x

إنهاء الحرب على العراق.. كتاب يكشف الأسباب الحقيقية للغزو

الخميس 25-02-2010 00:00 |
تصوير : other

بحلول مارس المقبل يكمل العراق عامه السابع تحت قبضة الاحتلال الأمريكى الذى تسبب فى حالة من الفوضى وأوجد تربة خصبة للعمليات الإرهابية التى زعزعت أمن العراق واغتالت سكانه من المدنيين، وهو الوضع الذى أثار حفيظة المجتمع الدولى وبات يرى ضرورة إنهاء الاحتلال الأمريكى للعراق.

هذا هو مضمون الرسالة التى جاءت بها الباحثة الأمريكية فيليس بييس فى كتابها «إنهاء الحرب على العراق» أو «Ending the Iraq War» ويستهدف بشكل خاص القارئ الأمريكى والعاملين من أجل السلام فى مختلف أنحاء العالم. فيليس بينيس، زميلة معهد الدراسات السياسية بواشنطن العاصمة ومعهد ترانسناشينوال بأمستردام ومتخصصة فى قضايا الشرق الأوسط وبحث هيمنة الولايات المتحدة على هيئة الأمم المتحدة والتى أدت إلى حرب الخليج وفرض عقوبات اقتصادية على العراق ومن ثم غزوه واحتلاله.

يأتى الكتاب فى 232 صفحة من القطع الصغير أو «الجيب» لناشره أوليف برانش ويتألف من 4 أجزاء، تجيب فيه الكاتبة عن أكثر الأسئلة تداولاً حول أسباب وتداعيات الحرب الأمريكية على العراق وتكلفتها بالنسبة للأمريكيين وللعراقيين وأثرها على الإرهاب العالمى وما يسمى الأصولية الإسلامية وطبيعة النزاع الطائفى وجذوره والتداعيات المحتملة لخروج جميع القوات الأمريكية والأجنبية من العراق.

السيطرة على منابع البترول المتجه إلى ألمانيا واليابان

ترى فيليس أنه لا مجال للشك فى أن حكومة صدام حسين البعثية كانت قمعية للغاية وأن العراق مثل العديد من حلفاء الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط تقلصت فيه الحقوق السياسية مثل حرية التعبير وتنوعت عقوبة المناهضين للنظام فيه من الاعتقال إلى السجن إلى التعذيب إلى الاغتيال أو الإعدام.

كما أن العقوبات المفروضة على العراق طوال 12 عاما عقب حرب الخليج 1991 شلت اقتصاد العراق ومزقت حياته الفكرية ونسيجه الاجتماعى وأصابت شعبه باليأس حتى تمنى الكثير منهم أن تأتى قوة خارجية لتنقذهم وتطيح بالدكتاتور.

ومع ذلك لم يصدق معظم العراقيين أن الولايات المتحدة خاضت الحرب لتقاتل نظامهم بدلاً عنهم وتدافع عن حريتهم وليس جريا وراء مصالحها. كان واضحاً للعيان أن النفط العراقى هو الدافع الرئيسى للولايات المتحدة لخوض الحرب، ففى الوقت الذى يحاول فيه المسؤولون بإدارة بوش إقناع المتشككين فى الولايات المتحدة والرأى العام العالمى.

بخلاف ذلك، كشف الصحفى بـ«الواشنطن بوست» بوب وودوارد حصول بوش على مذكرة سرية من مجلس الأمن القومى بعنوان «التخطيط للبنية التحتية للنفط العراقى» قبل الغزو بأقل من شهر. توضح فيليس أن الحصول على النفط ليس هو ما يشغل الولايات المتحدة، فهى بأى حال قللت وارداتها من النفط الشرق أوسطى لصالح النفط الكندى والمكسيكى والفنزويلى وغيرهم.

ما يعنيها هو السيطرة على حقول النفط العراقية الشاسعة وكذلك الحال بالنسبة لإيران والمملكة العربية السعودية. فسيطرتها على حقول النفظ بشكل عام تضمن لها السيطرة على سعره وحصص الإنتاج منه، كما أن سيطرتها على حقول العراق بشكل خاص تضمن لها نفوذا أكبر على أكثر الدول اعتماداً عليه مثل ألمانيا واليابان.

15 قاعدة عسكرية.. وسفارة تشبه دولة

تشير فيليس فى كتابها إلى الكثير من العمليات الاستفزازية التى تبنتها الولايات المتحدة بغرض استغلال موارد العراق الطبيعية وتحقيق استثمارات هائلة على أراضيه وتحويله إلى ثكنات عسكرية للقوات الأمريكية. فبعد عدة شهور من الغزو، خصخصت الولايات المتحدة نحو 200 شركة كانت مملوكة للدولة العراقية لصالح شركات أجنبية.

كما قرر القنصل الأمريكى بول بريمر فى يونيو 2004 فرض 97 قانوناً ولائحة جديدة وصفتها سلطة الاحتلال نفسها بأنها «تعليمات وتوجيهات مقيدة للشعب العراقى». كما شمل النظام الاقتصادى الذى وضعه بريمر سقفا ضريبياً يصل إلى 15%، مع ضمان حق سماح يصل إلى 100% للملكية الأجنبية لجميع الكيانات العراقية بما فيها من بنوك ومناجم ومصانع، كما يسمح لهذه الشركات الأجنبية بنقل 100% من أرباحها خارج العراق.

وأنشأت الولايات المتحدة شبكة من القواعد العسكرية فى جميع أنحاء العراق يمكن استخدامها فى أى وقت لحماية مصالحها المتمثلة فى حقول النفط وخطوط الأنابيب العراقية إضافة إلى خدمة أى تدخلات عسكرية أمريكية مستقبلية فى الشرق الأوسط. وشيدت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 15 قاعدة عسكرية منها 5 قواعد كبيرة قادرة على استيعاب آلاف الجنود، 4 منها تعتبر نسخة مشابهة للمدن الأمريكية الصغيرة، تتوافر فيها المجمعات السكنية ومحال التسوق وأماكن الترفيه والاستجمام، علما بأن أحدث هذه القواعد شيد على أقل من 5 أميال من الحدود الإيرانية.

ولم تكتف الولايات المتحدة بهذا، بل تشيد حاليا أكبر سفارة فى العالم تستوعب ما يقرب من 5 آلاف موظف وتقع بالمنطقة الخضراء فى بغداد التى تسيطر عليها. ترى فيليس أنه يجب ألا ينظر إليها على أنها سفارة بل قاعدة عسكرية دائمة فقد روعى فى تصميمها أن تلبى احتياجاتها ذاتياً، لديها مبان سكنية ومكاتب وقدرة على توليد الكهرباء وتنقية المياه وتوفير الغذاء والسلع التجارية وخلافه.

صناعة الفتنة بين الشيعة والسنة والأكراد

ترى فيليس أن أخطر ما هدفت إليه الولايات المتحدة منذ بداية الحرب هو العمل على تقويض الهوية الوطنية وترسيخ الانقسامات الطائفية فى العراق وتوزيع السلطة بمجلس الحكم العراقى الذى أنشأته على أساس نسبة كل مجموعة طائفية من إجمالى مجموع السكان. كما أشعلت المنافسة على السلطة ليس فقط بين الأحزاب التى تتبنى مذاهب مختلفة ولكن بين الأحزاب التى تتبنى المذهب نفسه.

وتشير فيليس إلى مشكلة أخرى خطيرة وهى طريقة معالجة الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأمريكيين للوضع فى العراق وفرط استخدامهم صيغة الضمير «نحن» الذى يعكس تلك الافتراضات الاستعمارية التى ترى أن لديها «الحق» فى فرض إرادتها على العراق وشعبه ومثال ذلك الجدل القائم حول ما إذا كان عليهم تقسيم العراق إلى 3 أجزاء (سنية وشيعية وكردية) أم لا.

