x

«عم محمد»: ربنا أخد منى البصر.. بس باشوف بإيدى

الخميس 02-09-2010 23:57 | كتب: غادة شريف |

أمام كشك صغير فى «عين الصيرة» يجلس كعادته على كرسيه، موجها عينيه لأسفل كأنه ينظر إلى الأرض، لكنها نظرة دائمة لا تتغير، إذ لا يرفع رأسه إلا عندما يأتيه زبون. عم محمد محمود رمضان، الذى جاوز عمره الأربعة والستين، لايزال يثير دهشة كل المارة رغم السنوات الطويلة التى قضاها فى المنطقة، فرغم أنه كفيف فإنه يقف فى الكشك بمفرده، يأخذ من الزبون الفلوس ويعطيه ما يريد من بضاعة وأحياناً يعطيه الباقى، معتمداً على حاسة اللمس سواء فى العملات الورقية أو المعدنية.

ربما يستوعب زبائن عم محمد كيفية تفرقته بين علبة السجائر وباكو البسكويت، لاختلاف حجمهما واعتياده على مكان كل منهما، لكنهم حتى الآن لا يستوعبون كيف يفرق بين ورقتى «العشرة جنيهات» و«الخمسين جنيهاً»، أو بين الجنيه والنصف جنيه المعدنيين، لدرجة أنهم أحياناً يذهبون إليه ويتابعون تحركاته لمعرفة كيف يبيع ويشترى وهو كفيف.

«عم محمد» كان يعمل «استورجى»، ويملك ورشة فى خان الخليلى، لكن إصابته بفقدان البصر حالت بينه وبين الاستمرار فى هذا العمل لينقلب حاله ويغير نشاطه إلى بائع فى كشك: «صرفت كل اللى حيلتى على العلاج دون فائدة، فبعد زواجى بشهر أصبت بضمور فى عصب العين أفقدنى حاسة الإبصار منذ 32 عاماً، وانتهى بى الحال من صاحب صنعة أدهن الموبيليا والصدف وأمتلك ورشة كبيرة فى خان الخليلى إلى بائع فى هذا الكشك».

يبدأ «عم محمد» عمله من التاسعة صباحاً حتى العاشرة مساء، ويتعامل مع كل شىء من خلال حاسة اللمس: «صحيح نور عينى ضاع من سنين بس أنا بتعامل مع كل شىء باستخدام إيدى، أنا عارف مكان المناديل وعلب السجاير وعلب البسكويت والشيكولاتة وتلاجة الحاجة الساقعة عشان كده بقى سهل علىَّ إنى أبيع فى الكشك وأنا ضرير، وكمان ولادى ومراتى بيساعدونى فى معرفة أماكن الأشياء وحفظها».

يتعامل «عم محمد» مع الفلوس بقميص وبنطلون مليئين بالجيوب يميناً ويساراً، إلى جانب حاسة اللمس التى يميز بها العملات المعدنية، فهو يضع فى أحد جيوبه جنيهات فضية وفى الآخر أنصاف جنيهات وفى الثالث جنيهات ورقية والرابع أنصاف جنيهات ورقية وهكذا، لذا فمعظم ملابسه يُفصّلها بجيوب كثيرة حتى تساعده على العمل بسهولة، ولكن كل هذا الحرص لم يمنع «عم محمد» من التعرض للنصب، فأحياناً ينصب عليه زبون ويعطيه نقوداً مزورة أو ورقاً أبيض مقصوصاً فى حجم العملات الورقية، وأحياناً يعطى له زبون 5 جنيهات ويقول له إنها 10 أو يعطيه 10 ويقول له إنها 50 ويأخذ منه الباقى ثم يكتشف فى النهاية أنه نصب عليه.

مشاكل «عم محمد» مع النصابين ربما تكون انتهت عندما عرّفه زبون «ابن حلال» على كيفية التفرقة بين الفلوس المزورة والحقيقية حسب خشونة الورقة وخشونة الكتابة باللمس، فالورقة الخشنة فلوس حقيقية، والناعمة مزورة، كما أنه استطاع أن يفرق بين الـ«5» والـ«10» جنيهات من خلال المقاس: «نفسى الزبون اللى يتعامل معايا يكون أمين بس عامة ولاد الحلال كتير وعملية البيع والشرا بتقف فى الأول والآخر على أمانة الزبون وإنى أعرف الفلوس اللى فى جيبى قد إيه ونوعها إيه».

ما يقلق «عم محمد» هو خوفه على كشكه لأنه مهدد بالإزالة من وقت لآخر: «مش عارف الناس جرالها إيه، حتى حتة الكشك اللى باصرف منه على ولادى عايزين ياخدوه منى بعد السنين دى كلها، وهو اللى فاتح بيتى عشان واحد ساكن ورا الكشك له سلطة كبيرة عنده شقة أرضى عايز يعملها محلات والكشك هيسد عليه، وأنا بصراحة تعبت من الإزعاج ده مع إن البلدية بتتعاطف معايا شوية عشان ظروفى».

«الحمد لله طالما إننا بناكل ونشرب وننام».. بهذه العبارة لخص «عم محمد» رضاه عن حاله، فأهم شىء فى حياته أنه ينام مرتاح البال بلا ديون، وكل ما يتمناه عم محمد هو أن يعمل أولاده الثلاثة وهم من حملة المؤهلات العليا ولم يعملوا حتى الآن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية