x

«معركة» طه حسين.. الإصرار على استقلال الجامعة ومجانية التعليم

الأحد 27-10-2013 22:22 | كتب: أحمد الهواري |
تصوير : اخبار

بين الكثيرين الذين آمنوا بحرية التعليم وأهميته وعملوا بجد على تحقيق ما آمنوا به يبرز «طه حسين» عميد الأدب العربى نجما يضىء نوره قلوب التلاميذ والأساتذة على حد سواء. لم يترك أيا من المناصب التى تولاها يثنيه عن تحقيق ما يراه قلبه حقا له أو عليه. وفى سبيل هذا الحق استقال من منصبه عميدا لكلية الآداب عندما رأى من يحاولون التأثير عليه وبقى أستاذا فيها من أجل طلابه.

بدأ «طه حسين» تأثيره فى الحياة التعليمية المصرية ونضاله من أجل استقلال التعليم الجامعى عام 1924 بصراع مع الحكومة وسعد باشا زغلول بسبب كتابته مقالات سياسية فى جريدة «السياسة» ورفضه الإجابة على أسئلة التحقيق لأنها لم تأت من الجهات المخولة لذلك. وعندما ألحقت الجامعة بالدولة عام 1925 عينته وزارة المعارف أستاذا فيها للأدب العربى، فعميدا لكلية الآداب فى الجامعة نفسها، عام 1928، لكنه استقال من عمادة الكلية بعد يوم واحد، فيما قيل إنه جاء بتأثير الضغط المعنوى والأدبى الذى مارسه عليه الوفديون، خصوم الأحرار الدستوريين الذين كان ينتمى إليهم.

أعيد «طه حسين» إلى عمادة الآداب عام 1930، وبعد رفضه لمنح الجامعة، من خلال كلية الآداب، الدكتوراه الفخرية لعدد من الشخصيات السياسية، أصدر وزير المعارف مرسوما يقضى بنقله إلى وزارة المعارف، ومع رفضه تسلم منصبه الجديد اضطرت الحكومة إلى إحالته للتقاعد سنة 1932. ولكنه خاض صراعا قانونيا دفاعا عن حقه وعن استقلال الجامعة عاد على أثره إلى الكلية أستاذا فى عام 1934 ثم عميدا عام 1936. وبسبب خلافه مع حكومة محمد محمود، استقال مرة أخرى من العمادة واكتفى بالتدريس فى الكلية نفسها حتى عام 1942 عندما عين مديرا لجامعة الإسكندرية، وفى عام 1944 ترك الجامعة بعد أن أحيل إلى التقاعد.

حرْصُ «طه حسين» على التعليم الجامعى امتدّ ليشمل الطلاب والمواد العلمية التى يتلقونها والأساتذة، فبين خطاباته التى تركها واحد أرسله إلى مدير الجامعة السورية يعتذر فيه عن تلبية دعوة بإلقاء محاضرات هناك لمدة شهر. وقال «حسين» إنه يعتذر لأن الدعوة «وصلت فى ظروف تجعل من العسير عليَّ أن أقيم فى دمشق شهرا كاملا، فنحن فى وسط العام الدراسى وليس من السهل أن أترك طلاب الآداب فى جامعة القاهرة شهرا كاملا».

بدأ دور «طه حسين» فى مجانية التعليم أثناء تولى «أحمد نجيب الهلالى» وزارة المعارف والذى اتخذ من «حسين» ساعده الأيمن فى الوزارة وعملا معا على مجانية التعليم الأولى حتى صدّقت عليه الحكومة للعام الداراسى 1943 – 1944.

الخطوة الثانية التى ساهم بها «طه حسين» فى مجانية التعليم بدأت مع صدور مرسوم ملكى فى 12 يناير عام 1950 بتعيينه وزيرا للمعارف فى حكومة الوفد التى شكلها «مصطفى باشا النحاس». وأصر «حسين» على أنه لن يقبل الوزارة إلا إذا استكمل قرار مجانية التعليم ليشمل مجانية التعليم الثانوى. وكان له ما أراد، فأعد فقرة لـ«النحاس» فى «خطاب العرش» تلاها رئيس الحكومة قائلا إن «خير الوسائل لرفع مستوى الشعب وتمكينه من الحياة الخصبة المنتجة، التى تنفعه وتنفع الناس، وتحفظ على المواطن مكانته بين الأمم المتحضرة الراقية، إنما هو تعليم أبنائه، وتثقيف نفوسهم، وتزكية عقولهم، وتهذيب أخلاقهم، وتزويدهم بكل الوسائل التى تتيح لهم الجهاد المنتج فى سبيل الرقى والتقدم، ولذلك فهى لن تبخل بأى جهد لنشر التعليم وتيسيره، والتوسع فى مجانية التعليم، حتى تصل به إلى المجانية الشاملة، تحقيقًا لتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تفريق، وقد قررت فعلا مجانية التعليم الابتدائى والثانوى والفنى منذ اليوم».

بقى «طه حسين» فى منصب وزير المعارف حتى 27 يناير 1952. وخلال تلك الفترة عمل على وضع مقولته «التعليم كالماء والهواء» موضع التنفيذ وبدأ فى تنفيذ سياسة التعليم المجانى للتعليم الثانوى والتعليم الفنى وبناء منظومة تعليمية صحية وقوية تنافس منظومات التعليم الأوروبية وتعاقد مع أساتدة من فرنسا وإنجلترا لتعليم الطلبة اللغتين الفرنسية والإنجليزية تعليما راقيا. كما أقر للتلاميذ «تغذية» كاملة ويوما دراسيا كاملا والكتب والكراريس والأقلام.

عامان فقط تولى فيهما «طه حسين» الوزارة وضع فيهما منظومة للتعليم الأولى والثانوى فى مصر، ونجح فى أن يرفع مستوى التعليم فى مصر ليضاهى به التعليم فى أرقى الدول. وحقق بعضا من خططه للتعليم، التى تحدث عنها فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» المنشور عام 1938 مثل التخلى عن التبذير فى إنشاء وتأسيس المدارس واستغلال الموارد المالية التى سوف توفر فى التوسع فى إنشاء المزيد من المدارس القريبة من القرى والمدن ومجانية التعليم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية