بعض المرافقين للرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» يرددون فى أوساطهم الموقف الذى وضع رئيسهم نفسه فيه عندما قال فى بداية اجتماعه مع الفريق السيسى إن وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، يهديكم التحية وقد طلب منى إيصال هذه التحية لكم. يضيف أحد المرافقين لأبومازن أن رد فعل السيسى لم يزد عن ابتسامة مجاملة، ويضيف المرافق متعجباً «ألا يعلم الرئيس أن كيرى كان قبل أيام فى القاهرة واجتمع مع القيادة المصرية بمن فيهم الفريق؟ هل يظن أنه يطرح نفسه كوسيط بين الطرفين فى محاولة منه لإيجاد دور ما مع المصريين؟» أظن أن عباس فى هذه المرحلة لم يدرك حقيقة أن الأوضاع فى مصر تغيرت وأن إدارة العملية السياسية والاستراتيجية الخاصة بمصر ووضعها فى المنطقة باتت تحكمها حسابات مختلفة عما يظن أبومازن. وقد تكون إحالة الملف الفلسطينى فى هذه المرحلة إلى وزارة الخارجية المصرية إحدى هذه الدلالات التى يرفض أن يقرأها عباس. تقارير صحفية فلسطينية من عمان قالت إن أجندة اللقاء المصرى- الفلسطينى حددها مدير المخابرات المصرية بعناية فى لقاء تمهيدى رسم أجندة قمة عباس- السيسى، حيث كان مكتب الأخير على اتصال تشاورى مكثف مع شخصيات فلسطينية أخرى
قبل لقاء عباس- السيسى قيل للرئيس الفلسطينى بوضوح إن ملف «المصالحة» بين حركتى فتح وحماس لن يطرح على طاولة السيسى، لأن حركة حماس متهمة بإثارة قلاقل ودعم وتمويل إرهاب فى أرض مصرية، والظروف لا تسمح بنقاشات لها علاقة بالمصالحة بين الحركتين، لأن السلطات المصرية بصدد تحويل كوادر فى حماس للقضاء والكشف عن التفاصيل.
قيل لعباس أيضا إن أولوية السيسى الآن- إذا رغبت السلطة- هى للمصالحة داخل حركة فتح واقترح مدير المخابرات المصرى على عباس التركيز على أن حركة فتح ينبغى أن تتجه مستقبلا للمصالحة مع حماس وهى موحدة من الداخل وليست فى ظل وضع الانقسام الحالى.
ذكرت فى مقال سابق أن على القيادة الفلسطينية أن تدرك الأولويات الجديدة لمصر، ويجب أن تتوافق مع هذه الأولويات التى سوف تصب فى النهاية فى الصالح الفلسطينى، حسابات اللعبة القديمة تغيرت، أو بدأت، لم يعد حشر الحديث عن القضية الفلسطينية فى أى بيان سياسى دون ترجمة حقيقية له هو توجه المرحلة، التوجهات الجديدة باختصار هى الأمن القومى بمفهومه العربى العام وفى المركز منه الأمن القومى المصرى. فى هذا الإطار كان رأيى لأبومازن أن يركز فى زيارته هذه، التى ألح عليها وعلى أن تتضمن بالأساس اللقاء مع الفريق السيسى، على التأكيد أنه أصبح لديه تفهم لهذه المتغيرات وأن سلوكا سياسيا مختلفا متوقعا من القيادة الفلسطينية فى هذه المرحلة يتفهم جديد المرحلة، وأول ملامح هذا التغير هز إدراك أبومازن لأهمية المصالحة الفتحاوية ومواجهة خطر حماس الذى بات واضحا، سواء على الأمن القومى المصرى أو مستقبل الوضع الفلسطينى برمته بعد أن كشفت بوضوح عن حقيقة توجهاتها. بدلا من ذلك فاجأنا الرئيس الفلسطينى بالتلميح إلى قدرته على الوساطة مع أمريكا، وهو أمر مشكوك فيه كثيرا، أو إعطاء الانطباع أنه مفجر ثورة يونيو فى مصر.
أمر آخر كنت أتمنى أن يرد عليه الرئيس أبومازن وهو يتعلق بالخطاب الذى تسرب قبيل زيارته الأخيرة، وكان موجها بشكل شخصى منه إلى محمد مرسى، تاريخ هذا الخطاب يحمل السادس من يونيو، أى فى الوقت الذى كان المصريون فيه يستعدون للانفجار فى وجه الإخوان ورجلهم فى الاتحادية، بعد أن يهنئ مرسى تهنئة الرئيس لزميله بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج يقول فى الفقرة الثانية من الخطاب موجها حديثه إلى زميله وقتها فى المنصب «كما ولا يفوتنى أن أغتنم فرصة الكتابة لكم لأعبر عن تجديد شجبنا ورفضنا القاطع لتدخلات البعض من أصحاب الأجندات المشبوهة فى الشأن المصرى الداخلى، وتجسيدا منا لهذا الموقف الراسخ، وفى إطار التنسيق المشترك للقيادتين فى بلدينا، لا يسعنى إلا أن أجدد طلبنا بضرورة تحديد الجهة التى ترونها للتواصل مع مدير المخابرات الفلسطينية لمتابعة جميع القضايا الحساسة التى تناولناها فى اجتماعنا الأخير، وخصوصا متابعة ما يتعلق بوصول أموال الدعم المشبوهة لأطراف فى المعارضة المصرية والتى يرسلها بعض الفلسطينيين الخاطفين لإلحاق الأذى بالعلاقة الأخوية بين شعبينا».
خرج علينا أبومازن فى لقاء تليفزيونى مطول قدموه لنا فيه على أنه من وقف إلى جانب إرادة المصريين وتحدث عن جولاته التى كان يؤكد فيها تأييده لثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو، حتى بدا وكأنه رسول الثورة، أو كما قلت من قبل مفجر الثورة. كنت أتمنى لو أنه كان أكثر إدراكا للتغيرات التى وقعت فى مصر والمنطقة، وبالتالى تكون توجهاته متوافقة مع هذه التغيرات، وكنت أتمنى أن يواجه المصريين وينفى أن يكون مثل هذا الخطاب قد صدر عنه أو عن مكتبه، أو يعتذر لهم عنه ويعدهم بأن يصلح ما فسد داخل بيته ومع من ظلوا أصدقاءه دون تآمر.