هذه جملة من ثلاث كلمات، وهى جزء من الآية 83 من سورة البقرة التى أدب الله تعالى بنى إسرائيل بآداب التعامل من بر بالوالدين وإحسان لذوى القربى واليتامى والمساكين.. إلخ، وإنما خصصنا هذه الجملة بالحديث لأنها تمثل لنا إعجاز القرآن وكيف أنه يجمل فى ثلاث كلمات قاعدة عظمى وعامة لكل آداب السلوك فى القول، فهى توجه القول للناس، أى الإنسان صغيرًا أو كبيرًا، رجلاً أو امرأة، أسود أو أبيض، فكلمة الناس هنا مثل كلمة «بنى آدم» تضم الجنس البشرى بأسره، وكيف أبدع القرآن الصياغة فى كلمة «حُسْنًا»، فهذه كلمة من الإعجاز اللغوى القرآنى، أما إعجازها المعنوى فهو لا يحد، لأنها توصى بمبدأ لو اتبع لقامت العلاقات بين الناس على صفاء، حتى لو اختلفت المصالح، فإن التلطف فى الحديث يجعل الإنسان يقبل المعارضة أو يتهيأ للنقاش.
والآية تتفق مع آيات عديدة أوردها القرآن عن المعاملة الحسنة مثل «وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ»، ومثل «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».
وقد يوحى سياق الآية أن تطبيقها أمر سهل، ولكن الواقع خلافاً لذلك، فيتطلب أن يعمد كل ذى سلطان فى اللواذ بالسلطة ومفرداتها من الأمر والنهى، الذى قد يصل إلى السباب والشتام، يبدأ ذلك من الوزير حتى الخفير الذى لا يجد سلطة إلا على امرأته وكأنهم جميعًا يطبقون قول المتنبى:
من أطاق التماس شىء غلابًا واغتصابًا لم يلتمسه سؤالا
فليس هناك السؤال.. ولكن الطلب.
إننا عندما نقول من قلوبنا وبابتسامة «صباح الخير»، فإن هذا يفتح لنا القلوب قبل الأبواب.
فهل هناك من صفقة أفضل من هذا.