«مصطفى» 18 سنة، طالب جامعى، له شقيق واحد 15 سنة.. كانت حياته طبيعية حتى مساء الخميس الماضى.. أخذ من والده 30 جنيها وتوجه إلى مول كمبيوتر قريب من المنزل.. الأمطار كانت تتساقط بغزارة وقتها والبرق والرعد تظهر آثارهما فى كل مكان.. مصطفى يمر بجوار سور مدرسته.. يضطر إلى المرور بعد أن أغرقت المياه الشارع.. لحظات وأطلق صرخة مدوية ولم يتحرك بعدها.. صعقه كابل كهرباء وألقاه فى وسط الشارع..
الكابل دون غطاء وينتظر ضحايا منذ فترة طويلة وبدأ رحلته مع «القتل».. مصطفى الطالب فى كلية الحقوق مات.. شهود العيان لم يحددوا الوفاة بجوار «الكابل» أم فى المستشفى.. لكن ما أكدوه أن والد الضحية أصيب بشلل ولا يحرك رقبته أو يده منذ وقوع الحادث ويجلس وبيده صورة ابنه ويقترب منه جيران وأصدقاء وزملاء مصطفى ودموعهم فى أعينهم ويشدون على يده: «شد حيلك يا بشمهندس.. ده عمره».
الموقف داخل المنزل فى منطقة عين شمس صعب.. البكاء والصراخ والعويل تسمعه من أول الشارع.. الجميع فى المنطقة يتحدث عن الوفاة وعن الشاب الضحية ويؤكدون أنه شاب ملتزم ويحب الجميع.. على باب المنزل يقف أصدقاء الضحية.. الحزن يظهر عليهم بوضوح حضروا لتلقى وتقديم العزاء فى زميلهم..
الأب عبدالفتاح محمد، مهندس فنى هيئة مترو الأنفاق يمسك بصورة ابنه الأكبر مصطفى فى يده لا يتركها أبدا قال: «ابنى مات بكابل كهرباء قوته 350 فولت.. عملى كله فى الكهرباء وأنا أقدر شخص يعلم بالألم الذى شعر به ابنى.. مصطفى كان هو سندى فى الحياة.. هو (الزرعة) التى كنت أراها تكبر أمامى وأنتظر حصادها يوم زواجه.. منذ إصابتى بجلطة فى يدى العام الماضى ومصطفى لم يفارقنى، يصطحبنى إلى الأطباء وإلى عملى لأحصل على إجازة جديدة.. كنت أتكئ عليه لكى أتحرك فى المنزل.. مصطفى كان متفوقا فى مدرسته وحصل على مجموع جيد فى الثانوية العامة العام الماضى ودخل كلية الحقوق ليحقق رغبتى فى الالتحاق بالعمل بالنيابة».
يوم الحادث - والكلام على لسان الأب - مصطفى طلب منى 30 جنيه ليتوجه إلى مول الكمبيوتر ويشترى شيئا من هناك.. اخبرته أن الجو سيئ ولكنه نزل وبعد 20 دقيقة جاءتنى مكالمة من موظف استقبال بمستشفى المعلمين بعين شمس وأخبرنى أن ابنى أصيب فى حادث ويطلب رؤيتى.. أغلقت المكالمة وصرخت على والدته لكى تتحرك هى إلى المستشفى سريعا،
وبعد 5 دقائق أخرى اتصل الشخص نفسه مرة ثانية وهو يصرخ: «إنت لسه عندك ابنك كان بيموت وعايز يشوفك.. ابنك مات يا حاج».. أغلقت المكالمة ودخلت فى غيبوبة لمدة لا أعرف وقتها.. أفقت على صراخ الجيران وزوجتى وهم من حولى ويخبرنى الطبيب أنى أصبت بجلطة جديدة فى القدم وأخرى فى الرقبة وأنى لن أستطيع التحرك مرة أخرى.. لا أعلم مصيرى ولكنى حزين على فراق ابنى الأكبر.
الأم جلست فى الخارج تتلقى العزاء وبجوارها ابنها الثانى معتصم.. تبكى بحرقة على فراق ابنها.. تقول: مصطفى توفى أمام مدرسة البشرى التى تعلم داخل جدرانها لمدة 10 أعوام.. منذ صغرهما وأنا أرى أسلاك الكهرباء تظهر بوضوح فى الشارع..
كنت أطلب منهما الابتعاد عنها وتوخى الحذر عند السير بجوارها.. بعد أن تلقينا المكالمة من موظف استقبال المستشفى أسرعت إلى هناك لكى أبحث عن ابنى.. كنت أمنى نفسى برؤيته سليما وأن إصابته طفيفة.. وفور دخولى إلى المستشفى وجدت عددا من الاهالى يقفون على الباب وهم يتحدثون عن الحادث سالتهم عما حدث فأخبرونى بأن شابا أصيب بصعق كهربائى بسبب الأمطار وأنه توفى فى الحال..
أسرعت إلى الداخل أبحث عنه ولكن وجدته ملقى على سرير داخل غرفة وجثمانه مغطى بغطاء أبيض.. لن أستطيع أن أنسى ابنى مصطفى.. كنت أتمنى رؤيته وكيل نيابة وعريسا فى فرح كبير.. الآن لن أبحث عن حقى أو تعويض ولكنى أتمنى محاسبة المسؤولين وتقديمهم إلى المحاكمة بتهمة الإهمال وعلاج تلك الأخطاء حتى لا يقع ضحايا آخرون.
أشقاء الأب يتولون هم متابعة القضية فى تحقيقات النيابة، قال اسماعيل محمد، عم الضحية: «التحقيقات فى النيابة لم تتوصل إلى أى جهة مسؤولة حتى الآن.. وزارة الكهرباء حضرت إلى المكان وقامت بمعاينة الكابل وأثبتت أنها غير مسؤولة وأيضا الحى وهيئة مترو الأنفاق حضروا إلى المكان وأكدوا أن الكابل غير تابع لهم.. بعد وقوع الحادث بساعة واحدة حضر بعض العمال وقاموا بردم الكابل وإخفائه حتى لا تتم إدانة أى شخص.. سنرفع قضية تعويض ضد المسؤولين ولن نترك حقنا».