عندما يسمع محمد القاضى صوت الأذان يستعد للوضوء، لكنه يتذكر العجز الذى أصابه فيقول: «الحمد لله.. يا ريتنى اتشليت من زمان»، فالعجز بالنسبة لـ«القاضى» هو المنقذ الوحيد الذى فرق بينه وبين شره وأنقذه من مهنة «الفتونة»، وأنقذ الناس من أذاه.
بدأ «القاضى» حياته العملية كنقاش عندما كان عمره 17 عاما، ولم يتنبأ بأنه سيكون ذات يوم مصدر إرهاب للناس، لأن آخر علاقته بهم كانت تبييض شققهم، لكن قوة بدنه، التى لاحظها الجميع، أهلته لأن يكون أشهر «بودى جارد» فى كابريهات شارع الهرم. عاد القاضى بذكرياته إلى الخلف وتذكر صديق زوج أمه، الذى عرفه على شخص يدعى صلاح عواد، كان عواد فى ذلك الوقت هو الـ«بودى جارد» الأول فى شارع الهرم، وهو الذى اكتشفه وأدخله عالم الفتونة، فعندما رأى القاضى أعجب بجسمه واصطحبه معه إلى أحد الكباريهات التى يعمل فيها.
مازال القاضى يذكر الدرس الأول الذى لقنه له «عواد» والذى أهله ليصبح «فتوة»: دخلت كباريه مع عواد فلقيت تلاتة بيتخانقوا مع صاحب الكباريه.. ومش عاوزين يدفعوا الحساب.. فنادانى عواد وقاللى اتفاهم معاهم.. فى البداية شتمونى فضربتهم لحد ما كومتهم فوق بعض، بعدها طلب صاحب المحل من عواد إنه يشغلنى فى الكباريه بـ50 جنيه فى الليلة، بعد أن اجتاز «محمد» العديد من «الخناقات الكبيرة» على حد تعبيره، ونجح فى الخروج منتصرا فى كل مرة، ذاع صيته فى شارع الهرم، وأصبح يتهافت عليه أصحاب الكباريهات، ووصل راتبه إلى 900 جنيه يوميا، وجند تحت يده 17 صبيا يعلمهم أصول الفتونة.
مهنة «القاضى» لا تعتمد على الضرب والشجار فقط، بل كانت لها أصول ومبادئ يعلمها لصبيانه كما تعملها هو، وهى مبادئ استخلصها من أمثال شعبية أهمها: «السكران فى ذمة الفايق» و«اللى يصعب عليك يفقرك».. أما أهم قوانين المهنة فهى: «ألا تترك الزبون الغنى يخرج كما دخل.. فلوسه تبقى فى جيبنا.. بس بإرادته مش بالسرقة».
كل الأموال التى جمعها «القاضى» لم يستفد منها: «البودى جارد ما يعرفش يشتغل ويتغر بعضلاته إلا إذا عمر الطاسة، علشان كدا ماسبتش نوع من المخدرات إلا وأخدته. ولم يفلح أى ممن قابلهم القاضى فى تغيير شىء فى حياته، حتى قابل رجلاً كفيفاً يطلب منه أن يساعده فى عبور الشارع، وأثناء ذلك عرف «القاضى» أن الكفيف معه ألف جنيه فى جيبه، فطلب منه هذه الأموال، فاشترط عليه الكفيف أن يوصله إلى مستشفى إمبابة مقابل منحه هذه الأموال: «ظل الرجل الكفيف يحدثنى عن قصص سيدنا محمد مع عمر ابن الخطاب وهى المرة الأولى التى أسمع فيها هذا الكلام، وهو ما جعلنى أفكر فى اعتزال مهنتى، وبالفعل اعتزلتها لكننى عدت إليها لأننى لم أجد زبونا واحدا فى مهنة النقاشة».
وفى يوم من الأيام، منذ خمس سنوات، استيقظ القاضى ليجد نفسه مصاباً بشلل، وأصبح لا يتحرك إلا على مقعد ولا يتبول إلا بقسطرة، وعجز الأطباء عن علاجه نتيجة إصابته بالتهاب حاد فى النخاع الشوكى: «ربنا أخد منى قدرة ضرب الناس، وأعطانى محبتهم».