فى آيات عديدة يؤكد القرآن أن الرسول بشر، ثم لا يكتفى بهذا حتى يقول «مِثـْـلُـكُمْ»، وبهذا أمر الله الرسول أن يعرف نفسه «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ»، وهى آية جاءت فى سورة الكهف، وتكررت فى سورة فصلت، كما أنه عندما طالبه المشركون بالمعجزات بأن تكون له جنة، أو يأتى بكتاب من الله، فإنه أمر بأن يقول «سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً».
بشرية الرسول أمر مقرر ومؤكد فى الإسلام، والإسلام يريد بهذا أمرين، أولهما: أن ينفى أى قداسة حتى بالنسبة للرسول، لأن الرسول ليس إلا بشرًا اصطفاه الله دون الناس، وهذا وإن كان فضلاً كبيرًا ومنة عظمى، فإنه لا يخرجه من عالم البشر فهو يأكل ويشرب ويقوم وينام ويقرب النساء ويحب الطيبات ويكره الخبائث، وهى كلها أمور تنفى أن يكون للرسول قداسة استثنائية دون الناس، خاصة بعد أن أكد القرآن «مِثـْـلُـكُمْ» التى تنطبق ليس فحسب على شخصية الرسول، بل وأيضًا على ما يصطحب به مما يمكن أن يميزه دون الناس ولا يجعله مثلهم كتخصيص حرس، والعيش فى قصر، ولبس الذهب والفضة.. إلخ، وأداء تحية خاصة به يمكن أن تصل إلى السجود.
وأما الأمر الثانى: فهو أن هذا النبى الكريم «رسول» ميزته وخصيصته التى تملأ حياته، أنه رسول يحمل رسالة الله إلى الناس، ويأمر الناس بالالتزام بها، ويكون هو أول الملتزمين، ولا يكون من حقه أن يغير من هذه الرسالة حرفاً، أو يزيد أو ينقص، لأنه ليس له من الأمر شىء فى هذا، إنما هو مبلغ.. بشير.. نذير..
وهذا درس مهم فى دروس القيادة، وفى الفصل ما بين الذاتى والموضوعى، وإبعاد الذات عن الموضوع والحرص على سلامة الرسالة، والرسالة فى الدين مثل الدستور فى السياسة، وكما أن مهمة الحاكم الأمين هى الحرص على الدستور وتطبيقه والالتزام به، فأحرى أن يكون الأمر كذلك بالنسبة للأنبياء التى تفضل رسالتهم، أى دستور، لأنها جاءت من الله.
ولا يمس هذا أن يكون الرسول متميزًا فى خلائقه، لأن الله تعالى إنما يصطفى الأكثر قربًا إلى الكمال، لهذا أمر القرآن المؤمنين بألا يرفعوا أصواتهم فوق صوته، وألا يخالفوا أمره، فما أرسل الله الرسل ليخالفوا، ولكن ليطاعوا.
وهذه كلها دروس ثمينة فى فن قيادة الجماهير أو بالتعبير الدينى هداية الناس.