تتعدد ألوان التركة الثقيلة التى خلفتها عقود طويلة من الرضوخ لاستعمار القوى الكبرى فى منتصف القرن الماضى. وإذا كانت مطالب ليبيا والجزائر وتونس تتلخص فى تقديم اعتذار علنى ودفع تعويضات عما اقترفه الاحتلال بحق أبنائها من مذابح وتشريد وطمس للهوية، فإن لمصر مطلباً عملياً لإزالة أكثر من 17.5 مليون لغم خلفتها دول «المحور» فى الصحراء الغربية أثناء الحرب العالمية الثانية فى محاولة للتصدى لقوات «الحلفاء».
وبينما تحتوى منطقة العلمين على الكثير من الألغام الأرضية المضادة للأفراد والدبابات فى مساحة تزيد على ربع مليون فدان صالحة للزراعة، خلّف الجيش الإسرائيلى ما يقرب من 5.5 مليون لغم فى الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء، بكل ما يعنيه ذلك من إعاقة للمشاريع التنموية وتهديد لحياة البدو والرعاة.
بقيت الأزمة طوال هذه السنين دون حل نظرا للمعوقات التى تواجهها عملية الإزالة، من كلفة عالية واختفاء- أو إخفاء- للخرائط التى توضح أماكن وجود هذه الألغام، والتى لا تعلمها بطبيعة الحال إلا حكومات الدول الاستعمارية التى زرعتها.
طالبت مصر الدول التى زرعت الألغام فى أراضيها بتحمل مسؤوليتها التاريخية فى تقديم الخرائط والمساعدة الفنية والمادية لتخليصها من حقول الموت التى اكتسبت عن جدارة لقب «حدائق الشيطان»، فى مختلف المناسبات والمحافل الدولية، منها مؤتمر نزع السلاح فى جنيف 1996.
وطالبت مصر ألمانيا عام 1998 بتحمل مسؤوليتها عن زرع الألغام، وذلك على لسان وزير الدفاع أثناء لقاء نظيره الألمانى، الذى أبدى استعداده لتقديم المساعدة التقنية والمالية، وهو ما ترجمته ألمانيا فيما بعد فى شكل 110 أجهزة للكشف عن الألغام فى أكتوبر من العام نفسه، وحتى الآن، مازال حوالى 17 مليون لغم تقف حجر عثرة أمام نشر الحياة والرخاء فى الصحراء الغربية والساحل الشمالى، وهو ما يعادل خُمس المساحة الكلية لمصر، كما تشكل مساحة تلك الألغام 22٪ من كامل مساحة الصحراء الغربية. وكان أحدث ما اتخذ من إجراءات فى هذا الملف، هو توقيع اتفاقية مصرية- إيطالية تعهدت فيها «روما» منذ بضعة أشهر- أثناء زيارة الرئيس حسنى مبارك- بالمساعدة بإمكاناتها الفنية والتقنية الحديثة لتطهير الساحل الشمالى الغربى، وكانت الاتفاقية ضمن 24 بروتوكول تعاون وقعها وزراء مصريون مع نظرائهم الإيطاليين.
واعتبرت الوزيرة فايزة أبوالنجا فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» أن هذه الاتفاقية نموذج يجب على ألمانيا وإنجلترا الاحتذاء به، نظراً للمسؤولية التاريخية التى تتحملانها مع إيطاليا فى زرع الألغام بالمنطقة خلال الحرب العالمية الثانية. ووصفت الوزيرة هذه المسؤولية بأنها «معنوية وأخلاقية»، مؤكدة أن الاتصالات ستستمر لتحقيق هذا الغرض. وبالنسبة للمساهمة الإيطالية ستتركز فى توفير المعدات والأجهزة الحديثة، المخصصة لإزالة الألغام وتوفير الخرائط الضرورية والأموال ومشاريع الاستثمار بعد النجاح الكبير الذى حققته فى إزالة 3 ملايين لغم حتى الآن. وتعنى إزالة الألغام الانطلاق فى خطة طموح لتنمية الساحل الشمالى والصحراء الغربية، الغنيين بالمعادن والغاز مثلما بدأ فى المنطقة التى نجحت القوات المسلحة فى تطهيرها، كما أن المناطق المزروعة بالألغام صالحة للزراعة والرعى، وستؤدى مشاريع التنمية فيها إلى زيادة المساحة المزروعة فى مصر بحوالى 33 ألف فدان كما سيؤدى تعميرها إلى خلق فرص عمل عديدة للشباب.