فى لحظة نادرة لا تتكرر اعترفت ملكة سبأ القديرة بما يفعله الملوك إذا دخلوا قرية «إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ».
كانت ملكة سبأ تعبد الشمس مع قومها، ولكنها كانت ملكة شجاعة، وأعظم الشجاعة المجاهرة بالحق، فقالت قولتها تلك مع أنها ملكة يسرى عليها ما يسرى على الملوك، وكافأها القرآن على شجاعتها، فالتمس لها عذرًا «وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ»، وإنما قال القرآن هذا لأنها ستؤمن بالله عندما تتعرف عليه.
ثمة مفارقة توضح لنا مدى التعقيد الاجتماعى الذى يمكن أن يذهب من النقيض إلى النقيض.
فهنا ملكة تقول «إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ».
وفى اليهود قوم يريدون بجدع الأنف أن يكون لهم ملك.
وكان اليهود يُحكمون بالقضاة.
وفى عهد أفضل هؤلاء القضاة وهو صموئيل أصر اليهود أن يكون لهم ملك.
وفى سفر القضاة عندما ضاق صموئيل بمطلبهم هذا ابتهل إلى الله أن يهديه، أجابه الله «اسمع لكلام الشعب فى جميع ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت، بل إياى رفضوا حتى لا أملك عليهم، ولكن أشهدهم وأخبرهم بوسائل الملك الذى يملك عليهم حتى إذا ما أثقل عليهم لا يلوموا إلا أنفسهم».
فجمعهم صموئيل وقال لهم هذا هو ما سيفعله الملك إذا حكمكم، سيأخذ أبناءكم ليستعبدهم فى أعماله، وليسعون بين يدى عرباته، وسيعين بعضهم قادة ليكونوا ضباطاً فى جيشه، وآخرين ليكدحوا فى حقوله ومزارعه، وآخرين لإعداد عرباته وأسلحته، وسيأخذ بناتكم ليكن وصائف وخادمات وخبازات وطباخات، وسيأخذ أفضل حقولكم وأشجار الزيتون والأعناب، وسيأخذ العشر من الحبوب ليعطيها لأتباعه وسيأخذ أفضل ماشيتكم، وسيثقل كواهلكم بالضرائب وأنتم تكونون عبيدًا له.
فأبى الشعب أن يسمع لهذا التحذير، وقالوا بإلحاح كلا، بل يملك علينا ملك كسائر الأمم، يقضى بيننا، ويخرج أمامنا، ويحارب حروبنا.
فلما رأى إصرارهم اختار لهم شاول ملكاً.