ما تغافلت عنه الولايات المتحدة هو أن هذه الجماعات الثلاث امتزجت فى نسيج وطنى واحد وحملت هوية واحدة وتزوجت من بعضها البعض وعاشت فى انسجام وفى ظروف لم تخل من التوتر والتمييز بين المجموعات الثلاث، إلا أنه لم يسبق أن شهدت عنفاً طائفياً فى ظل نظام عرف بعلمانيته وبغضه الشديد لأى اتجاهات إسلامية متطرفة.

كما عرف هذا النظام بتمييزه للأقلية السنية (15-20%) على باقى الجماعات وذلك بتمكين النخبة منهم من السيطرة على الثروة والسلطة وحصولهم على نصيب الأسد من الوظائف العسكرية والحكومية والمناصب العليا فى الحزب الحاكم. إلا أن أمجاد السنة فى السلطة والثراء ذهبت أدراج الرياح مع غزو الولايات المتحدة للعراق وخاصة بعد حلها .

مذابح جنين.. دروس إسرائيلية متعمدة قبل غزو العراق

لم يكن مستغربا أن تكون إسرائيل هى الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط وواحدة من عدد قليل من دول العالم التى أيدت رغبة الولايات المتحدة فى غزو العراق. ولم لا، فالغزو والإطاحة بأى بلد عربى دائما يقابل بترحاب من إسرائيل واللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة آملين أن تعقب الغزو حرب ضد إيران.

تشرح فيليس كيف تحولت إسرائيل فى نظر الولايات المتحدة إلى «نموذج» لكيفية غزو واحتلال دولة عربية وبالتالى اتسع التعاون العسكرى بينهما فى هذه الفترة. هنا رأت إسرائيل أن الدروس النظرية وحدها لا تكفى ولابد من أن تعقبها دروس على أرض الواقع، ففى أبريل 2002، أعادت إسرائيل غزو واحتلال مدن بالضفة الغربية وقطاع غزة وانتهكت مخيم جنين لللاجئين فى شمال الضفة الغربية فى واحدة من العمليات التى اتسمت بالوحشية استخدمت فيها الدبابات والطائرات الهليكوبتر والجرافات المدرعة.

وبدلا من التنديد بالانتهاكات، استخدمت الولايات المتحدة غزو جنين نموذجاً لحرب المدن المنتظر فى العراق وعليه التقى مسؤولون من البنتاجون مع ضباط إسرائيلين لمعرفة أساليبهم التكتيكية.

 صحيح أن الجيش الأمريكى لديه خبرات كثيرة فى غزو واحتلال البلدان الأخرى ولكن تلزمه خبرة إسرائيل الطويلة فى احتلال دولة عربية لمعرفتها بالتعامل مع السكان العرب وبوسائل استغلالهم ثقافيا ودينياً.

وبالتالى نجد أن أساليب الولايات المتحدة فى العراق فى الآونة الأخيرة تحاكى بشكل كبير تلك التى تستخدمها إسرائيل فى الضفة الغربية وقطاع غزة مثل إقامة نقاط التفتيش وإبقاء الميليشيات فى موقف دفاع مع المداهمات والاعتقالات المتكررة وتطويق القرى وتوزيع تصاريح السفر.

لم يكن النموذج الإسرائيلى المتبع فى النواحى القتالية فقط، فسياسة الاستجواب وطبيعة السجون الإسرائيلية كانت نموذجا للانتهاكات الأمريكية الممارسة فى أبوغريب وجوانتانامو وفى سجون أمريكية أخرى خلال الحرب على العراق.

تشير فيليس إلى الوحدة الإسرائيلية 1391 وهى عبارة عن سجن سرى حيث انعدام الإجراءات القانونية واختفاء نزلائه، وتصفه الناشطة الإسرائيلية فى مجال حقوق الإنسان منال حزان بأنه «موجود حتى يجعل التعذيب ممكنا».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية