عام مر جفت فيه الدماء على حقائب الأطفال المدفونة بجوار مزلقان المندرة بمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، وتبدل الأتوبيس الذي كان يقلهم بميكروباص صغير بعد أن قبضت يد الإهمال أرواح 52 تلميذا من مجموع 70 تلميذا، ولكن الميكروباص لايزال يعبر مزلقان الموت كل صباح فى انتظار كارثة جديدة. خلال عام توصل المسؤولون إلى أن الجاني هو الخفير، ذلك الرجل الذي دافع عنه الراحلان الفنان أحمد زكي والمخرج عاطف الطيب في فيلم «ضد الحكومة»، مصرّين على تحميل المسؤولية للنظام والحكومة بأكملها، لكن النهاية السعيدة في الفيلم لم تحدث على أرض الواقع، فالوزير ورئيس حكومة الإخوان، وقت الكارثة، فى المنزل غالبا لم يهتما كثيرا بمصير الأطفال أو خفير المزلقان. مرّ عام استبدلت فيه الأمهات أحضان الأبناء بكوابيس يشاهدن فيها وجوههم من بعيد، ومازالت السياسة تعطل تجنيب الأطفال، الذين لم يصبهم الدور في الموت عبثا، مصير زملائهم وحقهم في مدرسة جديدة. مر عام على رحيلهم ولايزال الوضع على ما هو عليه.
الأهالي.. البحث عن «الصبر» و«عوض الله» فى المواليد الجدد
في بهو المنزل الواسع بقرية الحواتكة غرب تتصدر المشهد ثلاث صور لثلاثة إخوة كتبت عليها أسماؤهم: فارس أشرف طلعت، أحمد أشرف طلعت، وأدهم أشرف طلعت، الصور الثلاث توحى بحجم الفاجعة التي عاشتها هذه الأسرة، تفسر الصورة تلك الدموع المتحجرة في عيون الأم التي تصرخ متسائلة «مر عام وماذا حدث، حبسوا الغفير.. وده يبرد نارنا، كل حاجة زي ما هي والمزلقان زي ما هو، والكبار زي ماهم، وولادنا بس هم اللى راحوا ومارجعوش».المزيد
الناجون.. يصارعون صدمة ما بعد الكارثة
ثلاثة شهور قضاها محمود وهذا ليس اسمه الحقيقي، في منزله عقب الحادث، فقد في الأيام الأربعة الأولى منها النطق، وبعد أن تماثل للشفاء من كسر في الساق اليسرى وجروح في الوجه والرأس أخذ يسأل عن صديقه علام، ويتساءل عن سبب تغيبه عن زيارته. في البداية أخبره والده أن علام مصاب ولا يستطيع الحضور وبعد شهرين من الحادث اضطروا لإخباره أن علام مات في الحادث، لم يعلم أن صديقه ورفيق رحلته اليومية من وإلى المعهد وجد نصفه السفلي فقط أما النصف العلوي فقد دمر تماما. ومع ذلك قرر الثأر لصديقه من القطار، كان يحرص كل يوم على الاستيقاظ مبكرًا ويجمع أولاد أعمامه وأطفال الجيران ويقودهم في جمع الحجارة ووضعها على قضبان مزلقان قطار المندرة رغبة منه في انقلاب القطار.المزيد
الكوابيس.. زيارات الراحلين السريّة للأمهات
جميعهن يحضرن نفس اللقاءات، لقاءات سرية للأمهات بأبنائهن لا يعلم عن تفاصيلها أحد. زيارات من العالم الآخر يضمد بها الضحايا جروح الأمهات أو يزيدون من حدتها حسب تفاصيل الزيارة، بعضهم يحمل رسائل وبعضهم يعاتب وبعضهم يبشر ببشارات للصبر، الضحايا اختاروا عالم الأحلام للتواصل مع أسرهم وتخفيف ألم الفراق. هذه الحكايات تكررت بشكل لافت أثناء تجميع شهادات الأهالي عن الحادث بشكل منفصل، لم يسمع أحد الذين كشفوا أحلامهم الليلية الآخر. هم وحدهم قرروا الحكي والتخلص من هذا الشعور الذي يطاردهم ليلاً.المزيد