الزكاة ثالث أركان الإسلام فى الحديث المعروف، وهى تأتى بعد الشهادتين وبعد الصلاة.
والقرآن يقرن دائماً ما بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلا يقول «يُقِيمُونَ الصَّلاة» إلا ويأتى بعدها «وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ».
فهى من هذه الناحية ذات صفة عقيدية مقدسة، ولكنها من ناحية أخرى لها، بحكم طبيعتها، صفة مجتمعية تربطها بالحياة الدنيا.
وهى الفريضة الوحيدة التى أوجبت حرباً على من أهملها، فالإسلام لا يحارب مسلمين لأنهم لا يقيمون الصلاة ولكنه حارب مسلمين لأنهم رفضوا الزكاة.
ذلك لأن الصلاة مهما كانت قداستها فأمرها إلى الله، وهو يعاقب على إهمالها فى الآخرة، ولكن الزكاة لها صفة «دنيوية» مجتمعية لأنها تمثل التكافل الاقتصادى، وإهمال هذا المرفق يمكن أن يسمح بتحول المجتمع الإسلامى من مجتمع العدل والمساواة إلى مجتمع الظلم والاستغلال، ويمكن أن يوجد فيه ملايين الجياع جنباً إلى جنب مئات من الأثرياء المترفين.
من أجل هذا جاز لأبى بكر أن يحارب الذين رفضوا دفع الزكاة.
لقد تنبه الإسلام منذ ألف وأربعمائة عام إلى «الضمان الاجتماعى» أو التأمينات الاجتماعية التى لم يعرفها المجتمع الأوروبى إلا حديثاً، والصورة التى جاءت بها الزكاة أفضل من صور معظم نظم التأمين الاجتماعى لأنها:
1- حق معلوم ــ وليست مِنـَّـة وإحساناً أو فضلاً من الأغنياء ــ إنها حق فرضه القرآن والسنة وأوجب النظام الاقتصادى للإسلام على المسؤولين جبايتها والإشراف على توزيعها على مستحقيها. ونص الشافعى على أن للفقير أحقية استحقاق المال حتى صار بمنزلة المشترك بين صاحبه وبين الفقير، ويجوز للفقير أن يأخذ مقدار الزكاة إذا ظفر به وكان صاحبه قد امتنع عن أدائه.
2- وعلى هذا الأصل ترتب أصل آخر، هو أنه ليس على مستحقى الزكاة أن يدفعوا شيئاً لاستحقاقها ومعظم التأمينات والمعاشات تشترط أن يدفع المستحق قسطاً أو يخصم من راتبه حتى يستحق التأمين، والنظم التى يعفى فيها المستحقون من دفع أقساط يكون التأمين فيها من الهزال بحيث يستكمل عادة بتأمين إضافى يسهم العامل فيه بدفع أقساط متفاوتة.
3- لما كان مبرر الأحقية فى الزكاة هو الاحتياج فإن الزكاة تكون حقا للمحتاجين دون أن تكون مقصورة على فئات دون فئات، وفى معظم الدول تكون التأمينات الاجتماعية للعاملين بأجر دون الحرفيين أو المهنيين أو صغار التجار والفلاحين الذين يكون عليهم أن يلوذوا بنظم التأمين التجارية وقد شمل استحقاق الزكاة المحتاجين حتى من غير المسلمين فى بعض المذاهب.
4- ينبنى على هذا الأصل أن تكون الزكاة على قدر الحاجة، على حين أن التأمينات الاجتماعية فى العالم بأسره تقدر بمعايير أخرى خلاف قدر الاحتياج مثل مدة الخدمة وقيمة الراتب وقيمة القسط المدفوع..الخ، وهذه كلها لا علاقة لها بحجم الحاجة وهى بصفة عامة تقلل من قيمة التأمين لأشد الفئات احتياجا.
إن الزكاة تضع حداً معقولاً للإعفاء، فلا يدخل فى نصاب الزكاة دار السكن والثياب الخاصة والقوت المدخر لطعام العامل وآلة العمـل التى يحتاجها المكتسب بيــده ودابة الركوب، وأن يتوفر بعد هذا كله فائض كاف.
وكل من يدرس المجتمع الحديث يجد أن ضحالة العدالة الاجتماعية من أكبر الأسباب التى كدرت صفو سمائه، وأحالت سلامه الاجتماعى إلى حرب طبقية، وأن ظهور النقابات وجهودها البطولية لم تنجح فى تحقيق «الندية» بين الطرفين، ولو كان لدى هذه الدول معرفة بالزكاة لأسهمت هذه المعرفة فى استكمال نظم التأمين الاجتماعى والضمان الاجتماعى، ولكنها من ناحية أخرى لن تستطيع أن تجعلها فريضة فى دين.
والسؤال هو: أين الزكاة الآن؟!