تتذكره شريكة عمره السيدة سماح الشلقانى، بقولها: «بعد حرب 67 كان يعطى كل وقته للقوات المسلحة، وكان كتوما جدا، لم يتحدث قط عن عمله فى المنزل، ولم يكن يظهر أى انفعالات، حتى الأمريكان قالوا عنه إنه الوحيد الذى يستطيع أن يخفى انفعالاته، ولا يجعل من أمامه يفهمه، أو يعرف ما يجول بخاطره».. إنه القائد المنتصر المشير أحمد إسماعيل، الذى عاش حياته ولديه يقين بأنه لا يمكن أن نستريح مع إسرائيل، طالما أن هناك مهانة فى جبين الجيش المصرى، ولابد أن ندخل معركة وننتصر.
وتحكى «الشلقانى» تفاصيل جديدة حول علاقتها بالمشير وزوجات الرؤساء «عبدالناصر والسادات ومبارك»، وطبيعة علاقتها بالرجل الذى تزوجته، واستبعاده من الخدمة، وعودته إليها ثم انتصاره فى معركة دخلت التاريخ.. وإلى نص الحوار:
■ نبدأ من قصة ارتباطك بالبطل الراحل، كيف حدث ذلك؟
- أخت المشير كانت صديقة لوالدتى ورشحتنى زوجة للمشير، فجاء المشير (كان ملازم أول وقتها) ليرانى أثناء خروجى من المدرسة، حينها كان عمرى 14 عاما فقط، ومن يوم ما رآنى وهو «لزق» لأنى كنت جميلة وأهتم بمظهرى جدا، وأحب الضحك والهزار، وفى الحقيقة كنت دائما أحلم بأن أتزوج من ضابط، وتقدم المشير لخطبتى، وظللنا مخطوبين لمدة عام ثم تزوجنا، حينها أنا كنت أبلغ 15 عاما وهو 25 عاما. وعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه كان ناضجا وعاقلا ويتميز بحكمة تفوق عمره، وخبرته الحياتية. وبعد زواجى بفترة قررت إكمال دراستى بمدرسة «الراعى الصالح» (وهى مدرسة راهبات تدرس بالفرنسية)، ثم دخلت الجامعة الأمريكية لأتعلم الإنجليزية لأن زوجى كان يجيد الإنجليزية، ثم أكملت دراستى الجامعية لأتخرج فى كلية آداب قسم علم نفس من جامعة بنها.
■ بعد أن أكملت دراستك الجامعية وأصبحت تجيدين الفرنسية والإنجليزية، ألم تفكرى فى العمل؟
- لا لم أفكر قط، كنت أعمل فقط فى الجمعيات الخيرية، وكنت عضوة فى 30 جمعية، وأصبحت رئيس مجلس إدارة جمعية «الوفاء والأمل». وللتوضيح المشير كان ضد عمل المرأة، وكان يؤمن بأن المرأة خلقت لتعيش فى بيت زوجها. وأذكر ذات مرة كان يقابل يوسف السباعى وعندما سأله «السباعى» عن أولاده- نحن أنجبنا محمد وسها ونيرمين ومحمود سيف ودينا- قال له ابنتى نيرمين تبكى من أجل أن أوافق لها أن تعمل، وأنا لا أرغب فى ذلك، فقال له «ابعتهالى أنا هاخدها معايا فكان عندهم وفد قادم على ما أتذكر من نيجيريا فاضطرت نيرمين للبقاء فى العمل حتى العاشرة مساء» وبالرغم من أن نيرمين كان لديها سيارتها إلا أن المشير ثار وغضب ومنعها من العودة إلى العمل مرة أخرى، وظلت نيرمين تبكى إلا أنه كان يرفض.
■ ما قصة عدم قبوله فى الكلية الحربية فى البداية، وكيف تمكن من الالتحاق بها؟
- فى ذاك الوقت كان المشير يتقدم للكشف الطبى، إلا أنهم كانوا (فى الكلية الحربية) لا يقبلون سوى أبناء الأثرياء فقط، ووالد المشير كان مأمور ضواحى القاهرة (ضابط شرطة)، وهذا ما جعل المشير يقدم فى الكلية الحربية مرتين وتم رفضه، فقرر الالتحاق بكلية التجارة ودرس بها سنتين إلى أن أصدر الملك فؤاد قرارا بفتح باب التقدم لعامة الشعب، فقدم المشير أوراقه، وتم قبوله فى الكلية الحربية فى هذه المرة (الثالثة)، فذهب المشير لوالده ليستشيره، فقال له افعل ما تشاء ولكن فكر جيدا فى أنك ستضيع سنتين من دراستك فى كلية التجارة، لكن المشير كان يعشق العمل الحربى منذ كان طفلا صغيرا، حيث كان يسكن بجانب قصر عابدين، وعندما كان يسمع عساكر القصر يخرجون فى مسيرتهم الصباحية كان يستيقظ مهرولا للالتحاق بهم والسير بينهم.
■ ما ذكرياتك عن علاقته بزملائه جمال عبدالناصر وعبدالمنعم رياض ويوسف السباعى وأحمد مظهر؟
- كنا نلتقى بعبدالناصر فى الحفلات فقط لأن كليهما -المشير وعبدالناصر- كانا مشغولين طوال الوقت ولم يكن لديهما وقت للتنزه، إلا أننى فى حقيقة الأمر كنت أشعر بالرعب عندما أرى عبدالناصر، وكنت أخشى حتى الحديث معه. وأذكر مرة كان كل أقربائى يملكون أراضى وكل ما يقابلوننى يسألوننى «انتى بتشوفى جمال عبدالناصر» أقولهم لا أقابله إلا كل فين وفين، وفى مرة كنا فى احتفال فسلمت عليه، وقلت له «إنت واخد أراضى كل عائلتى»، فقال لى «ما هما كلهم إقطاعيين»، فخفت منه جدا حينها.
وفيما يتعلق بيوسف السباعى وأحمد مظهر، فذكرياتى وعلاقاتى كانت مع زوجتيهما فقط، وكنا نلتقى فى الجمعيات الخيرية، أما عبدالمنعم رياض فهو لم يتزوج؛ لذا لم يكن لى أى تعامل معه.
■ كثيرون لا يعرفون أن البطل الراحل شارك فى الحرب العالمية الثانية، ما قصة مشاركته فى هذه الحرب؟
- لا أعرف، هو لم يكن يتحدث عن عمله فى المنزل إطلاقا، وأنا أقرأ مذكراته وأتعرف على تاريخه مثلى مثل أى أحد غريب.
■ وما ذكرياتك معه أثناء مشاركته فى حرب فلسطين حيث كان قائداً لسرية مشاة فى رفح وغزة؟
- وقت حرب فلسطين كان المشير مشاركا فى كلية أركان حرب التى كان يقدم فيها 200 شخص ينجح فيها 10 فقط، ثم أغلقوا الكلية وأخذوهم الـ10 الناجحين ليشاركوا فى حرب فلسطين، ووقتها كنت منهارة ومرعوبة من قلقى عليه، فقائد أركان الحرب وقتها كان أحمد فهمى ولقى حتفه حينما كان يركب السيارة وبجواره زوجى المشير.
■ هل سافرت معه إلى الاتحاد السوفيتى عندما التحق بإحدى الكليات العسكرية هناك، وما ذكرياتك عن هذه الفترة؟
- لا طبعا، أنا حتى لم أكن أعرف أين يسافر وقتها، وأذكر أن المشير قال لى وقتها لا تحاولى أن تسألى أحدا عنى، ولا تفكرى فى أى بلد أكون ولا حتى تسألى نفسك «زوجى راح فين؟»، وانتقلت أنا لأعيش عند والدتى وهو سافر لمدة عام، وطوال 10 أشهر ظللت لا أعرف مكانه ولم يكن على أى اتصال بنا إلى أن جاءنى اتصال فى الشهر العاشر من موسكو، فوقتها فقط عرفت مكانه وأخباره. عندما أستعيد شريط ذكرياتى أشعر أن حياتى كانت قاسية جدا، فكنت أنا أتحمل أعباء أولادى ومسؤولية تربيتهم، إلا أننى أيضا كنت فخورة به لأنه كان يحب عمله، وأنا كنت أحلم بأن أقترن بضابط، وأدرك تماما طبيعة عملهم.
■ وما الذى حدث فى عام 1969 وجعل الفريق محمد فوزى يبلغه بإعفائه من منصبه؟
- لا أعرف أى شىء سوى أنه قالّى أنا طلعت معاش فأجبته والله بركة كى تعتنى بى أنا وأولادنا.
■ كيف نجح هؤلاء فى إحداث الوقيعة بينه وبين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، رغم أنهما كانا زميلين فى الكلية الحربية، وعبدالناصر كلفه بقيادة القوات شرق القناة، وانتصاره فى معركة رأس العش؟
- لا أعرف من الذى أحدث وقيعة بينه وبين عبدالناصر، فكنت أشعر أن المشير محبوب من الجميع ولم يكن له أى أعداء.
■ عبدالناصر أقاله من الخدمة، ورغم ذلك قرر له معاش وزير، ألا ترين تناقضا فى الموقفين؟
- عبد الناصر كان يثق ويحب المشير ويحمل معزة خاصة له، وفى المقابل كان المشير يحب عبدالناصر جدا، وعمره ما قال أى كلمة سيئة عنه ولا حتى تساءل عن سبب عبدالناصر لإقالته، وعندما خرج المشير على المعاش كان راتبه 55 جنيها، لكنه لم يأخذ راتب الوزير إلا قبل وفاته بوقت قليل، وكان راتب أى وزير فى الدولة فى ذاك الوقت 125 جنيها.
■ هل صحيح أنه عندما ترك الخدمة طلب من الفريق محمد فوزى أن يعود إليها إذا حدثت حرب، ولماذا كان يريد المشاركة فى الحرب؟
- لا، قال له كل المطلوب منك أنه إذا وقعت حرب استدعونى لأحارب ولو بـ«بدلة عسكرى» لأنه كان عامل الخطة وكان يعتزم إرسالها لجمال عبدالناصر، وهو كان غاوى حرب وبيحب الجيش وكان يعد خطة، وعندما طالب محمد (ابنى الأكبر) المشير (والده) بألا يتولى وزارة الحربية لأنه إذا خسر الحرب سيقال إنه هو الخاسر، أما إذا انتصر فى الحرب فلن يقولوا إنك من جلبت الانتصار، فقال المشير له: محمد، لا يهمنى كل هذا. كل ما يهمنى هو بلدى، وسأله: أتخاف علىّ يا محمد؟ فقال له: طبعا. فأجابه: وأنا أشرف لى أن أموت وسط (العساكر بتاعتى) على إنى أموت وأنا جالس على السرير.
■ كيف كانت علاقتك بالسيدة تحية عبدالناصر، والسيدة جيهان السادات، والسيدة سوزان مبارك، وهل ما زلت على تواصل مع الأخيرتين؟
- كنت أحب جميعهن، وكنت أعتاد مقابلتهن، خاصة جيهان وسوزان، لكن تحية لم أكن أراها كثيرا لأنها لم تكن تخرج كثيرا، وفى الفترة الحالية خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 انقطعت اتصالاتى بسوزان، ولم أعد أراها أو أعرف لها حتى رقما للاتصال بها عليه.
■ وماذا كان يفعل المشير طوال العامين اللذين ترك فيهما القوات المسلحة، وهل هو الذى طلب من الرئيس الراحل أنور السادات العودة؟
- طوال العامين ظل المشير يعد فى الخطة وكان يقرأ كتبا عن الحرب، فهو كان يحب القراءة جدا.
■ هل طلب المشير من السادات العودة للقوات المسلحة؟
-لا المشير لم يطلب من السادات العودة للقوات المسلحة، بل وجدنا السادات يتصل بالمشير ويبلغه «تعالى حالا».
■ لماذا كان يواصل رسم الخرائط العسكرية طوال هذه الفترة، هل كان يعلم أنه سيعود لصفوف الجيش، ولماذا لم يقدم التقرير الذى أعده حول رؤيته للموقف إلى جمال عبدالناصر؟
- هو كان يعرف سيناء «شبر شبر»، فكان يرسمها ليتناقش فيها مع السادات، غير أنى لا أعرف تفاصيل عمله بشكل عام، وهناك العديد من الأشياء أعرفها من التلفاز ومن مذكراته، فلا أعرف لماذا لم يقدم التقرير لعبدالناصر.
■ فى مذكرات المشير كتب أنه توقع أن يكلفه السادات بمنصب وزير الحربية، من أين أتى له هذا التوقع رغم ابتعاده عن القوات المسلحة نحو سنتين؟
- ليس المشير هو من توقع ذلك بل ابنه محمد هو الذى توقع ذلك لأنه كان «غاوى» سياسة وتوقعات، وهو الآن سفير فى وزارة الخارجية، ووقتها كان يعمل فى المخابرات العامة، فقراءاته جعلت له بعد نظر، فعندما خرج والده على المعاش، قال محمد له «دورك لم ينته بعد»، وعندما جاء والده من عند السادات فقال محمد له «السادات منحك وزارة الحربية»، فاندهش والده وقال له: من أين عرفت ذلك؟ فأجابه «من قراءاتى». فالمشير كان يعتبر محمد صديقه وكانا يتناقشان لفترات طويلة سويا.
■ ننتقل إلى مرحلة ما قبل حرب أكتوبر، كيف كانت الأجواء فى المنزل، هل كنت تشعرين أن هناك شيئا ما يحدث؟
- لا بالعكس، لم نكن نشعر بأى شىء، ولم نكن نتحدث فى هذا الأمر إطلاقا لكن من داخلنا كنا ندرك منذ استدعاء السادات للمشير أن الحرب قادمة، لأن الجميع يعى أن المشير رجل حرب، وكان أصدقاؤنا وعائلتنا يسألون من تولى مهام الكلية الحربية، وعندما عرفوا أنه أحمد إسماعيل كان الرد «الحرب قايمة». لأنه كان يؤمن بأن الجيش المصرى مستحيل أن يستعيد كرامته إلا بالمعركة الحربية. وعندما كان يتحدث البعض عن المصالحة كان المشير يغضب ويقول لا يمكن أن نتصالح لابد أن نقوم بالمعركة وننتصر فيها، ثم نتحدث عن المصالحة وإلا ستعد مهانة فى جبين الجيش المصرى إلى أبد الآبدين، وكان يؤمن أنه كى نمحو هزيمة 67 فلابد من شن معركة والانتصار فيها.
■ الرئيس السادات كلفه بإعداد القوات المسلحة للحرب فى 26 أكتوبر 1972، أى قبل الحرب بسنة كاملة، ألم تكونى تعلمين شيئا طوال هذه الفترة؟
- لا لم أكن أعلم شيئا إطلاقا، المشير كان كتوما جدا ولم يتحدث قط عن عمله فى المنزل، ولم يكن يجعلنا نعرف أى معلومات أو أخبار عن عمله، بجانب أنه لم يكن يظهر لنا أى انفعالات، حتى أمريكا قالت عنه «الوحيد الذى يستطيع أن يخفى انفعالاته ولا يجعل من أمامه يفهمه أو ما يجول بخاطره». ومن جانبى أنا كنت مقتنعة بأن سؤالى وفضولى لن يفيد بشىء لأنه لن يأخذ رأيى؛ فأنا لا أفهم فى الشؤون العسكرية.
■ ألم يتسلل الخوف إلى قلبه عندما هدده السادات بأن جثته ستعلق فى ميدان التحرير إذا خسر المعركة، وقد كان بعيدا عن الجيش؟
- لا السادات لم يهدده، كل ما حدث أن السادات قال للمشير: هل تعلم أن اليوم الثلاثاء والحرب السبت، وقد تعلق جثتك فى ميدان التحرير؟! معناها إذا لم تنتصر فى الحرب فهل أنت موافق؟ فأجابه: من أجل مصر موافق، ورغم أن المشير كان من حقه أن يقول للسادات وأن تتحمل المسؤولية معى إلا أنه قال من أجل مصر قبلت، وجيهان السادات شخصيا سمعت هذا الحديث الذى كان يدور فى منزل السادات. وأنا أعتبر أن كلام السادات هذا كان المقصود به أنه يحمّل المشير المسؤولية كاملة.
■ بعيداً عن سمعته العسكرية التى شهد بها العالم وإسرائيل نفسها، المشير كان معروفا عنه أنه أب من نوع خاص، حدثينا عن هذا الجزء، كيف كان يتعامل مع أبنائه؟
- فى الواقع أغلبية وقت المشير كان يمضيها خارج المنزل، كان يعيش معنا 4 أيام فقط بعد كل 24 يوما، فعمر زواجى مع المشير كان 30 عاما إلا أننى إذا حسبت عدد السنوات الفعلية التى أمضاها المشير معنا لن يكون عددها أكثر من 5 سنوات. وعلى الرغم من غياب المشير عن المنزل إلا أن المنزل كان يسير مثل الساعة وبكل شىء يخطط له المشير، وكان هو من ينظم ويحدد عدد ساعات المذاكرة للأولاد، وكانت كلمته سيفا على رقابنا جميعا.
■ كيف كان يتعامل معه الرئيس الراحل أنور السادات بعد النصر، وكيف تعامل معه الرئيس الأسبق حسنى مبارك؟
-السادات كان رجلا عظيما، فى كل تصرفاته وأخلاقه، ابتداء من اتخاذه قرار الحرب -لأن أى شخص لا يستطيع أن يتخذ قرار الحرب هذا- والسادات كرّم المشير، فبعد عام منحه نجمة سيناء، وبجانب أنه (السادات) وزوجته جيهان لم تتغير معاملتهما معى بعد وفاة المشير، ولفترة كبيرة لم يتركونى وحدى، كما أنه أقام فرح ابنتى الصغرى دينا فى منزله، أما مبارك فقد كان المشير هو رئيسه وبالتالى لم يكن له أى سلطان على المشير، وفور وفاة المشير تم تعيين مبارك نائبا لرئيس الجمهورية، وأذكر أن السادات كان يخطط لجعل المشير نائبه لرئاسة الجمهورية، إلا أنه إحقاقا للحق عندما تولى مبارك رئاسة الجمهورية لم يسئ لنا بل كان يودنا من حين لآخر لأنه كان يحب المشير.
■ ما ظروف مرضه وسفره إلى لندن للعلاج، وكيف استقبلت نبأ صعود روحه إلى بارئها؟
- أنا كنت بصحبة المشير فى لندن، حيث اكتشفنا أنه مريض بسرطان الرئة ولم يمض عليه وقت وتوفى سريعا، ولم أكن أتصور أن يموت.