x

ثورة يوليو والسينما.. صراع واحتواء وانقلاب

الخميس 22-07-2010 17:09 | كتب: خلف علي حسن |
تصوير : اخبار

غداً تمر الذكرى 58 على قيام ثورة يوليو عام 1952، تلك الثورة – التى يسميها البعض انقلاب عسكرياً - لعبت السينما المصرية دوراً مهماً فى التأريخ لها، بل اعتادت على العيش فى كنف سلطتها حتى انقلبت عليها، وذلك حين مرت السنوات الأولى من عمرها – أى الثورة - حافلة بالقلق، يشوبها حس وطنى عام من قيادتها، لكنها حاولت حل قضايا الواقع المصرى بوفاق طبقى وبطراز من الحكم البونابرتى تنوب فيه عن الشعب فى كل شىء، دون أن تطلق أى مبادرة للجماهير الشعبية التى هزت صرح الحكم طويلاً من قبل، عبر نضالاتها المستمرة التى مهدت لقيام هذه الثورة، وبدوره انعكس هذا التخبط والقلق على السينما المصرية ومساراتها..

كل ما تقدم يؤكده – المخرج وأستاذ السيناريو بالمعهد العالى للسينما محمد كامل القليوبى – فى بحثه «السينما المصرية وثورة يوليو.. صراع الاحتواء بين السينما والثورة» ضمن كتاب «السينما المصرية.. الثورة والقطاع العام»، الصادر منذ أيام قليلة عن المجلس الأعلى للثقافة، ويقع فى 480 صفحة، ويتضمن مجموعة من الأبحاث المهمة، منها «السينما الفلسفية.. توفيق صالح نموذجاً» للدكتور حسن حنفى، و«العلاقة بين الأدب والفن السابع فى السينما المصرية» للباحث اللبنانى إبراهيم العريس، و«المرحلة الناصرية وقضية المرأة فى السينما.. نقطة تحول» للباحثة وأستاذة السينما فيولا شفيق، وغيرهم، كما عقب على هذه الأبحاث المؤرخ المعروف صلاح عيسى والشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، ومؤسس جمعية الفيلم بالقاهرة أحمد الحضرى.

يضيف القليوبى بعد مضى خمسة وعشرين يوماً فقط على قيام ثورة يوليو فى 18 أغسطس عام 1952صدر أول تصريح عن السينما من القائد العام للثورة اللواء محمد نجيب، ثم أعقبه تصريح 11 نوفمبر، الذى نشرته مجلة «الكواكب» وكانا مضمونهما – حسب الباحث- يتسم بلهجة التهديد، وصاكك عليها صفة الخلاعة والميوعة، وانحناؤها نحو التجارة، ولا يمكن قبول ذلك أو السكوت عليه – حسب البيان المذكور فى البحث - لأننا بذلك نسىء استعمالها، ونهوى بأنفسنا إلى الحضيض وندفع جيلاً من الشباب إلى الهاوية.

ويقول «فى هذه الفترة القلقة بعد الثورة، وبينما كانت أجهزة الإعلام تبث دعايتها الديماجوجية عن الحركة المباركة – كما سمتها وقتها – فى حالة تخبط واضح لعدم وضوح أيديولوجية محددة للثورة، وبادرت السينما المصرية وبنفس الدرك من الهبوط والابتذال بتأييد الثورة» حاولت السينما التجارية احتواء الثورة وشل فاعليتها، حين مدت سلطة يوليو يدها فى شؤون السينما المصرية فى أوائل عام 1953، حين قامت بتعيين المقدم وجيه أباظة - من الشؤون العامة للقوات المسلحة – ليختص بشؤون السينما لبضع سنوات وتتالت اجتماعاته مع كبار السينمائيين المصريين فى ذلك الوقت لتسفر عن ثلاثة اتجاهات منها السينما التجارية القائمة، سينما التسلية المطلقة، وكان هو الاتجاه الغالب فى هذه الاجتماعات وعبر عن نفسه بشكل ممالى ومنافق لسلطة يوليو دون أن يتخلى عن مفاهيمه، وقد تمت محاولات الاحتواء – حسب الكاتب – من جانب هذا الاتجاه بأكثر الأشكال كاريكاتورية، فأعلنوا الانضمام إلى هيئة التحرير بشكل شكلى، مثل الفنان أنور وجدى، والمطرب محمد فوزى، والفنان الكوميدى إسماعيل يس، الذى قال فى أحد أفلام هذه الفترة «هيئة التحرير وما أدراك ما هيئة التحرير؟!

وغلب التظاهر بالاستجابة فى هذا الاتجاه لمطالب مندوب قيادة الثورة فى أفيشات الأفلام والإعلانات عنها، فيعلن أنور وجدى فى فيلمه «دهب» عام 1953 بعبارة «فيلم جديد نظيف فى عهد نظيف» وأحمد بدرخان فى فيلمه «الله معنا» عام 1955 بعبارة «تمشياً مع العهد الجديد» وهو الاتجاه الذى أثبت نجاحه بعد فشل اتجاهى الواقعية ومحاولة تثوير السينما واتجاه القيادة.

ويؤكد أن السينما المصرية قدمت ثورة يوليو أو - على الأصح - قامت بإحتوائها فى إطار أكثر مفاهيمها تخلفاً، حيث قامت السينما بتقديمها على أنها ليست سوى انقلاب تآمرى أنجزه عدد من ضباط الجيش مع عدد من بنات الأسر الإقطاعية وبعض أعضاء جهاز البوليس السياسى قبل عام 1952، ليس له هدف واضح من وجهة نظر هذه الأفلام سوى الزيجات السعيدة بين سيدات الأسر الإقطاعية وبين صغار ضباط الجيش، ولخصت – أى السينما المصرية - القضية، وتم اختزالها تماماً، ولم تعد الجماهير الشعبية التى هزت صرح النظام القديم – الملكى- واردة سوى كذيل ملحق بالثورة، وتصوره على أنه مجموعة من المؤيدين والمتزلفين ليس لهم دور سوى مشاهدة بطولات فرسانهم وغزواتهم النسائية الناجحة لنساء الأسر الإقطاعية لينتهى الأمر إلى مباركات للثورة والثوار.

يختلف مع الرأى السابق الناقد السينمائى على أبوشادى فى بحثه «القطاع العام السينمائى فى مصر»، فيرى أنه بعد أن خاضت الثورة معاركها – التى وصلت حسبه – إلى ذروتها فى أزمة مارس 1954، التى خرج منها عبدالناصر قوياً، بدأت وزارة الإرشاد القومى (الثقافة حالياً) برئاسة فتحى رضوان بتطبيق وجهة نظره الديمقراطية، فى أنه لا حل ولا وسيلة، لأن تجعل الدولة الفن فى خدمتها، إلا بالتوجيه العام فقط، بدون تدخل.

وكانت الثورة ورجالها انتبهوا بعد تجربة فيلم «مصطفى كامل»، الذى أخرجه أحمد بدرخان وصادرته الرقابة فى الفترة الملكية، إلى أن هناك قانوناً جائراً للرقابة على المصنفات الفنية صدر عام 1947 بعدم جواز ظهور مناظر الإخلال بالنظام الاجتماعى كالثورات والمظاهرات أو الإضرابات، وقامت عام 1955 بإلغائه بتعليماته الرقابية المتعسفة وأصدرت القانون رقم 43، الذى أشرف عليه شيخ القانونيين المصريين الدكتور عبدالرزاق السنهورى، الذى لايزال المرجع الأساسى لعمل الرقابة المصرية حتى الآن.

وكان نظام ثورة يوليو هو المتهم الحقيقى - من وجهة نظر المخرج السينمائى هشام النحاس فى بحثه المعنون بـ«سينما القطاع العام فى قفص الاتهام» - فى فشل القطاع العام السينمائى وانهياره، بالإضافة إلى تكبد الدولة خسائر فادحة ووصلت - حسبه – إلى ما يزيد على 6 ملايين جنيه فى الفترة ما بين عامى 63 و72، والتى لم يسفر التحقيق فيها أمام النيابة العامة - الذى أورده النحاس فى بحثه - سوى عن اتهامات مالية دون الإدانة.

ويقول: بإعادة النظر فيما جاء بتقرير النيابة والشهادات الواردة فيه، فى هذه الفترة، يتبين أن القصور فى أداء هذا الجهاز – القطاع العام السينمائى – مرجعه الأساسى هو طبيعة النظام نفسه وعلاقاته غير الصحية التى أفرزت هذا القصور، وفرضته على العمل، مما رفع المسؤولية عن قياداته. ويضيف من الأسباب التى أدت إلى تدهور القطاع العام السينمائى وإخفاقه، وما سببه من خسارة فادحة من ميزانية الدولة آنذاك أن «القائمين على رأس القطاع لا يتحملون مسؤولية الأخطاء ولا يدفعون ثمنها، حيث يسير العمل وفق آلية بيروقراطية (ومنها اللجان) تضمن للقائمين عليه السلامة من تحمل مسؤولية الأخطاء (اللجان)، ومنه أيضاً ارتباط هذا الجهاز بالإدراة الحكومية مما أفقده الاستقلالية فى اتخاذ القرارت، حيث تأتى من سلطات حكومية عليا، بالإضافة إلى ترهل الأداء وفساده لضعف الكفاءة أو انعدامها مع زيادة العمالة المفروضة على القطاع لأسباب اجتماعية وسياسية داخلية، كذلك التعارض بين مصلحة القطاع الحكومى فى الربح ودور الحكومة فى مراقبة السلعة (فى المعامل) أو الخدمة (فى الأستديوهات ودور العرض) أدى إلى ضعف المراقبة أو فقدانها فتدنى مستوى السلعة ومستوى الخدمة المقدمة، المر الذى يدلل من - وجهة نظره على المثالب الإدارية والمالية التى شابت جوهر النظام الاقتصادى لثورة يوليو.

 

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية