x

«رمضان 1935»: مظاهرات تجتاح البلاد واعتداءات على طلبة جامعة فؤاد الأول

الأحد 29-08-2010 08:05 | كتب: كريمة حسن |
تصوير : other

لم تكن أيام وليالى رمضان عام 1354 هجرية -1935م عادية، فقد شهد هذا العام أياماً خالدة فى تاريخنا الوطنى مع أحداث انتفاضة الطلاب التى فرضت على الأحزاب السياسية تكوين «الجبهة الوطنية»، ففى مطلع عام 1935 شهدت الساحة السياسية المصرية توترا، خاصة عندما ألفت الوزارة الجديدة دستور 1930 ولم تتخذ قراراً بعودة دستور 1923، وأثناء ذلك ألقى «صمويل هور» وزير الخارجية البريطانى بياناً أعلن فيه أن الحكومة البريطانية نصحت بعدم إعادة دستور 1923 أو دستور 1930، لأنه ثبت عدم صلاحية الأول لمصر، والثانى يتعارض مع رغبات المصريين.

كان هذا التصريح ـ الذى جرح المشاعر الوطنية للمصريين لأنه يعنى أن بريطانيا تتدخل فى أدق شؤون بلادهم ـ نقطة الانطلاق إلى انتفاضة كبرى أعادت إلى الأذهان أحداث ثورة 1919، وكان طلبة الجامعة أصحاب هذه المبادرة فعقدوا اجتماعا داخل حرم الجامعة فى الجيزة وذلك فى ذكرى عيد الجهاد «13 نوفمبر1935 الموافق 16 شعبان 1354 هجرية»، أدانوا فيه موقف بريطانيا ثم خرجوا من الجامعة فى مظاهرة سلمية كبيرة، فتصدى لهم البوليس، طالباً تفريق المظاهرة، وعندما رفضوا أطلق عليهم النار فأصيب طالبان إصابة خطيرة وأصيب عدد آخر منهم بإصابات طفيفة ومع ذلك استمروا يهتفون بحياة مصر والاستقلال، مرددين: (نحن فداؤك يا مصر)، (مصر فوق الجميع)، (فليسقط تصريح هور).

فى اليوم التالى، خرج الطلاب مرة أخرى فى مظاهرة تجاه القاهرة، ولكن البوليس كان قد حشد قواته لمنعهم من الزحف إلى وسط القاهرة، فحاصر نحو 300 طالب من المتظاهرين فوق كوبرى عباس وأطلق عليهم النار فقتل طالب الزراعة محمد عبدالمجيد مرسى، وأصاب طالب الآداب محمد عبدالحكيم الجراحى إصابة بالغة مات على أثرها فى اليوم التالى، وعلى خلفية هذه الأحداث أصدر سعادة أحمد لطفى السيد بك، مدير الجامعة، قراراً بتعطيل الدراسة لمدة أسبوع.

ويوم السبت الموافق 16 نوفمبر، تظاهر طلبة كلية دارالعلوم، وسقط الطالب على طه عفيفى مصابا بكسر فى قاع الجمجمة ونقله زملاؤه إلى المستشفى ليفارق الحياة فى اليوم التالى، بعد ذلك انتشرت المظاهرات الطلابية فى أنحاء القاهرة والمدن الكبرى، فأصدر مدير الجامعة قرارا فى 22 نوفمبر بإغلاق الجامعة أسبوعا للمرة الثانية.

وفى يوم الأربعاء الموافق 27 نوفمبر الموافق الأول من رمضان انعقد مؤتمر الطلبة العام وأعلن قراراته، منها: إقامة حفل تأبين للشهداء، وتنظيم مقاطعة البضائع الإنجليزية، وقد ترجمت القرارات إلى اللغات المختلفة، وتم إرسالها إلى المفوضيات الأجنبية والصحف الإنجليزية. وكتبت جريدة الأهرام فى عدد 28/11/1935 الموافق 2 رمضان 1354هـ عن هذا المؤتمر الذى انعقد فى كلية الطب، وأشارت إلى أنه شهد تجمع ألف طالب من مختلف المعاهد العلمية فى كلية الطب، تدارسوا فيه الأحداث مطالبين بحرية مصر واستقلالها.

وفى اليوم نفسه، تم تنظيم إضراب عام حداداً على الشهداء، أغلقت فيه متاجر القاهرة واحتجت الصحف وعطلت المواصلات ولم تقتصر جهود الطلبة -كما ذكر فى كتاب (جامعة القاهرة– 90 عاماً من العطاء) الذى أعده د. رؤوف عباس وآخرون- على المظاهرات الاحتجاجية، بل كونوا «اللجنة العليا للطلبة» وطافوا على زعماء الأحزاب السياسية ودعوهم لتكوين لجنة وطنية لإنقاذ البلاد والتمسك بدستور 1923.

من المعروف أن الرئيس جمال عبدالناصر قاد فى 13 نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية، واجهتها قوة من البوليس الإنجليزى، فأصيب بجرح فى جبينه وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة «الجهاد» التى تصادف وقوع الحادث إلى جوارها ونشر اسمه فى العدد الذى صدر صباح اليوم التالى بين أسماء الجرحى.

وكتبت «الأهرام» فى الأول من ديسمبر الموافق 5 رمضان 1354هـ عن حالة العاصمة واجتماع الطلبة فى النادى السعدى وكلية الطب وخروج مظاهرة كبيرة من بيت الأمة تهتف بسقوط الاستعمار وتصريح هور وقد كتب المتظاهرون على أرض الشوارع التى مروا بها عبارات كثيرة بالطباشير منها: «الاستقلال مبدؤنا» و«تحيا مصر»، إلى أن حضرت قوة من البوليس فرقت المتظاهرين.

وفى 2 /12 كتبت «الأهرام» عن المظاهرات والاعتداءات على دار دولة محمد محمود باشا، حيث تظاهر بعض الشباب أمام سراى محمد محمود فى شارع الفلكى كما ذكر المؤلف سعيد هارون عاشور فى كتابه (إخبار المصريين فى القرن العشرين) فقذفوها بالحجارة وحطموا نوافذها وأفسدوا حديقتها وتدخل البوليس وقبض على البعض.

وفى 7/12 الموافق 10 رمضان احتفل طلاب جامعة القاهرة بإقامة النصب التذكارى للشهداء، وقام مدير الجامعة أحمد لطفى السيد بك بإزاحة الستار بنفسه، كما شارك عميد كلية العلوم الإنجليزى الطلبة فى شعورهم، وفى 8/12-12 رمضان كتبت «الأهرام» عن استمرار المظاهرات وتحطيم السيارات والمصابيح والقبض على 78 طالباً، وفى هذا اليوم أصدر مجلس الوزراء قرارا بإغلاق الجامعة إلى أجل غير مسمى وذلك لاشتغال طلبتها بالسياسة وأعمال العنف وتركهم الدرس والتحصيل، وكان رد مدير الجامعة على هذا التدخل فى شؤون الجامعة أن اعتكف فى بيته وفكر فى الاستقالة، وفى 9/12 الموافق 13 رمضان أشارت «الأهرام» إلى اجتماع طلبة كلية الطب، حيث كان مقررا عقد مؤتمر عام حضره جميع طلبة الجامعة وغيرهم وقيام البوليس بمحاصرة الكلية وهياج الطلبة على إثر ذلك فقاموا بإحراق مركبات الترام واقتلاع المصابيح والأشجار، وشهد هذا اليوم إضراب طلبة المدارس فى شبرا الثانوية والتوفيقية والأمير فاروق ومدرسة العباسية الصناعية ومدرسة الصناعات الميكانيكية، وجرت بينهم وبين البوليس صدامات، كما خرجت طالبات المدارس الثانوية والعليا وكان البوليس يضربهن بالعصى وهن يصرخن فى البوليس هاتفات بالنداءات الوطنية، وعند ذلك ثارت ثائرة الجماهير فأنزلوا غضبهم على مركبات الترام ومصابيح الشوارع فحطموها، كما امتدت الإضرابات إلى الأقاليم فثار طلاب المدارس الثانوية فى طنطا والمنصورة وبنى سويف والفيوم وغيرها من الأقاليم وكتبت «الأهرام» عن ذلك فى 10/12 الموافق 14 رمضان وتحدثت عن المصادمات بين البوليس والطلبة واستعمال البنادق والعصى فى تفريق المتظاهرين وإحراق الترام والأتوبيس.

وفى 11/12 الموافق 15 رمضان كتبت «الأهرام» عن تأليف الجبهة الوطنية واجتماع زعماء الأحزاب المختلفة واتفاقهم على تحرير كتابين أحدهما إلى جلالة الملك فؤاد يطالبونه بالدستور والآخر إلى المندوب السامى البريطانى يطالبون حكومته ببدء المفاوضات لإتمام عقد معاهدة بين الطرفين، وتحدثت «الأهرام» عن انتشار المظاهرات فى القاهرة وقوات من الجيش تطوف العاصمة وفى منتصف ليل هذا اليوم أبلغ المندوب السامى السير مايلز لامبسون دولة نسيم باشا بأن الحكومة البريطانية لا تعارض إعادة دستور 1923 ولا داعى لتقديم استقالة الوزارة، وأرسل الاتحاد النسائى بقيادة هدى شعراوى رسالة إلى زعماء البلاد يعلن عن سروره باتحاد كلمتهم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية