فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى انقسمت الساحة السياسية المصرية إلى تيارين، الأول هو الإسلام السياسى والثانى هو اليسار، غير أن تياراً ثالثاً كان يحرك الشعب بقوة أكثر، متمثلاً فى الفن الذى عانى شبه انهيار فى بداية ذلك العقد، وانتفض أواخره ليقدم سينما جديدة ترى السياسة بعيون الشعب.
كان الفنان الكبير عادل إمام وقتها هو رائد تلك المدرسة، خرج من عباءة الكوميديا ليكون الناطق الرسمى باسم مشاعر البسطاء ورؤية الفقراء وأحلامهم وطموحاتهم وأزماتهم.
وفيما كان القمع هو أداة السلطة فى مواجهة الشارع، لجأت سينما عادل إمام إلى السبيل السحرى لانتصار المواطن، ويجسد فيلم «سلام يا صاحبى» تلك القوة الهائلة الكائنة فى شخصية المصري، فهو الفقير الذكى الطموح الذى يواجه حيتان الفساد ويتحايل عليهم لينال نصيباً من خير بلده، وعندما يموت صديق البطل ينطلق عادل إمام للانتقام له من الفساد وأعوانه.
وأصبحت مدرسة الحل الفردى من جانب المواطن الفرد، معزوفة شديدة الخصوصية فى سينما الزعيم.. جعلته يحتل مساحة شاسعة من أحلام الفقراء الباحثين عن ذلك البطل الأسطورى شبيه على الزيبق وشيحة، فهو وحده الذى كان قادراً على الانتقام للفقراء المطحونين فى جميع نهايات أفلامه مادام المجموع نائماً أو خائفاً أو مقموعاً.
وتكرست صورة الفنان السياسى فى حقبة التسعينيات، عندما قدم عادل إمام سلسلة من الأفلام والمسرحيات التى تناولت القضايا السياسية، بدأها بـ«اللعب مع الكبار» و«الإرهاب والكباب» و«الإرهابى» و«طيور الظلام»، وواصل جهده فى الألفية الجديدة بنفس الحماس وبنفس الرؤية التى تحكمه.. رؤية فنان الفقراء.
فى فيلم «النوم فى العسل» نظم عادل إمام أول مظاهرة شعبية إلى مجلس الشعب، وضع الناس فى مواجهة نوابه وحكومته، بصرختهم الشهيرة "آه".. كان هذا قبل نحو 15 سنة.. والآن ظهر صوت الشعب يصرخ صرخات مماثلة على رصيف الشعب.. «آه».. عن هذه الصرخة وعن الحكومة والمعارضة والبرادعى وعن الناس وعن مصر.. سألنا الزعيم:
■ أخبار البلد إيه؟
- استغرق فى ضحكة طويلة قبل أن يجيب: أعلم أنك سوف تسألنى عن البرادعى.. قرأت له تصريحاً مؤخراً فى صحيفة «الأحرار» قال فيه إنه «زعيم وطنى مثل غاندى ومارتن لوثر». والسؤال الذى دار فى ذهنى وقتها: هل يعلم البرادعى ماذا فعل غاندى عندما كان فى جنوب أفريقيا وكيف ذهب إلى الهند؟ وكيف استقبله الإنجليز استقبال الأبطال عندما سافر إلى إنجلترا، وعندما وقف أمام المحكمة قال القاضى: «فلنقف جميعاً احتراماً لهذا الرجل»، ثم أصدر حكماً ضده، لذلك أحتفظ فى مكتبى بتمثالين لشخصين ضعيفى البنية لكنهما عظيمان جداً، هما «غاندى وشارلى شابلن».. أقصد أنه إذا كان تصريح البرادعى صحيحاً فأنا أنصحه بأن ينتقى ما يقوله، وإلا سيصبح الأمر كوميدياً، فمانديلا مثلا لم يجرؤ أن يقول إنه مثل غاندى، والوصول إلى كرسى الرئاسة لا بد أن يكون عن طريق الدستور، لا عن طريق زيارة المساجد ودور العبادة.
■ لكن البرادعى وعدداً من رموز المعارضة يرون أن الدستور ليس قرآناً ومن الممكن تعديله؟
- لا مانع، والرئيس مبارك قدم خطوة أعتبرها من أعظم الخطوات منذ عهد محمد نجيب إلى الآن، وبالتحديد فى انتخابات 2005 بعد التعديلات الدستورية التى أجراها، وبموجبها أصبح متاحاً لأى شخص أن يرشح نفسه أمام رئيس الجمهورية، وأعتقد أن ذلك خطوة مهمة للغاية، خاصة أننا غير متمرسين على الديمقراطية مثل أوروبا وأمريكا، والديمقراطية تعنى تداول السلطة وتستدعى وجود حزبين أو ثلاثة تتداول السلطة فيما بينها مثل إنجلترا التى يوجد فيها حزبان: «المحافظين والعمال»، وأحيانا يدخل حزب «الأحرار» فى المنافسة، وأمريكا فيها حزبان «الجمهورى والديمقراطى» وهناك أحزاب لا نسمع عنها، والمستقلون فى كل دولة يطرحون شروطاً قبل خوض الانتخابات، فمثلا فى فرنسا لابد أن يجمع المرشح 50 ألف توقيع ليتمكن من الترشح للانتخابات، والمواطن الفرنسى يعلم جيداً قيمة توقيعه.
■ أليس من حق المعارضة أن تفكر فى تطبيق الفكر نفسه فى مصر؟
- الوضع فى مصر مختلف، فأنا مثلا أستطيع الخروج إلى الشارع الآن وأجمع مليون توقيع. هناك أحزاب فى فرنسا مثل حزب «لوبان» وهو يمينى متطرف حصل على 27 كرسياً فى الجمعية الوطنية وأصاب الناس بالصدمة على الرغم من أنه فعل ذلك بالطرق الديمقراطية، والمشكلة تكمن فى أنه متطرف جداً وكان نجاحه النسبى مؤشر خطر. وسأضرب مثلاً آخر يخص مشكلة المآذن فى سويسرا إذ لم يصدر قرار أو فرمان من الحكومة لكن السلطات هناك أجرت استفتاء وكانت النتيجة متقاربة جداً بين المؤيد والمعارض، وهذا لم يعجب المسلمين الذين فكروا فى حرق السفارات وغيره من ردود الأفعال.
■ أنت إذن تتحدث عن الاختلاف بيننا وبين الغرب فيما يتعلق بطرق إصدار القرارات وطرق تعبير الشعب عن رأيه؟
- نعم.. فهناك اختلاف كبير بيننا وبينهم.. عندما تعرضت إسبانيا لضربة إرهابية استهدفت مترو الأنفاق راح ضحيتها 200 فرد، خرجت مظاهرة مكونة من 3 ملايين شخص قالوا كلمة واحدة «العار»، ولم يحرقوا مساجد أو سفارات ولم يفعلوا شيئاً، وكان تصرفنا مناقضاً تماماً فى أزمة الرسومات المسيئة للرسول، إذ انطلقت الدعوات للهجوم على السفارة الدنماركية وغيرها من ردود الفعل العنيفة، ووقتها قال السفير الدنماركى: رئيس الحكومة لا يستطيع أن يقول لرئيس تحرير هذا خطأ، أو يمنعه من الكتابة طبقاً لقواعد الديمقراطية عندهم، فهل من الممكن أن نصل إلى هذه النوعية من الديمقراطية، هل تستطيع أن تجيبنى؟ بالتأكيد نحتاج إلى سنوات طويلة حتى نصل إلى هذه الحالة.
■ الديمقراطية تعنى تداول السلطة.. هل يوجد تداول سلطة فى مصر؟
- لا.. لأن الأحزاب ضعيفة.
■ من وجهة نظرك ما سبب ضعفهم؟
- هم السبب، ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أحزاباً ضعيفة لأن الحكومة هى التى صنعتهم بالتحديد منذ عهد الرئيس السادات لخلق نوع من الديمقراطية، وعندما وصل توزيع جريدة «الوفد» إلى 160 ألف نسخة قال السادات «مفيش ديمقراطية».. باختصار الديمقراطية لا تأتى بقرار وهى ليست لعبة بل نظاماً اجتماعياً، وفى رأيى أنه لا مفر من الحوار بين الحزب الوطنى والأحزاب الأخرى والقوى السياسية والمثقفين والأدباء.
■ ما رأيك الشخصى فى البرادعى.. وهل يمثل فعلاً ظاهرة سياسية؟
- ليس ظاهرة.. فما يقوله البرادعى حاليا يقال منذ زمن طويل.. بالمناسبة، اندهشت أيضا من تصريح آخر أطلقه مؤخرا قال فيه «أنا أشهر مصرى فى العالم».. هذا كلام غريب ومضحك، حتى لو كان الأشهر فلا يصح أن يقول ذلك مع احترامى الكامل، وليس منطقياً أن يكون هناك شخص واحد يقود المسيرة. لابد أن نشارك جميعاً، فالديمقراطية نظام اجتماعى يجب أن يكون فى كل مكان: المنزل والمدرسة والمؤسسات، وأعتقد أن هذا لن يحدث إلا من خلال الشارع وتنظيمه، نحتاج فعلا أن نتعلم بعض البديهيات تبدأ من: كيف نقف فى طابور ولا تنتهى بكيفية تنظيف الشارع.
■ ألا ترى أنه أمر غريب أن نتحدث الآن عن تعليم الشعب؟
- ليس غريباً، فالشعب بالفعل يحتاج أن يتعلم أشياء كثيرة، ولا أعتبر ذلك مسؤولية الحكومة وعددنا وصل 80 مليوناً فكيف نستطيع ذلك؟ هناك من يظن أن مصر غنية جداً، وربما يكون العكس صحيحاً.. والبعض ينظر إلى نهر النيل ويتصور أن الماء موجود بكثرة رغم أننا من أفقر بلاد العالم فى الموارد المائية، وفى الوقت نفسه نهدر الماء ومن الممكن أن نترك «سيفون» يسرب ماء لأكثر من 3 سنوات، لذلك لابد أن تكون هناك شدة فى التعامل مع من يخالف بغرامة «توجع».
■ تقصد أن من ينفذ القانون يجب أن يكون صارما؟
- نعم، فنحن ليست لدينا ثقافة إحساس، فمثلا عسكرى المرور يعلم جيدا أنه سيخدم لمدة 3 سنوات ثم يعود إلى بلده، ويتقاضى 60 جنيها فى الشهر بمعدل 2 جنيه فى اليوم، بالرغم من أنه يتقاضى 20 جنيها يوميا عندما يعمل فى الأرض، وعامل النظافة يحمل «المقشة» وطوال العام يقول «كل سنة وأنت طيب يا باشا»
■ هل البرادعى قادر ومن معه على الضغط لتغيير الدستور؟
- المفروض أن أيمن نور وحمدين صباحى من ضمن فريق البرادعى الذى يسعى إلى تكوين منظومة تهيئة الناس لاستقباله رئيسا لكن فجأة كل واحد رشح نفسه للرئاسة، والسؤال هنا: لماذا يترك شخص مرشح الرئاسة البلد ويسافر كل فترة بسيطة، المفروض يستقر فى مصر حتى نعرفه عن قرب، لأننى لا أعرفه وليس كل عالم يصلح أن يكون رئيسا للجمهورية، أينشتاين مثلاً رفض أن يكون رئيساً لإسرائيل، وزويل يفيد فى المعمل أكثر من الرئاسة.
■ بماذا إذن تفسر التفاف 3000 إخوانى حول البرادعى فى الفيوم؟
- مع احترامى للأرقام، عندما أعلن البرادعى خبر زيارته للفيوم، من الطبيعى أن يخرج الشباب حتى يشاهدوا الشخصية التى أثارت ضجة مؤخرا، ولا يعنى هذا أنهم مقتنعون به، «وماتحاولش» تقنعنى أن 3000 شخص فى الفيوم يؤيدون البرادعى. ونفس هذا المشهد حدث عند وصوله مطار القاهرة فى أولى زياراته لمصر بعد إعلانه الترشح، حيث خرج من صالة الوصول، فالتف حوله عدد من أصدقائه، وتصادف وجود أهالى المسافرين فى الصالة وتسببوا فى تكدس وزحام رغبة منهم فى معرفة سبب الضجة.
■ كيف ترى اللقاء الذى جمع البرادعى بسعد الكتاتنى رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان؟
- لو كان الإخوان «هينفعوا» البرادعى كانوا نفعوا نفسهم.
■ إذن.. لماذا لجأ إليهم؟
- سأقولها وعوضى على الله «انتهازية سياسية»، يستغل قوتهم فى الشارع، وأنا هنا أسأل البرادعى الموظف الدولى الكبير الذى عاش فى النمسا: هل أنت مقتنع بفكر الإخوان، وهل تعتبر أن الدين وسيلة وليس غاية؟
- يمكنكم قراءة نص الحوار كاملا في النسخة المطبوعة