x

إلهامات قرآنية .. أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ

السبت 21-08-2010 00:11 | كتب: جمال البنا |

عندما يجعل المجتمع «وازع الربح» هو الهدف الأسمى كما هو الحال فى المجتمعات الرأسمالية، فليس من الغريب أن تكون القوة الدافعة له هى «التكاثر»، فمن ليس لديه مليون يتوق ويكافح ليصل إلى المليون، وعندما يصل إلى المليون يجد أن سبيل التكاثر للوصول إلى المليون الثانى أسهل بكثير مما بذله فى سبيل المليون الأول وعندئذ لا يتردد، وتستمر عملية التكاثر «حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ»، وعندئذ فحسب تقف المطامع ويعود الإنسان كما بدأ لا يطلب إلا حفرة ضيقة هى القبر، وقد يوضع فى تابوت ويغلق بالمسامير، لا تفيده الملايين فى شىء.

وعندما مات أحد الأثرياء، قال رجل لعمر بن الخطاب: إنه ترك ثلاثين ألفاً، فقال عمر: «ولكنها لا تتركه».

فما حسبه انتصاراً وإنجازاً سيصبح امتحاناً وبلاءً، وسيحاسب عليه « ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ».

وقد قال بعض المفسرين عن هذا النعيم الذى سيحاسب عليه «الماء البارد»، فلم يكن فى خاطر الأعرابى فى صحراء قاحلة وفى حر يصهر الجلود أشهى من كوب من «الماء البارد».

ولكن أين يذهب هذا التفسير من عالم التكاثر الرهيب، عالم الكفاح فى منافسة لا تقل عن المصارعة القاتلة.

أين عالم السيارات الفارهة والفيلات الأنيقة المترفة؟

أين هى من اليخوت والطائرات الخاصة؟ ومن المنتجعات فى مختلف دول العالم؟

كان الرأسمالى الأمريكى روكفلر فى صناعة البترول مثل أتيلا وجنكيزخان فى التتار، لقد دمر بلا رحمة كل شركات البترول المنافسة بطرق شريفة وغير شريفة ليكوِّن شركته «ستاندرد أول» التى أصبحت الشركة «القياسية» فى صناعة البترول، وأعيا الحكومة حتى سنت قانوناً يحرم الاحتكارات، ولكنه تهرب منه.

وفى أخريات حياته نصحه مستشاروه بأن يعمل لتحسين صورته فى الرأى العام، فالتقطت صور له مع أطفال أو فى أحياء فقيرة.. إلخ، كما أنه تنبه ــ قبل أن يزور المقابر ــ إلى إقامة مؤسسة خيرية كبرى خصص لها الملايين.

كأنما استفاد روكفلر من الآية، وانتفع من التحذير فيها بإقامة مؤسسته الخيرية.

ونحن نسمع حالياً أن أكبر «مليونيرات» أمريكا يتبرعون بنصف ملياراتهم، وربما أكثر لمشروعات خيرية خالصة.

ترى هل وصلت سورة التكاثر إلى ما وراء البحار حتى طرقت مسامع أصحاب البلايين، ولم تسمع العرب الذين أنزلت لهم وفيهم.

وقد أثار بعض الكتاب ملاحظات حول تعبير «زُرْتُمْ» بصيغة الماضى واللبس الذى قد يؤدى لمعنى زيارة القبور وليس الدفن فيها، ونسى أن القرآن الكريم فى تخيره للألفاظ فإنه يلحظ بجانب المعنى المألوف الوزن الموسيقى للكلمة ودرجة تآلفها مع ما سبقها ولحقها، ويعطى ذلك أولوية لأنه هو الذى يؤثر فى النفوس ويحقق الهداية ومن أجل هذا استخدم «زُرْتُمْ»، وجاء التركيز فى المعنى على «الْمَقَابِرَ»، لأن القرآن حاكم فى اللغة، كما هو حاكم فى العقيدة، وله تعامله الخاص معها الذى قد لا يفهمه النحويون الجفاة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية