x

عبدالصبور شاهين: إصلاح ما أفسده الحكام يتطلب جهداً مخلصاً.. والأنانية وراء تمسكهم بكراسيهم

السبت 04-09-2010 21:07 | كتب: اخبار |

يُطل عبدالصبور شاهين من نافذة عقده الثامن على الحياة. يتذكر الماضى بابتسامة، ويتابع الأحداث بترقب، ويبدى رأيه بحماس لم يطفئ جذوته طول الاشتعال.

ألف وترجم أكثر من 70 كتاباً «أنا من المجاهرين والمجاهدين فى الحق». لم تكرمه الدولة فزهد فى جوائزها، واستبدلها بإقبال الناس عليه «هذا هو التكريم الحقيقى لى». يحترم خصومه ولا يغير مواقفه «أسأل الله أن يغفر لنصر أبوزيد.. أفضى إلى الله وليس علينا حسابه». وإجاباته غالباً غير متوقعة «أؤيد البابا شنودة فى حقه بتطبيق أحكام شريعته».

مع هذا الرجل كان لنا هذا الحوار..

■ تجاوزت مؤلفاتك الـ70 كتاباً لماذا -برأيك - لم تكرمك الدولة حتى الآن؟

ـ هذا الموضوع لا يشغل بالى، فبالرغم من مؤلفاتى الكثيرة، وتفرغى للعلم والدين ونضالى فى سبيلهما طيلة خمسة وثلاثين عاماً، فأنا أفخر والحمد لله أنى كنت ولا أزال من المجاهرين والمجاهدين فى الحق، ومثلى لا يكرم ولا تطرق الجوائز بابه لأن باب التكريم معروف وله ثمن رفضت أن أدفعه ففارقتنى الجوائز إلى غيرى ممن قبلوا دفع ثمن جوائزهم خنوعا وموالاة للحكام، أو لمن يتولون توزيع هذه الجوائز الدنيوية والتكريمات.

■ كيف تلقيت خبر منعك من الخطبة فى جامع «عمرو بن العاص»؟

ـ الحقيقة اعتبرت ذلك فرصة للحصول على بعض الراحة والتفرغ الكامل للتأليف، وقد أقمت مسجدا صغيرا بجوار مسكنى أخطب فيه الجمعة، ويأتى الناس من أماكن بعيدة للاستماع لخطبى، وأنا أعتبر أن هذا هو التكريم الحقيقى لى، فالناس يسعون للمجىء رغم بعد المسافة عليهم لمجرد أن خطيب الجامع هو «عبدالصبور شاهين».

■ ما رأيك فى موقف «البابا شنودة» من قضية الزواج الثانى للأقباط؟

ـ أنا أتفق مع موقف البابا شنودة الرافض لأى أحكام قضائية مخالفة للإنجيل، وأقول لكل من يدعى أن هذه دعوة لفصل وحدة المصريين: العكس هو الصحيح فالدولة التى تحترم رعاياها بغض النظر عن ديانتهم، هى الدولة التى تجبر أبناء وطنها على الالتحام معا فى بوتقة واحدة، وليس فى إجبارهم على تطبيق ما يخالف شريعتهم سواء أحكام قضائية صادرة عن المحكمة الدستورية أم غيرها.

والبابا بالنسبة لإخواننا المسيحيين كالدكتور على جمعة أو الدكتور أحمد الطيب بالنسبة للمسلمين، هو من بيده إقرار ما يجوز وما لا يجوز للأقباط وليس لغيره هذا الحق، ومن يشعر أنه ظلم فهذا عائد إليه فهو شخص مسيحى ولد مسيحيا وعاش مسيحيا لم يرغمه أحد على اتباع الديانة المسيحية، وكلنا مسلمين وأقباطا نعرف أن الزواج عند «النصارى» لا تنفصم عراه إلا لعلة الزنى، صحيح نحن دولة أغلب سكانها يدينون بالإسلام لكن القانون عندنا قانون وضعى مدنى وليس قانوناً إسلامياً ولا مسيحياً.

