فى البداية قال الشيخ محمد أبوشبكة، أحد سكان المدينة: «إن مشكلة المدينة قديمة بقدم بناء جميع المساكن الموجودة بها، والتى تم بناؤها من خلال المحافظة، بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية، التى لا يعلمون مصدرها حتى الآن، بالإضافة إلى المشكلات المستمرة فى شبكة الصرف الصحى الخاصة بجميع البلوكات، والتى تسببت ولا تزال، بحسب قوله، فى معاناة يومية للسكان.
وأضاف أبوشبكة عقب صمت لحظات: «نعيش منذ فترة طويلة فى هذه المشكلات وكلما اشتكينا لأحد يأتى مسؤولو الحى ويكتفون بالحلول المؤقتة، وبصراحة احنا زهقنا منها حيث يقومون بشفط تجمعات المياه وصرفها خارج بدرومات البلوكات التى سرعان ما تعود الى ما كانت عليه قبل شفطها بعد مرور عدة أيام عليها».
وتابع بنبرة غلب عليها طابع تهكمى واضح: «آخر حاجة وصل لها الموضوع أن الحى نفذ عملية ترميم (غير كاملة) لجميع المناور الموجودة فى البلوكات، لكن المشكلة لسه موجودة، وكمان عرفنا أن مسؤولى الحى بيحصّلوا تكاليف هذه العملية وكذلك تكاليف عمليات الشفط من السكان بشكل غير مباشر، إزاى مش عارفين!».
وقالت أم عبدالنبى، من السكان: احنا بنام وحاسين الميه تحت راسنا.. من الآخر كده أنا عاوزه أقول للمحافظ إننا عايشين فى ترب مش شقق».
أما فاتن أحمد على، السيدة التى تقيم مع زوجها فى إحدى الشقق الموجودة بالدور الأرضى فى البلوك رقم 7، فاستندت على «بير السلم» وهى تشير إلى الأرض، وقالت: «صدرى تاعبنى بسبب الرائحة الوحشة والناموس، ولما روحت للدكتور نصحنى إنى لازم أسيب الشقة الأرضى وأسكن فى دور عالى بعيد عن هذه الروائح، وده طبعا مش عارفة هيحصل إزاى والحال ماشية بالعافية».
مأساة سكان المدينة لم تقتصر فقط على مشكلات المياه الراكدة أسفل بلوكاتها، وإنما امتدت لتشمل أكوام القمامة وتلال المخلفات الصلبة القابعة خلف هذه البلوكات، والتى أكد الأهالى أنها أصبحت مصدرا للثعابين والحشرات الزاحفة الضارة بصحة الإنسان، فضلا عن تحولها الى مأوى للكلاب والحيوانات الضالة، وقالت سميرة حامد، «ربة منزل»: «بطلنا نفتح الشبابيك ومش عارفين ننام طول الليل، وكل ده بسبب الثعابين والحشرات والناموس اللى بتطلع من أكوام الزبالة، وكمان بسبب الكلاب الضالة اللى فى كل حتة فى المنطقة». وأضافت سميرة: «محدش بيسأل والمهندسين مش بيهتموا غير بنظافة الشوارع الرئيسية وسايبين الأكوام والمخلفات اللى ورا المساكن دون حل».
والتقطت فاطمة إبراهيم- «أم مصطفى» كما يحب أن يناديها جيرانها- أطراف الحديث من جارتها سميرة، وقالت: «مصدر الأكوام دى سيارات من خارج المنطقة مش من هنا، وكتير اشتكينا واتكلمنا فى الموضوع ده بس مفيش حاجة حصلت، لدرجة أننا امتنعنا عن فتح الشبابيك علشان كل اللى رايح واللى جاى بيشوفنا وإحنا قاعدين أو نايمين فى بيوتنا».
سعاد محمد.. من سكان المنطقة.
لديها 3 أبناء، يعانى 2 منهم أمراضاً صدرية وحساسية بسبب انتشار القمامة ومياه المجارى، وما تحمله معها من أمراض «قاتلة»، تكمل سعاد كلامها قائلة: «ذهبت لكذا دكتور عشان العيال، وكل واحد يقولنا لازم تسيبوا المكان ده، ومش عارفين طبعاً حنروح فين، إحنا ملناش غير الشقة دى والمكان ده نعيش فيه».
يلتقط أطراف الحديث محمد كمال أحمد، أحد السكان وقال بغضب: «الحكومة مش بتسأل فى حد، واحنا مش عارفين المشكلة فين، هل فى مية المجارى وللا فى المياه الجوفية، وياريتها تيجى على المياه الجوفية، ده هنا زبالة وقرف»، وتساءل: «كيف يمكن لمنطقة بها مياه جوفية أن تكون منطقة سكنية، فهذه المخاطر ظاهرية، فما بالك بأساسات البيوت، التى يمكن أن تتعرض للانهيار فى أى لحظة نتيجة تآكل الآساسات».
أما حسين عبدالغنى فاعتبر أن هناك مسؤولية على الحكومة وأخرى على المواطنين، «فالسكان يلقون أكياس القمامة فى الشوارع، ومواسير المياه، مما يتسبب فى انسدادها»، ولكن فى الوقت نفسه حمّل المسؤولين فى الحى المسؤولية عن عدم توفير أماكن لإلقاء القمامة، أو صناديق خاصة، فى كل شارع مما يدفع المواطنين لإلقائها فى الشارع» وينهى كلامه بقوله: «فى النهاية المواطن هو الضحية».
وحذرت نعمة حسين، رئيس لجنة الصحة بالمجلس المحلى لحى غرب، من مياه الصرف أسفل بلوكات المساكن المطلة على خط السكة الحديد، وحذرت من إمكانية تفشى الأمراض الخطيرة بين أطفال وسكان المدينة، بسبب تواجد هذه المستنقعات والبرك منذ فترات طويلة، وانتشار الروائح الكريهة والحشرات والفئران التى تعد – بحسب قولها- مصدرا رئيسيا للإصابة بالأمراض المعدية.
ووصف أحمد عبد الله عمر، عضو المجلس المحلى لحى غرب، الوضع الحالى الذى تعيش فيه مئات الأسر من سكان المدينة بــ«المأساوى»، وأشار إلى إمكانية تسبب هذه المياه التى تجمعت منذ فترة طويلة أسفل المساكن فى انهيارها، واعتبر فى الوقت نفسه تهالك قوائم وخطوط شبكة الصرف سببا رئيسيا لاستمرار هذه المشكلة.
وطالب عبدالمنعم فهمى، رئيس لجنة شؤون البيئة بالمجلس، مسؤولى الإدارة الهندسية فى الحى بتكثيف عمليات المتابعة للقرارات الصادرة من اللجنة المكونة من كلية الهندسة، ومخاطبة مسؤولى شركة الصرف الصحى قى المحافظة بشأنها، لمعرفة أسباب تواجد هذه المياه أسفل بلوكات المساكن، والعمل على إيجاد حلول جذرية ومناسبة لها فى أسرع وقت.
وشدد فهمى على تكليف مسؤولى إدارة المتابعة الميدانية بالحى، لمراقبة الأعمال التى يجرى تنفيذها بمعرفة المقاول حتى يتم الانتهاء من إصلاح قوائم الصرف وغرف التفتيش الموجودة بها، بالاضافة إلى التأكد من رفع جميع المخلفات الناتجة عن هذه الأعمال، فضلا عن مخاطبة إدارات التطهير المركزى والشؤون الصحية بتكثيف حملات الرش والتطهير داخل شوارع المدينة للقضاء على الحشرات والروائح الكريهة.
من جانبه، قال اللواء محمد الجندى، رئيس حى غرب، إن السبب الرئيسى لاستمرار المشكلة وتفاقمها هو السلوكيات الخاطئة لسكان المدينة سواء فيما يتعلق بإلقاء القمامة والقاذورات داخل مواسير الصرف، أو قيامهم بسرقة القوائم الجديدة التى تم تركيبها خلال عملية التجديدات التى تم تنفيذها- حسب تأكيده.
ونفى الجندى وجود تقصير من جانب مسؤولى الحى أو تباطؤ فى عملية تلقى الشكاوى الخاصة بتجمعات المياه الراكدة أسفل مساكن المدينة، واعتبر فى الوقت نفسه مشكلة المياه الجوفية «عامة» فى جميع المحافظات ومختلف أحياء المدينة، وليست مقصورة- حسب قوله – على منطقة معينة أو حى غرب بصفة خاصة.
وأرجع رئيس الحى، أسباب تراكم المخلفات الصلبة خلف بلوكات المدينة الى وجود تقصير من جانب شركة النظافة فى عملية إزالة هذه المخلفات، رغم كثرة المخاطبات التى وجهت إليها من الأهالى فيما يتعلق بهذا الشأن.
فى المقابل، أكد المهندس محمد بهجت عبد المنعم، رئيس مجلس إدارة شركة الصرف الصحى بالمحافظة، أن جميع المشكلات التى تعانى منها مدينة العرائس ليست لها علاقة بشبكة الصرف، وأن السبب الرئيسى لهذه المشكلات هو ارتفاع منسوب المياه الجوفية بها، وهو ما أثبته التقرير الصادر عن اللجنة الهندسية التى أجرت معاينة للمدينة منذ فترة – حسب قوله.
وأوضح عبد المنعم، أن الشركة مستمرة فى الالتزام بدورها فى إزالة وشفط تجمعات المياه الموجودة أسفل البلوكات، على الرغم من مخاوف كثيرة انتابت الأهالى فى الفترة الأخيرة، بسبب ترويج البعض فكرة تهالك وتآكل أساسات جميع بلوكات المدينة بفعل المياه الراكدة أسفلها منذ سنوات طويلة، مما يهدد بانهيارها فى أى لحظة بشكل مفاجئ، فضلا عن استمرار شكاواهم من انتشار الحشرات والبعوض والروائح الكريهة فى أنحاء المدينة، والتى ساعدت بدورها على انتشار الأمراض المزمنة والمعدية بينهم.
وحول تأثير ارتفاع منسوب المياه الجوفية ومياه الصرف الصحى على مبانى المدينة، أوضح الدكتور عادل الكردى، عميد كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، أن درجة خطورة تواجد هذه المياه تزداد فى حالة وجود أدلة مؤكدة تثبت إنشاء أساسات هذه المبانى على سطح التربة دون الالتزام بإجراء دراسات علمية وهندسية صحيحة أو كاملة لها، نظرا لإمكانية تسببها فى إحداث هبوط حاد بها يترتب عليه انهيارها بشكل كامل – حسب قوله.
وأضاف الكردى: «من المتعارف عليه علميا أن المياه الجوفية تتواجد على أعماق بعيدة عن سطح الأرض، وهو ما يجعل عملية إجراء دراسات هندسية معينة لقياس منسوب هذه المياه أمرا ضروريا، خاصة عند تصميم وتنفيذ المشروعات السكنية الكبيرة وذلك تجنبا لجميع المخاطر التى تنشأ عنها مع مرور الزمن».
وحول خطورة الأوضاع الحالية التى يعيشها سكان المدينة، خاصة من يقيمون فى الأدوار الأرضية، على الصحة العامة للمواطنين والأطفال، أكد الدكتور محمود ابراهيم محمود، أستاذ الأمراض الصدرية بكلية الطب جامعة الاسكندرية، أن التعرض المستمر للروائح الكريهة المنبعثة من مياه المجارى المختلطة بالقاذورات والمخلفات الآدمية، بالإضافة الى الأدخنة الناتجة عن عمليات حرق أكوام القمامة يزيد من نسبة الإصابة بأمراض الربو والحساسية لدى الإنسان.
وحذر أستاذ الأمراض الصدرية من إمكانية انتشار الأمراض المعدية خاصة التيفويد والنزلات المعوية الحادة وأمراض الصيف بين أهالى المدينة، نتيجة استمرار تواجد الحشرات والبعوض والفئران التى تعد – حسب قوله – مصدرا رئيسيا للإصابة بها.