x

«الثغر» فى نهار رمضان.. الشوارع خالية والسكون «سيد الموقف»

الإثنين 16-08-2010 15:26 | كتب: محمد أبو العينين, عمرو التلاوي |
تصوير : اخبار

فى شوارع بدت شبه خالية ومقاه وكافيتريات أغلقت أبوابها فى الصباح الباكر، وأخرى وضعت «مقاعدها» على الأرصفة فى انتظار روادها المعتادين طوال فترة الصيف، ومحطة القطار التى ودعت آخر مصطافى الموسم الصيفى لتعلن عن نهايته بعد أن عاد سماسرة الشقق بجوار لافتاتهم فى انتظار مستأجريها، وخلت الشواطئ من مرتاديها الذين أضفوا بهجة ومرحاً على الكورنيش، قضى أهالى «الثغر» أول أيام الصيام فى الشهر الكريم الذى اختلف نسبياً عن العام الماضى.

مشهد غلب عليه «السكون» و«الهدوء» خلال الساعات الأولى من إشراقة شمس أول أيام الشهر الكريم، تسير بمفردك فى شوارع عروس البحر الأبيض المتوسط وكأنك تحاول إعادة اكتشافها مجدداً، ولا يستطيع أى زائر أن يتوقع أن هذا الكورنيش الذى ظل مصدراً لـ«الإزعاج» والصوت «الصاخب» طوال الشهر الماضى هو نفسه ذلك «الشىء» الذى غلبه الخمول والسكون بعد أن فقد زواره الذين أكسبوه «روحاً» استمرت ما يقرب من 45 يوماً تقريباً.

«إسكندرية اليوم» رصدت أوائل أيام رمضان فى شوارع وميادين «الثغر» التى أعطت المؤشرات الأخيرة إيذاناً بنهاية موسم الصيف مبكراً.

 

المشهد الأول: داخل محطة قطارات الإسكندرية، زحام شديد أمام منافذ حجز التذاكر، يحاول محمد عبدالمعطى الحصول على تذكرة فى القطار رقم 980 المتجه إلى الأقصر فى الثامنة صباحا، إلا أن محاولاته باءت بالفشل بعد محاولات «يائسة» مع صراف التذاكر الذى يؤكد له أن جميع خطوط الصعيد مشغولة على مدار أسبوع مقبل، ليخرج من المحطة قائلا: «التذاكر مستخبية وتباع فى السوق السوداء، وبيستغلونا علشان ندفع أكتر، يعنى إيه مفيش تذاكر لمدة أسبوع».

وفى الجانب الآخر «سعاد محمد الوكيل»، ربة منزل، أمام الرصيف رقم «1» تنتظر ما يقرب من 35 دقيقة فى انتظار قطار أبوقير قائلة: «اتعودت على كده مش أول مرة يتأخر»، وتحاول أن تحمى نفسها من أشعة الشمس بحقيبة صغيرة حملتها على كتفها، وشغلت يدها الأخرى بكيس بلاستيك كبير به خضروات.

المشهد الثانى: أمام كورنيش الثغر الذى تحول فجأة من «ضجيج صاخب» أثناء الموسم الصيفى إلى حالة سكون وهدوء قلما يتواجد فى فترة أخرى من العام، ولم يعانى نفس المعاناة التى عاشها خلال الفترة الماضية قبل بداية الشهر الكريم، وما أن تقترب من شاطئى «سيدى بشر» و«المعمورة» لا تجد سوى «الصمت» الذى فرض سطوته على المكان، وعدداً كبيراً من الكراسى المتراصة بجوار بعضها تنتظر أن يطرق أحد أبوابها، لكن دون جدوى، إلا من بعض الرواد من «الأقباط» الذين عبر عنهم «ملاك توفيق» على شاطئ المعمورة قائلا: «أبناء المدينة لم يستمتعوا بالموسم خلال فترة الصيف وهذه أفضل مناسبة للاستمتاع بجو المدينة الذى نحرم منه طوال الموسم».

انتهاء الموسم الصيفى مبكراً لم يمنع أصحاب الشواطئ ومقدمى الخدمات من تخفيض أسعار الخدمات التى يقدمونها أو تخفيضات لأسعار الدخول إلا إنها بقيت كما هى ولم تتغير رغم الركود الذى تمر به الشركات، وفى المقابل اغلقت الأندية الشاطئية هى الأخرى أبوابها وخلت قاعاتها من الرواد فى أول الأيام.

المشهد الثالث: كافيتريات مغلقة على طريق الكورنيش مكتوب على أبوابها «مواعيد العمل فى رمضان بعد التاسعة» وأخرى اكتفت بعبارات «المقهى مغلق للتحسينات طول الشهر الكريم، كل عام وأنتم بخير»، وبقى عدد «محدود» من المقاهى لم يختلف المشهد فيه عن سابقه وظل السكون هو البطل وتراصت المقاعد فوق بعضها ولم يكلف أصحابها عناء افتراشها على الأرصفة كالمعتاد لعلمهم بعدم وجود «زبائن» هذا اليوم، وهو ما دفع بعضهم لإغلاقها نهائياً طوال فترة النهار، فى حين استغل آخرون المقاهى فى تقديم «مشروبات الإفطار» فى أكياس بلاستيكية للصائمين.

المشهد الرابع: فى الحادية عشرة تقريباً من صباح أول أيام الشهر الكريم جلس «سليمان زكى»، سمسار عقارات، بجوار لافتة تحمل اسمه ورقم هاتفه المحمول فى شارع خالد بن الوليد تحت مظلة كبيرة رمادية اللون يجلس تحتها على كرسى وبدأ النعاس يغلبه، وبسؤاله عن حركة الإيجار فى الموسم قال: «إن أسعار إيجار الشقق المفروشة هبطت إلى النصف قبل الشهر الكريم بـ 4 أيام»، وهو الانخفاض الذى أرجعه إلى ما سماه وجود «هجرة جماعية» للمصطافين، واقتصرت الحركة على أهل المدينة وعدد قليل من الأجانب الوافدين للدراسة وبعض ممن يفضلون قضاء الصيف خلال هذه الأوقات المتميزة مستمتعين بالهدوء، مشيراً إلى أن حركة الإيجار ستعود مجدداً بعد انتهاء الشهر الكريم ودخول عيد الفطر، خاصة أن هناك وقتاً إضافياً فى موسم الصيف قبل بدء الدراسة والجامعات.

أسعار إيجار الوحدات السكنية انخفضت بدورها إلى المنتصف بسبب قلة المتوافدين على الشقق حتى اقتربت الأسعار من 100 جنيه فى اليوم وهى نفس الوحدة التى كانت تؤجر بـ250 جنيهاً فى نفس المدة الزمنية، وأحياناً تصل إلى 500 جنيه وفى الغالب كان من الصعب الذى يصل إلى درجة المستحيل أن تجد غرفة للإيجار قبل أسبوع من الآن، وهو الوضع الذى وصفه السماسرة فى منطقة «سيدى بشر» بأنه «تحول جذرى فى بورصة الشقق».

المشهد الخامس: لم يختلف الوضع كثيراً فى الشقق عن الفنادق إذ أكد مجدى البدرى، عضو مجلس إدارة غرفة المنشآت الفندقية، أن نسبة الإشغالات وصلت إلى 30% فقط «كالعادة»، كل مواسم رمضان، والتى تشهد «انخفاضاً شديداً» أرجعه إلى قلة توافد المصطافين والأجانب الذين يعلمون طقوس الشهر الكريم، خاصة فى بلد له عادات دينية عديدة تزداد فى رمضان، بالإضافة إلى إغلاق محال «الخمور» وأغلب الأنشطة الترفيهية التى كانوا يقبلون عليها ونفس الوضع يتكرر فى الشواطئ شبه المغلقة الآن، لتبقى الفنادق هى الأخرى بلا مرتادين خلال الشهر الكريم.

المشهد السادس: تقترب الساعة من الثالثة والنصف عصراً، يزداد الازدحام على طريق الكورنيش، وتتوقف السيارات لمدة تزيد على نصف ساعة، يحاول سائق سيارة ملاكى العبور عكس الاتجاه فى منطقة ستانلى أمام نادى الشرطة فيصطدم بأخرى تسير فى الاتجاه الصحيح وتنتقل الإسعاف بعد إصابة سائقى المركبتين وتنقلهما لأقرب مستشفى، ليزداد توقف المرور ساعة أخرى لحين انتقال أفراد الشرطة لتحرير محضر ورفع السيارتين من مكانهما، ويصاب المرور على الطريق بشلل تام.

المشهد السابع: تدق أجراس الساعة الخامسة والنصف ويتحول الكورنيش وشوارع المدينة من حالة الزحام والشلل التام، الذى أصاب المرور قبلها بساعتين فقط إلى السكون التام وتختفى السيارات ويتلاشى المارة أيضاً، ولا تجد سوى أشخاص يجوبون الشوارع ويحملون صناديق من الورق المقوى به «تمر» يوزعون 3 حبات منه على كل من فى الشارع ولا تجد منهم سوى ابتسامة وكلمة واحدة هى «كل سنة وانت طيب».

المشهد الثامن: الساعة الآن 6 و37 دقيقة، يرفع المؤذنون أذان المغرب معلنين إنتهاء فترة الصيام فى أول أيام الشهر الكريم، الكل يجلس أمام مائدته التى فرضت «قدسيتها» على الجميع فخلت الشوارع نهائياً من المارة وبدأت شمس أول يوم فى الغروب بعد أن أرسلت أشعتها على المدينة ورفعت بها حرارة أول أيام الصيام والتى وصلت إلى 37 درجة مئوية.

المشهد التاسع: مجموعة قليلة من المصلين داخل ميدان المساجد وتحديداً مسجد المرسى أبوالعباس تؤدى صلاة المغرب وبجوارها «خيمة رمضانية» امتلأت بالعشرات من الصائمين أعدوا أنفسهم للإفطار بعد أن اختفت الموائد الرمضانية من المحافظة ولم يتبق منها سوى عدد من الساحات التى يقيمها عدد من رجال الأعمال وبعض الأمراء الخليجيين بسبب انتشار ظاهرة «شنط الخير» التى قضت تقريبا على المائدة الرمضانية.

المشهد العاشر: انتهى الجميع من إفطاره ورفع المؤذنون صلاة العشاء فاصطف الآلاف فى الساحات المجاورة لمسجد القائد إبراهيم لأداء صلاة التراويح والتى قضاها فى اليوم الأول ما يزيد على 250 ألف مصل قدموا من أحياء المحافظة المختلفة لأداء طقوس اعتادوا عليها رغم وجود العديد من المساجد بجوار منازلهم، إلا أن محمد سيد أحمد، أحد مرتادى القائد إبراهيم قال «متعة الصلاة فى هذا الحشد لها أثر كبير فى توافد المصلين عليه، بالإضافة إلى شهرة المسجد التى صنعها الشيخ (المحلاوى) واستكملها من بعده الشيخ (حاتم)».

وما هى إلا ساعات، حتى يعود الكورنيش إلى ضجيجه المعتاد وينتشر الباعة الجائلون عليه ويزداد صوته الصاخب الذى غطى على صوت أمواجه المتلاطمة مع كتل من الصخور الموضوعة لحماية المارة من شدتها وافتتحت الكافيتريات أبوابها واصطفت كراسيها مجدداً على الأرصفة وبدأت «الشيشة» فى الظهور بأدخنتها المختلفة وظهرت على المقاهى جنسيات متعددة لم تظهر خلال الساعات الأولى من الصيام وتنوعت بين أجنبى وخليجى ومصرى.

ولم يستمر سكون المرور وقتاً طويلاً هو الآخر، إذ عادت الحركة بكثافة وعاد السائقون إلى مكانهم وخرج موقف المنشية من صمته فتجمع السائقون مجدداً أمام مجموعة من سيارات السرفيس ينادون «باكوس» و«سيدى بشر» و«عوايد» و«العصافرة» وتعود معها أزمة الحصول على وسيلة مواصلات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية