شركة «نورثروب»، التى تعمل فى هذا المجال بإرسال والدى إلى بيروت لافتتاح مكتب للشركة فى الشرق الأوسط، وبالطبع انتقلت العائلة للإقامة فى لبنان، وكان عمرى وقتها عشر سنوات، ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية انتقلنا للإقامة فى القاهرة حيث أكملت تعليمى الثانوى فى المدرسة الأمريكية حتى عام ١٩٧٨.

هذه الفترة من التاريخ شهدت الكثير من الأحداث المهمة مثل الصراع بين الجيش اللبنانى ومنظمة التحرير الفلسطينية فى بيروت عام ١٩٧٣، وحرب أكتوبر فى نفس العام والحرب الأهلية فى لبنان، واضطرابات الخبز فى مصر، وبالطبع زيارة السادات إلى القدس، والكثير من الأحداث الأخرى، وبكل تأكيد أثرت هذه المعايشة عن قرب فى وجدانى، وعندما عدت إلى الولايات المتحدة انتهزت كل فرصة متاحة لدراسة اللغة العربية وتاريخ الشرق الأوسط، وبعد الانتهاء من مرحلة البكالوريوس حصلت على درجتى الماجستير والدكتوراه من جامعة هارفارد فى تاريخ الشرق الأوسط، وبعد ذلك توليت مهمة تدريس التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط فى جامعة أكسفورد العريقة.

■ فى أعمالك وأبحاثك تعود دائما إلى الجذور التاريخية، وبالأخص فترة الحكم العثمانى، عند أى محاولة لتفسير الصراع الحالى فى الشرق الأوسط ، ما السبب فى ذلك؟

- بكل تأكيد فإن العثمانيين هم مركز التاريخ الحديث فى العالم العربى، ومهما كانت أفكارك الخاصة حول بداية التاريخ الحديث فى المنطقة، إلا أن هناك حقيقة تاريخية وهى أن العرب بدأوا حقبة التاريخ الحديث تحت الحكم العثمانى، وعلى مدار أربعة قرون بداية من القرن السادس عشر حتى عام ١٩١٨ شكل العثمانيون الثقافة السياسية للدول الحديثة فى الشرق الأوسط، التى ظهرت بعد انهيار الدولة العثمانية، وغالبية القادة الذين ظهروا فى العراق وسوريا والأردن وفلسطين وحتى إسرائيل (بن جوريون درس القانون فى ظل العهد العثمانى فى إسطنبول)، تلقوا تعليمهم فى المدارس العثمانية وتطورت فكرة الوطنية العربية من خلال ثوراتهم ضد الحكم العثمانى، ولذلك فهذه الفترة محورية للغاية لفهم السياق والجذور لما نراه حاليا.

■ ولكن مرحلة الاستعمار الإنجليزى -الفرنسى للمنطقة العربية ساهمت بشكل كبير فى التأثير على فكرة الأمة العربية؟

- يمكن العودة بأصول القومية العربية فى العالم العربى إلى الفكر السياسى الأوروبى فى القرن التاسع عشر والتى لعبت دورا مهما فى تشكيل الفكر القومى فى شمال أفريقيا، وأعتقد أن العرب عام ١٩١٨ كانوا يطمعون فى إقامة إمبراطورية عربية كما كان الوضع فى فترات سابقة من التاريخ، وبالطبع كان يظهر معها بوضوح مفهوم الأمة المصرية المتميزة، وفى سوريا ولبنان والعراق ظهرت فروع من الفكر القومى،

ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لم تجد هذه القوى أى دعم، بل على العكس تم تقسيم الأراضى العربية من جانب القوى الأوروبية كجزء من عملية السلام فى صلح فرساى، وعمدت إنجلترا وفرنسا إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة، مما خلق ظروفا مثالية للحركات القومية الناجحة فى سوريا والعراق ولبنان، وبدأت فكرة وجود الدولة العربية الكبرى تقابل بالرفض، خاصة من قبل الدول الصغيرة التى حصلت على استقلالها، ولم تجد أى مصلحة فى تسليم سلطتها إلى حاكم عربى واحد فى القاهرة أو دمشق.

■ كمؤرخ متخصص، لماذا فشلت فكرة الوحدة العربية التى دعا إليها عبدالناصر ودعمها بقوة؟

- كما قلت، يعود جزء من فشل مشروع القومية العربية إلى تقسيم الاحتلال البلاد لدويلات صغيرة، وكانت النخبة السياسية فى هذه البلاد ترغب فى الحفاظ على سلطتها الفردية، مثلما رفض عبدالكريم قاسم الدخول فى مشروع الوحدة بين مصر وسوريا ليصبح جزءا من حكم عبدالناصر، كذلك كانت هناك مخاوف لدى عبدالناصر من هذه الخطوة ورد فعل المجتمع الدولى تجاهها على خلفية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، فلسطين كذلك كانت سببا فى انحسار فكرة القومية العربية، حيث فشلت الدول العربية فى توحيد جهودها وهزيمة الدولة الوليدة إسرائيل،

خرج الفلسطينيون إلى الدول العربية التى وعد قادتها بتحرير فلسطين إلا أن الأمر انتهى بكارثة ١٩٦٧، وإذا كانت فلسطين القضية المشتركة بين القوميين العرب فقد أثبتت فشلهم فى تحقيق الدرجة اللازمة من العمل المشترك لتحقيق الهدف الأساسى، فكان من الطبيعى تراجع الفكرة بأكملها، ولكن رغم ذلك يوجد حتى اليوم من يؤمن بالثقافة والمصير المشترك للعرب إلا أن مباراة كرة القدم الأخيرة بين مصر والجزائر أثبتت أنه حتى على هذا المستوى الرمزى فإن فكرة القومية العربية ميتة.

■ تبدو ملامح الاهتمام بالإسلاميين واضحة فى أعمالك، ولكن فى كتابك الأخير تؤكد أن إعدام «سيد قطب» جاء بسبب كتاباته المناهضة للنظام، فى حين يعتقد الكثيرون أن الإعدام جاء بعد إدانته بقيادة تنظيم سياسى يهدف لقلب نظام الحكم، فما رأيك فى هذا التناقض؟

- أدانت المحكمة المصرية «سيد قطب»، وحكمت بإعدامه بسبب مؤامرة مزعومة لقلب نظام الحكم، وإذا أخذنا كتابات «زينب الغزالى» على محمل الجد، فقد كان قطب يسعى فعلا مع زملائه لتغيير الحكومة المصرية، ولكن عن طريق الإقناع بالطرق السلمية وليس العنف، كانت الجماعة تخطط لإقامة دولة إسلامية فى مصر ومن ثم الدعوة لهذه الدولة على مدار ١٣ عاما من الوعظ على غرار دعوة النبى محمد الأولى فى مكة وحتى هجرته إلى المدينة لتأسيس المجتمع الإسلامى الأول،

وهذا مشروع يختلف تماما عن مؤامرة مزعومة لاغتيال عبدالناصر وقلب نظام الحكم الجمهورى لإقامة حكومة إسلامية عن طريق العنف، وأقول إن جميع المتهمين أبرياء من هذه التهمة، وأعتقد أن سيد قطب لقى حتفه بسبب هذه الأفكار وما كانت تمثله من تهديد لنظام عبدالناصر عام ١٩٦٠ مع فشل مشروع الوحدة مع سوريا ومشاكل حرب اليمن والفشل فى تحرير فلسطين، وأعتقد أن أفكار سيد قطب شكلت وقتها التهديد الأكبر للحكومة المصرية، وما زالت تفعل ذلك حتى اليوم.

■ لماذا تعتقد أن أى انتخابات نزيهة فى العالم العربى ستؤدى إلى وصول الإسلاميين للحكم؟

- قلت فى كتابى إن أى انتخابات حرة ونزيهة تحدث فى العالم العربى اليوم، ستفوز بها الأحزاب الأكثر معاداة للغرب، خاصة الأحزاب الإسلامية، هذه القناعة تأتى من أن الأحزاب الإسلامية أصبحت من أكثر حركات المعارضة التى تحظى بشعبية فى الدول العربية، خاصة أنها تتبنى لهجة العداء للإمبريالية والتدخل الأجنبى، كما أن الإسلاميين يجيدون استغلال الغضب الشعبى تجاه إسرائيل فى دعم مواقفهم، وهذه الأوضاع تجعل الحكومات الغربية شديدة القلق من وصول الأحزاب الإسلامية للسلطة فى الدول العربية.

■ ولكن، ألا تجد مفارقة فى دعم الغرب راعى الديمقراطية لعدد من الأنظمة الديكتاتورية بدعوى الخوف من وصول الإسلاميين للحكم؟

- بالطبع، ففى الوقت الذى تدعو فيه الحكومات الغربية علانية إلى مزيد من الديمقراطية فى العالم العربى، فإنها تتردد كثيرا من قبول نتائج العملية الديمقراطية للانتخابات، التى يمكن أن تصل بالإسلاميين إلى السلطة، لذلك فهى تدعم الحكومات غير الديمقراطية للحفاظ على الوضع الراهن، وأعتقد أن هذه الطريقة تدل على قصر النظر، فالدعم المقدم للحكومات غير الديمقراطية لا يمنح الشرعية للحركات المعارضة، ويجعل مهمتها فى الترويج للديمقراطية وإحداث التغيير داخل بلدانها أكثر صعوبة،

وكمثال على ذلك الجزائر التى ألغيت فيها نتائج الانتخابات البرلمانية عام ١٩٩٠ لمنع وصول جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى السلطة، مما تسبب فى كارثة أدت إلى اشتعال فتيل الحرب الأهلية، كذلك جاء رفض الحكومة التى تقودها حماس ليؤدى إلى انقسام كارثى داخل السلطة الفلسطينية، وإذا كان الغرب يرغب فى تعزيز الديمقراطية فى العالم العربى حقا فعليه تقبل إرادة هذه الشعوب.

■ إذن، فى ظل هذه الظروف هل يمكن وصول الإسلاميين للحكم فى المدى المنظور فى أى دولة عربية؟

- فى السنوات العشرين الماضية لجأت غالبية الحكومات العربية ببساطة إلى قمع الحركات الإسلامية بعنف شديد، وهكذا أصبح من الصعب تخيل إمكانية أن تخوض جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات بشكل علنى فى مصر أو سوريا، أو أن يتم السماح لجبهة الإنقاذ الإسلامية بالعمل مرة أخرى فى الجزائر، فى المغرب والأردن يختلف الوضع قليلا حيث يتم احتواء المعارضين الإسلاميين لتجنب العنف وضمان التحكم الدقيق فى العملية السياسية، وفى المشهد الحالى تشارك بعض الأحزاب الإسلامية بشكل ناجح سياسيا فى بعض البلاد مثل حماس، التى أسست بالفعل حكومة برئاسة إسماعيل هنية،

وهناك حزب الله بكتلة برلمانية قوية كادت تفوز بالانتخابات الماضية، ويشهد العراق حاليا أعلى مستوى من مشاركة الجماعات الإسلامية فى العملية السياسية وبشكل علنى كما يبدو تقدير ميزان القوى بين السنة والشيعة والعلمانيين أكثر وضوحا، ورغم ذلك فأنا أعتقد أن جزءا كبيرا من المجتمع السياسى العربى يرغب فى الحفاظ على النظام العلمانى الحالى، ومحاولة خوض التحدى أمام الإسلاميين واجتذاب المزيد من المؤيدين، ولكن الحقيقة أن العلمانيين يجب أن يبذلوا المزيد من الجهد فى طرح وجهة نظر بديلة وإقناع الناخبين بأن لديهم حلولا أفضل من الإسلاميين، وإلا سيخسرون الانتخابات عند أول مواجهة.

■ تشدد كثيرا على حالة العداء فى العالم العربى تجاه الغرب، فى رأيك من المسؤول عن هذه الحالة؟

- أعتقد أن المسؤول هو المعايير المزدوجة التى تتعامل بها أوروبا والولايات المتحدة مع المنطقة لتحقيق مصالحها، وأعتقد أن علاقات العرب مع الولايات المتحدة كانت طيبة قبل أن تصبح القوة المهيمنة عالميا مع نهاية الحرب العالمية الأولى ومع وعد «وودرو ويلسون» بإقامة نظام عالمى جديد قائم على مبدأ حق تقرير المصير الوطنى، أما الآن فالعلاقات مع أوروبا أفضل لأنها لم تعد القوة السائدة، كذلك فإن دعم الغرب لإسرائيل يزيد من خيبة الأمل العربية، فعندما دعمت بريطانيا فكرة إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين،

وزودت فرنسا إسرائيل بالأسلحة فى الخمسينيات انصب الغضب العربى على أوروبا ووصل لذروته مع حرب السويس عام ١٩٥٦ ومع النمو المتزايد لأهمية الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط أثناء الحرب الباردة وتوسع المصالح الأمريكية فى النفط العربى بدأ التدخل الأمريكى فى الشؤون الإقليمية، وبدأت الجمهوريات الثورية ترفض التعاون مع الولايات المتحدة، واتجهت للتعاون مع الاتحاد السوفيتى فى الوقت الذى عمقت الولايات المتحدة فيه علاقاتها مع إسرائيل، وهكذا وصلنا إلى الوضع الحالى.

