قصته أشبه بفيلم سينمائى ملىء بدراما إنسانية لها أبعاد سياسية، فـ«مصطفى» الشاب المصرى الذى لم يكن له أى آراء سياسية، مكتفيا بسعيه المضنى عن فرصة عمل ودخل ثابت، وجد نفسه مقحما فى أمور سياسية كبيرة عليه، لم يستوعبها لكنه صار جزءا منها. لم يكن مصطفى منشغلا كثيرا بقضية احتلال أمريكا للعراق، ولم يصدق أنه سيكون فى يوم من الأيام ضحية لهذه القضية التى شغلت الرأى العام العالمى ولم تشغله.
الدراما الحقيقية فى حياته بدأت عندما سافر إلى الكويت للعمل هناك، مثلما فعل أصدقاؤه للحصول على دخل أعلى، والشركة التى عمل فيها اشترطت عليه فى العقد عدم خروجه من الكويت تحت أى ظرف من الظروف، وأن عمله سيكون فى حدود دولة الكويت فقط.
لسوء حظ مصطفى عقدت الشركة اتفاقا مع الجيش الأمريكى فى العراق لنقل الغذاء له، ومن هنا بدأت رحلات مصطفى إلى العراق: كنت بسوق تريللا من الكويت للعراق رغم إن العقد بتاعى كان ينص على عدم خروجى من الكويت، لكن صاحب الشركة كان بيجبرنى أنا وزمايلى على الخروج وإلا نتعرض لـ«بهدلة» مانقدرش عليها، وافقت غصب عنى وبقيت أسافر للعراق أسلم شحنات للجيش الأمريكى وأنا بقول فى نفسى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». مرت 5 نقلات بسلام على مصطفى، وفى السادسة حدث ما لا يتوقعه: «كل اللى فاكره إنى كنت واقف فى مطار بغداد بعد ما فضيت الحمولة، وبختم ورق من واحدة أمريكية وفجأة لقيت نفسى طاير فى السما ووقعت فى مكان تانى غير اللى كنت فيه.. مادريتش بنفسى غير وانا فى المستشفى».
كان آخر وجه يراه مصطفى قبل الحادث هو وجه الموظفة الأمريكية، وعندما استيقظ فى مستشفى الجيش الأمريكى وجد نفسه حوله مجموعة غريبة من الأشخاص: بفتح عينى لقيت الـ سى إن إن والصحفيين والمراسلين وجنود أمريكان قلتلهم: فيه إيه انا كنت رايح الكويت.
التف الجنود الأمريكان حول مصطفى وكتفوا يديه من الخلف كى لا يرى ما أصابه، لذلك لم يكن يعرف أنه فقد نصف قدمه اليسرى إثر انفجار لغم جرثومى فيه: جرثومى يعنى يأكل فى العضم واللحم والجلد.. لدرجة انى لما رحت مستشفى الكويت كان الدكاترة بيخافوا يقربوا منى إلا بعد تعقيم شديد.
عاش مصطفى معاناة استمرت 4 أشهر أجرى خلالها 17 عملية: عشت أيام ماعتقدش إن فيه إنسان يستحملها.. كنت بتحرك بـ«ونش» علشان مفيش حاجة فى جسمى تقع. خرج مصطفى من مستشفى الكويت إلى مستشفى آخر للتجميل ثم إلى مستشفى للتأهيل النفسى ثم عاد إلى مصر وأجرى عمليتين تكلفتا 100 ألف جنيه.
انتهى مصطفى من رحلة العلاج وبدأ رحلة البحث عن حقه مع السفارة ووزارة الخارجية: اتصلت بيا الوزارة وقالت لى اعمل توكيل لمحامى الجالية ليرفع لك قضية ضد وزيرى الدفاع الأمريكى والبريطانى والشركة الكويتية، وعملت التوكيل لكنى فوجئت بعد ما اتصلت بالمحامى للاطمئنان على مسار القضية يقول لى «أنا رجعتلك التوكيل، أنا اتجننت علشان أرفع قضية على أمريكا وبريطانيا؟».
عاد مصطفى إلى الوزارة التى أبلغته بتغيير المحامى، ولجأ مصطفى إلى منظمات حقوق الإنسان وهو ما جعل السلطات الكويتية تهتم بمشكلته، حتى إن سفارة الكويت منحته تأشيرة دخول لمتابعة قضيته، وهناك اكتشف مصطفى أن محامى الجالية الذى تخلى عن قضيته لم يلغ التوكيل، وبمقتضى أوراق قدمتها الشركة التى كان يعمل فيها للمحكمة، تأكد أن محاميه مضى بالنيابة عنه على تنازل وإقرار بأنه أخذ مستحقاته.
خسر مصطفى قضيته مع الشركة لكنه لم يفقد الأمل فى مقاضاة أمريكا وبريطانيا، فرفع دعوى ضد وزيرى دفاع البلدين وتم إعلامهما بها من خلال السفارتين، لكنهما أرجعتا الدعوى بحجة أنها مكتوبة باللغة العربية، فترجمها مصطفى وأرسلها مرة أخرى لكنها عادت أيضا بحجة أن عنوان وزيرى الدفاع البريطانى والأمريكى غير محددين: وأنا هعرف منين عنوانهم يعنى السفارة مش عارفاه وأنا اللى هعرفه؟ يحلم مصطفى باليوم الذى يحصل فيه على مستحقاته خاصة أنه مريض ويحتاج لأدوية ولا يجد من يساعده.