يواجه العلماء والسلطات الصحية في أوروبا اتهامات وتساؤلات غاضبة حول تسبب أنفلونزا H1N1 في الموت والدمار على نطاق كبير بشكل كان يُخشى منه في البداية، وتتطاير الاتهامات في وسائل الإعلام البريطانية والفرنسية بأن الباحثين في مجال الطب "بالغوا في الدعاية" للوباء لتعضيد موقفهم وزيادة المنح البحثية وملء جيوب شركات الأدوية.
حتى تساءلت صحيفة اندبندنت البريطانية هذا الأسبوع قائلة "وباء! أي وباء؟"، ويتوخى العلماء الحذر الشديد في ردهم، ويقولون أنه على الرغم من أن الفيروس ليس حاداً فانه يمكن أن يسبب الوفاة، وأن إنخفاض عدد الوفيات نسبياً في أوروبا يرجع جزئيا إلى الاستجابة الرسمية لنصائحهم.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن فيروس H1N1 يصيب الشبان في العشرينات والثلاثينات من العمر، والأطفال، وأن عدد الوفيات التي تم إحصاؤها على مستوى العالم حتى الآن يتجاوز الستة آلاف شخص.
في حين أن الأنفلونزا الموسمية تهاجم نحو 20 % من السكان في المتوسط في العام، ويقدر خبراء أنه حتى في بريطانيا التي هي أكثر دول أوروبا تضررا حتى الآن أصيب أقل من 10% من الشعب بأنفلونزا الخنازير.
وقال «فريد هايدن» منسق أبحاث مكافحة الأنفلونزا في مؤسسة (ولكام تراست)، والخبير السابق في منظمة الصحة العالمية، أن التخطيط المبكر يؤتي ثماره لكنه أضاف "لا أصف هذا بوباء غير حاد على الاطلاق .. نشهد خسائر مؤسفة للغاية في الأرواح .. اعتقد أنه من السابق لأوانه إصدار هذا الحكم."
غير أن تعبير "غير حاد" يستخدم كثيراً في وصف أثر H1N1 على معظم الناس، مما يدفع الجماهير المتشككة إلى التساؤل عن ما تدور حوله كل هذه الجلبة. ولماذا يكترثون؟ ولماذا يتلقون التطعيم؟
وكتبت صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية عنوانا قالت فيه "أنفلونزا الخنازير.. لماذا لا يثق الفرنسيون بالتطعيم؟"، وأشارت إلى فجوة بين الأثر المتوقع للأنفلونزا والواقع الأقل دراماتيكية. وقالت "على الرغم من وفاة أكثر من 30 شخصا.. فان المرض ليس مخيفا بالفعل".
وتعتبر "الصلات الوثيقة والخطيرة بين خبراء معينين ومعامل والحكومة وغموض العقود بين الحكومة ومؤسسات المستحضرات الطبية زادت من الشكوك." ففي بريطانيا خفض العدد الذي كانت السلطات الصحية قد تكهنت به في حالة أسوأ السيناريوهات مرتين وكان قد تصور أن 65 ألفا سيموتون بأنفلونزا وتدور التكهنات الآن حول ألف حالة وفاة تقريبا وهو عدد أقل كثيرا من متوسط عدد الوفيات السنوية بالأنفلونزا الموسمية التي تصيب الناس في فصل الشتاء والذي يتراوح من أربعة الى ثمانية الاف.
ودعت مجموعة من العلماء البارزين الى عقد مؤتمر صحفي في العاصمة البريطانية لندن هذا الأسبوع للإعلان عن تمويل جديد قيمته 7.5 مليون جنيه استرليني (12.4 مليون دولار) لكن الصحفيين سطوا على خططهم حين سألوهم عن السبب في أن الوباء ضعيف للغاية.
ويقول بعض العلماء في الحقيقة أنهم لا يستطيعون الفوز في هذه المجادلة. وكانت منظمة الصحة العالمية تحث الدول على الاستعداد لوباء الأنفلونزا منذ عام 1997 حين أصابت أنفلونزا الطيور 18 شخصا في هونج كونج ولم تتوقف إلا بعد عمليات إعدام بالجملة للطيور.