■ ولكن ألا تعتقد أن ردود الفعل الأمريكية وأوروبا تجاه المسلمين عقب أحداث ١١ سبتمبر ساهمت بشكل كبير فى تعميق حالة العداء العربى للغرب بصفة عامة؟

- فى الحقيقة أدت أحداث ١١ سبتمبر إلى انقسام خطير وغير مسبوق بين الغرب والعالم الإسلامى، فالأوروبيون والأمريكيون يعتقدون الآن أن الإسلام هو الخطر الأكبر الذى يواجه مجتمعاتهم، الأمر الذى خلق حالة من التعصب وكراهية الإسلام وترتب على ذلك العديد من المواقف مثل الرسومات الكاريكاتيرية فى الدنمارك، أو قرار حظر بناء المآذن فى سويسرا، وهى الأحداث التى جعلت المسلمين يشعرون بالغربة والحرمان من حقوقهم كمواطنين أوروبيين، وبالطبع يجد الكثيرون الآن أن فكرة الحرب على الإرهاب تحولت إلى حرب على الإسلام، خاصة مع اتجاه أمريكا لقتال أفغانستان والعراق وتهديد سوريا وإيران، وعلى الجانب الآخر رفضت إدانة الهجمات الإسرائيلية على الأراضى اللبنانية والفلسطينية باعتبارها حربا ضد منظمات إرهابية، وأعتقد أن الرئيس أوباما يفهم خطر هذه السياسة وبدأ متعمدا فى الإقلال من شأن الحرب على الإرهاب والحديث عن اتباع أسلوب الحوار مع الدول التى تختلف مع أمريكا.

■ هل حدث تغيير فعلى فى محاولة الغرب فهم العرب بشكل أكبر بعد أحداث سبتمبر؟

- شجعت أحداث ١١ سبتمبر على التوسع فى دراسة اللغة العربية والإسلام فى الجامعات الغربية، كما صدر عدد ضخم من الكتب حول هذا الموضوع، بطبيعة الحال ليست جميعها متعاطفة مع العرب، وفى جامعة أكسفورد شاهدنا ازدياد عدد المتقدمين للحصول على الماجستير فى الدراسات الشرق أوسطية، وأعتقد أن المزيد من الغربيين بدأوا فى دراسات جادة للمنطقة، وهذا أفضل لأن الجهل بالموضوع كان أكبر عقبة أمام التفاهم بين العالم العربى والغرب،

وفى المقابل أعتقد أن العرب يجب أن يعرفوا المزيد عن الثقافة الغربية حتى يتغلبوا على المفاهيم الخاطئة، وقد أكد الرئيس أوباما هذه النقطة فى خطابه للعالم الإسلامى من القاهرة، وأتمنى أن تكون هناك دراسات فى الجامعات العربية متخصصة فى شؤون الغرب كما يوجد لدينا، ليس بهدف ضمان محبة العرب للغرب، ولكن لمنحهم معرفة أفضل بالسياسات والاقتصاديات المهيمنة اليوم.

■ ومع ذلك يسود فى العالم العربى اعتقاد بأن الدراسات الغربية عن الشرق منحازة دائما.. ما رأيك فى هذا الشعور؟

- أتصور أن هذا صحيح بشكل ما بالنسبة لعلماء الغرب فى منطقة الشرق الأوسط، بالطبع تأثرنا جميعا بالنقد الذى وجهه «إدوارد سعيد» للمنح الدراسية الغربية التى تخدم أغراض الهيمنة السياسية فى الشرق الأوسط والمعروفة بالاستشراق، والتى يستخدمها بعض العلماء لإهانة كل عمل آخر، وبقراءة واحدة لإدوارد سعيد تكتشف أنه يحق لأبناء البلد فقط كتابة تاريخها إلا أننى أعتقد أن إدوارد سعيد شخصيا لايتفق مع هذا التفسير، لأنه يضعف الفضول الطبيعى لدينا تجاه ثقافات الآخرين، وقد يؤدى إلى تجنب المنح الدراسية والتبادل بين الثقافات، ومن ثم لا يمكن أن يكون أمرا إيجابيا، وأنا أترك لقرائى العرب المجال ليقولوا إذا كنت أكتب تاريخهم بشكل عادل أم لا.

■ أصدرت طبعة الثانية من كتابك عن تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى بالمشاركة مع المؤرخ الإسرائيلى (آفى شاليم)، ما الجديد الذى يكشف عنه الكتاب من الناحية التاريخية لهذا الموضوع الشائك؟
- فى هذا الكتاب حاولنا كتابة تاريخ جديد للصراع العربى الإسرائيلى وفقا لحركة المؤرخين الإسرائيليين الجدد مثل «بينى موريس» و«إيلان بابييه» و«آفى شاليم» وعملنا على كسر الأساطير الإسرائيلية التقليدية، لقد أظهرت الكتب الإسرائيلية مسؤولية إسرائيل عن خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ووثقت الفظائع الإسرائيلية كما أنها جادلت بشأن السياسة البريطانية التى كانت مصممة على منع إقامة الدولة الفلسطينية بقيادة الحاج أمين الحسينى بدلا من محاولة منع قيام الدولة الإسرائيلية عام ١٩٤٨،

وقد اتفقت هذه الكتب بشكل مدهش مع السرد العربى لحرب ١٩٤٨، ومع ذلك هناك الكثير من المفاجآت فى تاريخ هذه الفترة مثل وجود قادة عرب أرادوا منع أمين الحسينى من الوصول إلى السلطة، وبعض الجيوش العربية لم تدخل المعركة بكامل قوتها،

وأعتقد أنه من المهم تشجيع المؤرخين العرب لكسر بعض الأساطير فى التاريخ العربى، خاصة مع صعوبة الوصول لوثائق حرب ٤٨، وعدم شعورالعلماء بالراحة فى نشر كتابات نقدية حول تاريخ بلدهم خوفا من عقاب السلطات، ولهذا السبب فشلنا فى العثور على مشارك فى لبنان فى الطبعة الأولى واستطعنا العثور على باحث إنجليزى للكتابة عن لبنان فى الطبعة الثانية، وفى سوريا بعد أن وافق باحث انسحب خوفا، ثم اتفقنا مع كاتب أمريكى للحديث عن تجربة سوريا، ولكن لم يكن البحث الذى كنا نحلم به.

■ تكرر دائما أن العرب يلقون على إسرائيل السبب فى كل مشاكلهم، ما رؤيتك لوضع إسرائيل وتأثيرها على المنطقة العربية؟

- لا يوجد أدنى شك فى أن إسرائيل لا تزال واحدة من أكبر التحديات التى تواجه العالم العربى، وإذا وافقت إسرائيل على السلام فستجد قبولا سريعا فى المنطقة، خاصة بعد أن وعدت الجامعة العربية بإقامة تطبيع كامل مع إسرائيل فى حالة الانسحاب الإسرائيلى الكامل من الأراضى المحتلة فى ٦٧، أعتقد أن العرب تعبوا من الصراع وأتصور أنه إذا توقفت إسرائيل عن الاحتلال والاعتداء على الفلسطينيين والهجمات على جيرانها مثل سوريا ولبنان عندها فقط يمكن للعرب إقامة علاقات طبيعية معها.

■ هل يمكن للتاريخ أن يستشرف المستقبل؟ وكيف ترى المستقبل السياسى القريب للمنطقة العربية؟

- هناك عدد قليل جدا من الأكاديميين استطاعوا التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها، أنا على المستوى الشخصى أصابتنى الصدمة عندما اندلعت الحرب الأهلية فى لبنان، ولكن عندما قرأت الكثير عن حجم التناقضات الهائل بين القوى السياسية والاجتماعية هناك بدا أن هذا القتال الأهلى كان أمرا محتوما،

كذلك فإن الفشل فى التنبؤ بقيام الثورة الإسلامية فى إيران مثال واضح على فشل التوقعات، ولكنى كمؤرخ أستمتع بمحاولة التنبؤ بالمستقبل، وما يمكننى قوله هو أن هناك اتجاهات واضحة للعمل فى العالم العربى إضافة إلى الضغوط على الأنظمة السياسية، ويتمتع العالم العربى، بنسب مرتفعة من الشباب،

وهذا أمر جيد لكنه يضع عبئا على الحكومات العربية حتى توفر فرص العمل لهذا العدد الضخم من الشباب، وقبل هذا لابد من توفير نظم تعليم تجهزهم للاستفادة من الاقتصاد العالمى، وهناك تحدٍ آخر وهو فجوة عدم المساواة فى المجتمعات العربية ومن بينها مصر، الأمر الذى سيؤدى إلى مشاكل سياسية، وفشل الحكومات فى تحقيق التوازن للمواطنين يشجع الحركات المعارضة مما يعود بنا الى نفس نقطة نجاح الإسلاميين فى هذه المجتمعات لأنهم يقومون بالتركيز على فكرة العدالة الاجتماعية.

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية