مع بداية شهر رمضان من كل عام تبدأ الخيم الرمضانية فى الانتشار، بالإضافة إلى موائد الرحمن وفى الغالب تتركز بجوار المساجد لتبدأ نشاطها فور أذان المغرب إلا أن تزامن الشهر الكريم مع انتخابات مجلس الشعب أضفى لوناً جديداً على الخيم الرمضانية التى تكاد تكون اختفت إلا القليل الذى تطارده الأحياء بدعوى تشويه المظهر العام وبرز دور الشنطة الرمضانية، التى حلت محل مائدة الرحمن تلك العادة التى ورثها المصريون من الدولة الفاطمية.
كان غريباً أن يزداد توزيع شنطة رمضان بداية من النصف الثانى من الشهر الكريم وتحديداً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية فى «الثغر» ما أدى إلى تأكيد الحاصلين عليها أنها تمت لأغراض دعائية لصالح مرشحين فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة، إلا أن أصحابها نفوا وجود صلة بين توزيعها وبين اقتراب الانتخابات. واعتبروها «وسيلة تقرب» من البسطاء والتضامن معهم.
رمضان هذا العام جاء على عكس المعتاد فى وقت اقتربت فيه «المعركة» الانتخابية من أوجها، لذا تبارى المرشحون ومن قبلهم الأحزاب فى التصارع على الحصول على تأييد الناخبين من خلال توزيع شنطة رمضان، وعلى الرغم من نفى المرشحين ورجال الأحزاب علاقة توزيع الشنط الرمضانية بالانتخابات البرلمانية المقبلة معتبرين أن توزيعها لا يتخطى حاجز الشعور بالفقراء فى شهر رمضان والتضامن معهم، إلا أن حملات توزيع الشنط الرمضانية زادت بشكل مكثف هذا العام من قبل بعض رجال الأعمال وعدد من قيادات الأحزاب الذين يقومون بتوزيعها لأول مرة عكس المعتاد فى السنوات الماضية حيت كان إفطار جماعى فى أحد الأندية أو مقر الحزب كافياً للتعبير عن الشهر الكريم.
السباق المحموم من أجل الوصول لكرسى مجلس الشعب، جعل الأحزاب تتبارى للوصول إليه بشتى الطرق، خاصة أنه لم يعد هناك متسع من الوقت، لذا فلم يجدوا أفضل من شهر رمضان فرصة للحصول على أصوات الناخبين والتقرب منهم، وهو الشىء الذى شكك فيه العديد من العلماء مؤكدين «أن من أنفق شيئاً ابتغاء الناس فلن يقبله الله منه»، بحسب وصف علماء دين.
«شنطة هشام طلعت مصطفى» باتت هى الأشهر بين فقراء الثغر والتى اعتاد توزيعها قبل التورط فى قضية مقتل الفنانة سوزان تميم، إلا أن شنطة رمضان التى كانت تصرف للفقراء قبل دخوله السجن لم تنقطع، ورغم أن المئات ممن توافدوا للحصول على الشنطة من البسطاء فقد أكدوا أنه رجل «بر» و«يعرف ربنا»، و«متعود يطلع الشنطة كل سنة» ولم ينسوا الدعاء له بـ«اللهم فك سجنه»، إلا أن عدداً من الحاصلين على الشنطة الرمضانية قالوا «محدش بيرمى فلوسه على الأرض»، مؤكدين أن الأيام الماضية كشفت عن ذلك عندما تقدم طارق طلعت مصطفى، شقيق هشام الأكبر لدخول الانتخابات تحت راياًالحزب الوطنى، متبرعاً، حسب قولهم، بمبلغ مليون جنيه للحصول على هذا التأييد، معتبرين أن المقعد بات محسوماً لصالحه.
وفى المقابل لم يبتعد حزب الوفد عن المشهد الرمضانى الساخن حيث قام الحزب بتوزيع 600 شنطة رمضانية على 600 أسرة داخل مقر الحزب تحتوى على منتجات وسلع غذائية.
وقالت قيادات فى الحزب إنه تم توزيع الشنط على المحتاجين ومحدودى الدخل فى المناطق العشوائية، فى إطار دعم تلك الأسر ومساندتهم طوال شهر رمضان الكريم تحقيقاً لمبدأ «التكافل»، مؤكدين أنه تم توفير الدعم المادى لهذه المواد الغذائية من رجال الأعمال فى الحزب، موضحين أن توزيع الشنطة لا يعدو كونه تكافلاً بين الأغنياء والفقراء وهو تقليد جديد سوف يتم تطبيقه خلال الأعوام المقبلة، فيما نفت قيادات بالحزب ربط توزيع الشنطة الرمضانية بالحصول على أصوات الناخبين، معللين ذلك بأن الحزب حتى الآن لم يختر مرشحيه الذين سيخوضون الانتخابات على مقاعد الثغر بالإضافة إلى أن الحزب لم يقرر بعد خوض الانتخابات من عدمه.
وأكد رشاد عبدالعال، السكرتير العام المساعد للحزب فى الإسكندرية، أن قافلة وفد الخير قامت بتوزيع 600 شنطة رمضانية على من أسماهم بـ«البسطاء» فى المحافظة على سبيل دعمهم نافياً وجود دعاية حزبية فى هذا الشأن.
وأضاف عبد العال: أن نشاط الحزب لا يقتصر على العمل السياسى فقط وإنما يمتد ليشمل «البعد الاجتماعى» فى ظل ما وصفه بـ«الأزمة الاقتصادية» الراهنة التى يمر بها الشعب المصرى والعالم، موضحاً أن هذه الكمية تعتبر مرحلة أولى لدفعات أخرى مقبلة سيقوم الحزب بتوزيعها على أبناء الثغر البسطاء، وأنها غير مرتبطة بشهر رمضان أو الدعاية الانتخابية.
ونفى ما تردد حول اشتراط الحزب، وجود بطاقة انتخابية كشرط للحصول على «شنطة الخير»، مؤكداً أن الحزب اشترط الحصول على صورة البطاقة الشخصية فقط للتأكد من عدم حصول الشخص على أكثر من شنطة تحقيقاً للحيادية وضمان تكافؤ الفرص بين محدودى الدخل، مؤكداً أن الأموال التى تم شراء الشنط بها كانت من حصيلة صندوق الزكاة الذى يقوم عدد من رجال الأعمال المنتمين للحزب وغيرهم بدعمه وكان شرطهم الوحيد عدم ذكر أسمائهم، وفق قوله.
من جانبه لم يترك الحزب الوطنى المجال للأحزاب فى الانفراد بتوزيع «ولائم الخير» حيث دخل المنافسة بقوة بعد قيامه بتوزيع 13 ألف شنطة رمضانية على الجماهير. وأكدت مصادر فى الحزب، طلبت عدم نشر أسمائها، أن عددا من رجال الأعمال وأعضاء المجلس الحاليين قدموا دعماً لشراء الشنط الرمضانية وتوزيعها على محدودى الدخل، وأكدت المصادر أن العديد من أعضاء مجلس الشعب قاموا بالتوسع فى إنشاء المعارض الخيرية الرمضانية والتى تقدم السلع الغذائية بأسعار مخفضة لمحدودى الدخل.
شنطة رمضان لم تكن حكراً على الأحزاب ورجال الأعمال فبخلاف الـ«600 شنطة» الخاصة بحزب الوفد وهبات الحزب الوطنى قامت نقابتا الأطباء والتجاريين فى المحافظة بتوزيع 10 آلاف و200 شنطة رمضانية تحتوى على منتجات وسلع غذائية على المحتاجين ومحدودى الدخل خلال الأيام الماضية تم توزيعها بالمناطق العشوائية فى المحافظة وقالت مصادر، طلبت عدم نشر أسمائها، إن ذلك له علاقة بالله والشهر الكريم وفى نفس الوقت فإن هناك البعض يهدف من ذلك إلى تحقيق دعاية انتخابية مؤكدين أنها خطوة لدعم تلك الأسر ومساندتهم طوال شهر رمضان الكريم فى كل الأحوال.
وقامت نقابة الأطباء بتوزيع ما يزيد على 10 آلاف شنطة رمضانية على محدودى الدخل حيث تم تجميع أسمائهم من خلال الجمعيات الأهلية بعد إعداد تقرير عن كل حالة من أسماء المستحقين للحصول على الشنطة، وإعداد بحث اجتماعى لكل أسرة لتحديد الأولويات والأسر المستحقة للحصول على الشنطة. كما قامت نقابة التجاريين بتوزيع 200 شنطة رمضانية استهدفت بعض أهالى المناطق العشوائية بالمدينة، واحتوت على أهم متطلبات تلك الأسر من المنتجات الغذائية.
أشكال ومحتويات الشنطة تختلف من مكان لآخر بهدف الغرض منها فالشنطة الانتخابية ممتلئة عن أخرها إلا أن بعض دعاة الخير قاموا بإعداد شنطة لاتزيد تكلفتها على 20 جنيهاً وإهدائها للبسطاء وتحوى بعض السلع الأساسية ومستلزمات الشهر الكريم.
وأكد أحمد السيد، مهندس، أنه قام باللجوء إلى فكرة شنطة رمضان حتى لا يتسبب فى إحراج الشخص الذى سيقوم بإعطائه الشنطة مؤكداً أنه يقوم بإعطائها للبسطاء على اعتبار أنها هدية حتى لا يتسبب لهم فى إحراج، مضيفاً أنه قام بتوزيع 20 شنطة حسب مقدرته.
وانتقد قيام رجال الأعمال بما اسماه «استغلال» شهر رمضان لتحقيق ما وصفه بـ«مكاسب خاصة» لمرشحى مجلس الشعب، الذين قال إنهم يتركون الأهالى طوال العام، ويقومون حالياً بـ«استغلال» الشهر فى توزيع الشنطة من أجل الحصول على تأييد المرشحين فى الانتخابات المقبلة مستغلين وجود العديد من القرى والنجوع، التى تحوى آلاف البسطاء.
وأكد محمد إسماعيل، مدرس، أن الشنطة التى ترتبط دائماً بشهر رمضان عادة ما يستغلها التجار فى رفع الأسعار، مستغلين الإقبال الشديد من قبل الأهالى ورجال الأعمال والمرشحين على أصناف بعينها مثل (الزيت، السمن، الأرز، السكر، الشاى، المكرونة، العدس)، ويقومون برفع سعرها لتحقيق مكاسب، بالإضافة إلى استغلال بعض التجار الجشعين للأمر ويقومون بطرح كميات من السلع التالفة فى الأسواق بأسعار مخفضة، الأمر الذى قد يتسبب فى حدوث كوارث صحية فى حياة الفقراء عند تناولهم هذه الأغذية.
شنطة رمضان لم تكن هى الشىء الوحيد المميز للشهر الكريم هذا العام، فبالإضافة إلى الشنطة قامت لجنة التموين بمجلس محلى حى وسط بتنظيم ثلاثة معارض لبيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة قال أعضاء فى المجلس إنها لتخفيف العبء عن كاهل الفقراء فى ظل ارتفاع الأسعار خلال الفترة الماضية.
وقال خالد عبداللطيف، رئيس لجنة التموين فى مجلس محلى وسط: إن اللجنة أقامت ثلاثة معارض لبيع السلع الغذائية والاستهلاكية بسعر الجملة بالتعاون مع شركة المجمعات الاستهلاكية خلال شهر رمضان الحالى، للقضاء على استغلال التجار فى مثل تلك الفترة من كل عام، الذين يقومون برفع الأسعار دون مبرر».
وأشار إلى أن المعارض احتوت على جميع السلع الغذائية الضرورية، التى شهدت إقبالاً شديداً من الأهالى، خاصة الزيت والسكر والشاى والسمن والأرز والمكرونة والعدس والدقيق واللحم والفراخ المجمدة، التى تم بيعها للجمهور بسعر الجملة، مؤكداً أن اختيار أماكن المعارض جاء بناءً على الأماكن التى توجد بها نسبة كبيرة من محدودى الدخل من أهالى منطقة حى وسط، الذى يتسم بوجود نسبة كبيرة من محدودى الدخل.
وأكد «عبداللطيف» أن المعارض ليست لها علاقة بالدعايات الانتخابية، مؤكداً عدم وجود أعضاء من المجلس يرغبون فى الترشيح لانتخابات الشعب المقبلة.
وقال «عبداللطيف»: «حتى وإن كان بعض المرشحين يستغلون الأمر للدعاية الانتخابية، فإن الأمر يصب فى النهاية فى مصلحة المواطن محدود الدخل»، موضحاً أن هذا الأمر لا يمكن التأكد منه لأنها علاقة بين الإنسان وربه، وهو الوحيد الذى سيجازى عليه.
وفى دائرة غربال والعطارين لقيت السوق الخيرية التى أقامها النائب خالد خيرى، عضو مجلس الشعب،إقبالاً شديداً أرجعه محللون إلى الحالة الاقتصادية المتدنية لأهالى المنطقة، بالإضافة إلى الارتفاع الملحوظ الذى طرأ على أسعار جميع السلع خاصة الغذائية منها، التى تشهد إقبالاً خلال شهر رمضان.
وأكد خالد خيرى، عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطنى، أن المعرض الذى لقى إقبالاً شديداً هذا العام بعكس الأعوام الماضية تم تدعيمه من قبل المحافظة، التى قال إنها دعمت المعرض بكميات كبيرة من اللحوم المدعومة وكميات من الخبز البلدى لمنع التكدس أمام المخابز، كما تم الاتفاق مع شركة المجمعات الاستهلاكية لتوفير أجود المواد الغذائية بأسعار منافسة لأسعار المحال الخاصة، مشيراً إلى أن المعرض يقام للعام الرابع على التوالى، وشهد هذا العام إقبالاً من جانب التجار، الذين قاموا بالحصول على «باكيات» لعرض بضائعهم فيها، وهو الأمر الذى جعل إدارة المعرض تطالب التجار بكشف مدون به أسعار المواد الغذائية، التى سيقومون ببيعها فى المعرض ونسبة الخصم على كل سلعة.
ونفى «خيرى» أن يكون للمعرض أى صلة بالدعاية الانتخابية، مؤكداً أنه دأب على إقامته منذ أربعة أعوام، لخدمة محدودى الدخل من أهالى المنطقة، مؤكداً توافد الآلاف من أهالى الحى والأحياء المجاورة للشراء من السوق، نظراً لمنافستها المحال الخاصة، وهو ما دفع اللواء المحافظ عادل لبيب لتدعيمها ببعض المواد الغذائية، التى يٌقبل عليها الأهالى خاصة فى شهر رمضان.