ولذلك أنا أؤيد البابا شنودة فى حقه بتطبيق أحكام شريعته التى جاء بها الإنجيل على من يدينون بها، ومن يغير دينه كى يتزوج فهو حر ليس علينا ولا من واجبنا محاسبته فالحساب يوم الحساب، ولن يفيد الإسلام شيئا دخول بعض الهاربين من ملتهم فيه بغرض الزواج.

■ «التغيير» هو حديث الشارع المصرى فى الفترة الأخيرة.. كيف يبدأ التغيير من وجهة نظرك؟

ـ علينا أولا قبل الحديث عن التغيير أن نحدد ماذا سنغير، وفى رأيى يجب أن يبدأ التغيير من قاع المجتمع إلى أعلاه، ويجب أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا، وتغيير الحاضر صعب جدا بل يكاد يكون مستحيلا فى ظل ما نعايشه من منظومة الفساد الضاربة فى كل شرائح مجتمعنا من أعلاه وحتى أدناه. والأمل فى التغيير يبدأ بالتفكير فى تغيير ما شهدناه من كوارث أخلاقية وسياسية واقتصادية ودينية واجتماعية، من خلال أطفالنا أمل المستقبل الواعد، ويجب أن ينتهى عصر الفساد هذا ببناء تصور لما نريد أن تكون عليه حال أبنائنا بعد خمسين سنة أخرى، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن فستلقى مصر مصيرا مؤسفا، أما إذا بدأنا فى العمل الجاد، والعمل على منظومة التغيير من خلال تنقية عقول أبنائنا مما ترسخ فى عقولنا، وتعليمهم تعليما هادفا بناء يهدف إلى بناء أمة لا إلى خرابها على أسس سليمة من التقوى كما قال عز وجل.

■ وهل يشغلك «التغيير» أنت أيضا؟ أم هناك قضايا أخرى على أولوياتك؟

ـ القضية الأولى، والأهم، التى تشغل بالى هى قضية توحيد الأمة العربية، فوحدتها مصدر قوتها، والمستفيد الوحيد من تفرق الأمة وضعفها وتشرذمها هم اليهود الذين يطمعون فى تحقيق أطماعهم. أما القضية الثانية التى تؤرقنى فهى المشكلة الأزلية قضية فلسطين، وسرقة إسرائيل أراضيها وابتلاعها جزءا جزءا ونحن واقفون مكتوفى الأيدى، عاجزين حتى عن أن نفكر ماذا نحن فاعلون. إذا حللنا قضية فلسطين سنحل معها كل المشاكل والأزمات والقضايا العالقة، لأن المستفيد الأوحد من تفرق الأمة وضعفها وتشرذمها هم اليهود الذين يطمعون فى تحقيق هدفهم القومى الذى ينادون به ونحن عنه غافلون ألا وهو «إسرائيل من النيل إلى الفرات» وهو شعار مكتوب على باب الكنيست.

■ وما رأيك فى موقف الحكام العرب من القضية الفلسطينية؟

ـ هناك أزمة فى الضمير العربى، وخاصة لدى الحكام فقد ماتت النخوة العربية وماتت معها أشياء كثيرة. وأنا أقول للحكام العرب:ارجعوا إلى أنفسكم وحاسبوها قبل أن تقفوا أمام يدى الله لتحاسبوا على تفريطكم فى حق بلادكم وشعوبكم. وأنا أظن أن التفكير فى إصلاح التفكير، والوعى لدى شبابنا، يتطلب منا جهدا مخلصا لتصحيح ما خربه حكامنا العرب، وربما يؤدى هذا التصحيح إلى ضياع جيل أو جيلين ولكن يجب البدء فى الإصلاح.

■ ما رأيك فى الحل الذى طرحته الصحفية الأمريكية «هيلين توماس» للقضية الفلسطينية بعودة اليهود إلى أوطانهم الأصلية؟

ـ لقد وضعت هذه الكاتبة الشجاعة يدها على مربط الفرس رغم ما أدت إليه صراحتها من هجوم أعوان وذيول اليهود فى كل مكان عليها، ولو طُبق ما تدعو إليه هذه الصحفية الفاضلة لانتهت المشكلة، ولكن القضية أكبر من ذلك بكثير فقد اتفق الأمريكان وأهل الغرب عامة على التخلص من مشاكل اليهود فى بلادهم، وما يثيرونه دائما من فتن وقلاقل طائفية أينما حلوا أو أقاموا، فكان الحل بالنسبة لهم أن يصدروا اليهود لنا. ولو تمعن عاقل فى الأمر برمته لوجد أن هؤلاء هم الكارهون لليهود، فهم يمقتون بل تقتلهم فكرة عودة اليهود إلى أوطانهم الأصلية بعد شحنهم على سفن المرة تلو المرة للتخلص منهم ومن شرورهم التى لا تنتهى.وأقول لمن يشككون فى مصداقية ذلك اقرأوا التاريخ، وسترون كيف تعامل المسلمون مع اليهود، وكيف تعامل النصارى فى الغرب معهم. هم يتهموننا بأننا أعداء السامية، والحقيقة الواضحة بجلاء أن أمريكا والغرب هم أعداء السامية الحقيقيون، فهم يكنون فى صدورهم العداوة لليهود.

■ يقول تعالى فى كتابه الكريم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم: « كنتم خير أمة أخرجت للناس» أين «الخيرية» التى ذكرها الله عز وجل فيما يحدث فى عالمنا العربى؟

ـ الخيرية التى ذكرها عز وجل لا تزال موجودة، فقد قدرها الله تعالى وحكم بها لأمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهى الآن كامنة ولن تتحقق إلا باستيقاظ الأمة من السبات العميق الذى تغط فيه منذ عشرات السنين، لتعود كما بدأت عهدها فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قولا وفعلا، وأن نتخلص من أنانيتنا المفرطة حكاما وأفرادا، فالأنانية هى سبب تمسك الحكام بكراسيهم ومناصبهم، فيفعلون كل ما يضمن بقاءهم فى مراكزهم دون النظر إلى مصالح شعوبهم. عندما نتخلص من الأنانية ستختفى كل هذه السلبيات من حياة أمتنا العربية، من انتشار الفساد والرشوة وكثرة الجرائم والسلب والنهب، إلى ما لا حصر له من المصائب وسنعود حينها كما قال عز وجل: كنتم خير أمة.

■ ما آخر مؤلفاتك، ولماذا اتجهت إلى الترجمة؟

ـ ساعدنى التحاقى بكلية الحقوق الفرنسية التى كانت موجودة فى شبابى ثم ألغيت، فى إتقان الفرنسية، فقمت بترجمة العديد من الكتب من العربية إلى الفرنسية وبالعكس، مثل كتب ابن مالك المفكر الجزائرى المعروف رحمه الله، وألفت كتاب أبى آدم، وأحدث ضجة عند إصداره وصلت إلى حد تكفيرى والمطالبة بتفريقى عن زوجتى الحبيبة .وآخر إصداراتى كتاب السنة والشيعة أمة واحدة.

■ كيف استقبلت المطالبات بالتفريق بينك وبين زوجتك.. وهل ذكرتك هذه الدعوى بموقفك من الراحل الدكتور نصر حامد أبوزيد؟

ـ بداية أنا أسأل الله أن يغفر لـ«نصر أبوزيد»، لأنه لا تجوز عليه إلا الرحمة، فهو فقد أفضى إلى الله وليس علينا حسابه، أما كتابى «أبى آدم» فقد أحدث ضجة عند إصداره وصلت إلى حد تكفيرى والمطالبة بتفريقى عن زوجتى الحبيبة، والحمد لله أن هذا لم يحدث.

■ وكيف تعرفت على زوجتك؟

ـ أكرمنى الله عز وجل بالزواج من فتاة صالحة رشحها لى أحد «الإخوة» أثناء اعتقالى، ضمن من اعتقلوا من الإخوان المسلمين، وبعد خروجى من السجن ذهبت إلى بيت أسرتها وتقدمت إليها وتم الزواج، وأنا أعتبر زوجتى هدية السماء لى فهى زوجة صالحة، وشاركتنى فى أعباء الحياة والفكر وتأليف الكتب.

.. وزوجته «إصلاح الرفاعى»: أؤيد «عبدالصبور» فى كل كلمة قالها على «نصر أبوزيد».. ولا مجال للمقارنة بين الأسرتين

■ تعرضت لخطر «التفريق» عن زوجك بسبب دعوى قضائية.. هل ذكرك هذا بقضية الراحل نصر أبوزيد؟

- أنا لا أوافق على وضعى فى بوتقة واحدة أنا وعبدالصبور، مع نصر أبوزيد -رحمه الله- وزوجته، فلا مجال للمقارنة والكل يعرف ذلك فعبدالصبور قضى حياته كلها فى البحث العلمى والدفاع عن الإسلام بشتى الوسائل دون ابتغاء شهرة ولا منصب. وأنا أؤيده فى كل كلمة قالها على الراحل نصر أبوزيد، فالرجل قد طعن فى نصوص قرآنية بل طالب وقف العمل فى بعضها، وأثار زوبعة إعلامية، لايزال صداها يتردد حتى أيامنا هذه.

■ وكيف استقبلت خبر «الدعوى»؟

- قرأ «عبدالصبور» محضر الدعوى المقامة علينا بوجوب تفريقنا وقال «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وأقام دعوى للطعن فى الحكم الصادر بالتفريق، وحكم لنا القضاء والحمدلله برفض الدعوى شكلاً وموضوعاً، أما عن رد فعلى فى هذه القضية فأريد أن أقول لك إننا لسنا طالبى شهرة، ولذلك لم نصعد هذه القضية إعلاميا كما فعل أبوزيد، غفر الله له، بل تعاملنا معها بموضوعية وسرية حتى انكشفت الغمة والحمدلله.

■ كيف التقيت بالدكتور عبدالصبور شاهين؟

- كان أستاذى ولفت نظره أننى الفتاة المحجبة الوحيدة فى المدرج الجامعى فى كلية دار العلوم، بالإضافة إلى أن أحد «الإخوة» من زملائه رشحه لى، وهم يعرفون توجهه الدينى فكان القبول من كلينا والحمدلله، وتم الزواج فى فترة زمنية قياسية.

■ وماذا تقولين لزوجات اليوم والمستقبل؟

- عدن إلى تربية أولادكن بدلا من تركهم فى أيدى من لايشفق ولا يرحم ولا يبتغى إلا جنى المال، أقول لكل الأمهات الغافلات عما يحدث فى دور الحضانة من مآس ومصائب ليس أقدر على تربية الأبناء إلا الأم، وعندما تركت الأمهات بيوتهن وجريا وراء بناء مستقبلهن، انهارت القيم وضاعت الأخلاق وفسد المجتمع، لأن بناء المجتمع السليم يبدأ من البناء السليم للأسر، ولو أن كل أم ضحت ببضع سنين من عمرها من أجل بناء أسرتها أولا ثم تفكر بعدها ببناء مستقبلها لن يضيرها الأمر فى شىء، والمستفيد هم فلذات أكبادنا.

■ وهل عملت بعد الزواج أم تفرغت لتربية أولادك؟

- الحقيقة أننى لم أعمل فى الفترة التى كان فيها أبنائى صغاراً، فأنا أرى أن بناء الأسرة أهم من بناء المرأة لنفسها مستقبلا عمليا على حساب بيتها وأولادها، وبناء المرأة لمستقبلها العملى يمكن له أن يتأخر قليلا، ولكن بناء الأسر لا يمكنه بأى حال من الأحوال أن يتأخر أما بعد أن بدأ أبنائى فى الاعتماد على أنفسهم عملت فى التدريس فترة وحققت نجاحا والحمدلله، ووصلت إلى منصب رفيع آنذاك.

■ ومتى اتجهت للتأليف وكيف اكتشفت هذه الموهبة؟

- عندما أنجبت ابنتى الصغرى، ووصلت إلى مشارف الأربعين، رأيت أنه آن الآوان كى أقوم بعمل لنفسى، وساعدنى حبى للتاريخ فى مشاركة زوجى فى تأليف الكتب، فأنا أحب التعمق فى دراسة حياة عظمائنا، والاستفادة من دروس التاريخ مهمة لحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا. وحبى لقراءة التاريخ حبب إلى الانخراط فى مجال التأليف بكل جوارحى، فقمت بتأليف ما يقارب من عشرة مؤلفات أغلبها متعلق بالتاريخ وألفنا معا موسوعة أمهات المؤمنين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية