تدرك الإدارة الأمريكية أن أي تحرك عسكري واسع للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلنطي (ناتو) في أفغانستان يتطلب استشارة المسئولين المدنيين والعسكريين في باكستان، وهو ما اتفق عليه الجانبان في محافل دبلوماسية كثيرة وتحديداً بعد الإعلان عن الاستراتيجة الجديدة في العلاقة بين البلدين والتي تستند على بناء خريطة طريق للتعاون الثنائي، سواء في الحرب على ما يوصف "الإرهاب" أو في مساعدة باكستان للقضاء على أزماتها في القضاعات المدنية المختلفة.
جعلت خريطة الطريق هذه المسئولين الأمريكيين يكنون لباكستان اهتماما كبيراً يفوق أي حليف آخر، لدرجة أن عزل الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» قائد القوات الأمريكية «ستانلي ماكريستال» من منصبه وتعيين قائد القيادة الوسطى للجيش الأمريكي «ديفيد بترايوس» بدلاً منه تطلب عودة المبعوث الأمريكي لدى باكستان وأفغانستان «ريتشارد هولبروك» من كابل إلى إسلام أباد مجدداً رغم أنه لم يكمل على مغادرته إسلام أباد 48 ساعة.
هذه الزيارة الطارئة علق عليها الخبير في العلاقات الأمريكية-الباكستانية والكاتب الصحفي «جاويد صديق» لـ «المصري اليوم» قائلاً، إنها تعزز موقف إسلام أباد وتظهر إدراك واشنطن لأهمية الدور الباكستاني في انتشالها من المستنقع الأفغاني.
كما جاءت الزيارة لنيل ثقة المسئولين المدنيين والعسكريين في إسلام أباد بعد أن التقى المبعوث الأمريكي قائد أركان الجيش الباكستاني «بريوز أشفاق كياني»، والرئيس «آصف علي زرداري»، لاطلاعهم على آخر المستجدات في البيت الأبيض فيما يتعلق بأفغانستان.
وأضاف «جاويد صديق» أن أمريكا أصبحت تدرك أن الحسم العسكري في أفغانستان لصالحها بعيد المنال، لذلك فإن التركيز في المرحلة القادمة سينصب على إيجاد حل بديل، وإن كان يتمثل في الحوار مع قادة "طالبان"، الذي لم تكن لتحلم به أمريكا أن يحدث يوماً من الأيام، لكن إخفاقاتها الأمنية واقتراب موعد انسحاب قواتها فرض عليها واقع اختلف تماما عن حساباتها بداية اجتياحها لأفغانستان.
كما أن واشنطن ترى أن باكستان الجارة الوحيدة لأفغانستان التي تستوفي جميع الشروط التي قد تساهم في خلق أجواء مناسبة للحوار مع طالبان أفغانستان بحكم العلاقة الطويلة التي تربط بين باكستان وقادة "طالبان أفغانستان"، ابتداءا من الاحتلال السوفيتي لأفغانستان بداية الثمانينات وحتى هذه اللحظة، وأسهم في ذلك العادات والتقاليد واللغات المتشابة بين الشعبين.
أما الجنرال المتقاعد والخبير العسكري «طلعت مسعود» فقال لـ «المصري اليوم»، إنه بالرغم من أن القائد الجديد للقوات الأمريكية في أفغانستان «ديفيد بترايوس» سيحضر فريق عمله إلى كابل وسيحدث تغييرات في القادة العسكريين والمكاتب، لكن لن يكون هناك اختلاف في السياسة العامة للحرب الأمريكية في أفغانستان.
وأضاف أن وجود بترايوس الذي يملك علاقة وثيقة مع المسئولين العسكريين والمدنيين في إسلام آباد بسبب تردده المتكرر على المنطقة، سيمنح باكستان فرصة أكبر لنيل دور فاعل في حل المعضلة الأفغانية، وقد يساعد في ذلك عقلية بتراوس التي تميل نحو الحوار والتفاوض مع المسلحين في سبيل الخروج من أفغانستان، وهو ما لن يدع القيادة العسكرية الأمريكية الجديدة في كابل تتجاهل باكستان في هذا الشأن.
سياسياً، اكتفى وزير الخارجية الباكستاني «شاه محمود قرشي» برد مقتضب على سؤال «المصري اليوم» خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته الوزارة أمس، قائلاً، "إن ما حدث من تغيير في القيادة العسكرية الأمريكية في أفغانستان شأن أمريكي، والقرار صدر من البيت الأبيض ولا أملك تعليقاً على ذلك". وجاء ذلك رداً على سؤال حول ما إذا كان يرى أن لإقالة ماكريستال تداعيات مستقبلية للإستراتيجية الأمريكية خلال المرحلة المقبلة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب في أفغانستان وباكستان.