تأتي زيارة الرئيس محمد مرسي إلى البرازيل، في الفترة ما بين 7 و9 مايو 2013، والتي تعد الأولى من نوعها، لتلقي الضوء على واقع العلاقات بين مصر وإحدى أهم القوى التنموية الصاعدة في دول أمريكا اللاتينية.
وتهدف زيارة الرئيس مرسي للبرازيل إلى تحقيق العديد من الأهداف على رأسها الاطلاع على التجارب البرازيلية الناجحة في الكثير من المجالات، والتي نقلت هذه الدولة من إحدى الدول المتخلفة إلى دولة تحتل المرتبة السادسة على مستوى العالم في قوتها الاقتصادية، حيث تمتلك نحو 180 مليون هكتار من الأراضي الرعوية، وتبلغ مساحة رقعتها الزراعية 50 مليون هكتار، ويصل حجم قواها العاملة إلى 95 مليون عامل، فقد حققت البرازيل خلال السنوات الأخيرة نهضة في الكثير من المجالات.
ويشمل برنامج زيارة الرئيس مرسي إلى البرازيل زيارة إلى هيئة البحوث الزراعية البرازيلية «إمبرابا» والتعرف على تجربة البرازيل في التنمية الزراعية، كما يستمع إلى عرض حول تجربة البرازيل في البرامج والتنمية الاجتماعية من خلال عرض يقدمه مجموعة من كبار المسؤولين البرازيليين عن هذه البرامج.
فعلى صعيد العلاقات السياسية بين البلدين، شهدت حقبة الستينيات من القرن العشرين، توترًا نتيجة التقارب المصري السوفيتي من أجل الحصول على دعم مادي لبناء السد العالي، في حين اتجهت البرازيل إلى الحليف الغربي، واستمرت القطيعة بين البلدين حتى الثمانينيات، حيث بادر وفد تجارى مصري بزيارة البرازيل في 7 مارس 1985 حيث تم توقيع اتفاقية إنشاء اللجنة المشتركة بين مصر والبرازيل في برازيليا، والتي تهدف إلى تشجيع تبادل الاتصالات والمعلومات والزيارات والبعثات فيما بين البلدين، وفي 2004 قام رئيس البرازيل «لولا دى سلفا» بزيارة مصر ضمن الاتفاق حول أطر مجموعة دول الـ 77.
وعلى المستوى الاقتصادي، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين وفق ما ذكرته الغرفة التجارية العربية البرازيلية بنسبة 38.9% خلال عام 2011، ليتجاوز 2.96 مليار دولار أمريكي، وارتفع حجم الصادرات البرازيلية لمصر لـ2.6 مليار دولار أمريكي، أي بزيادة قدرها 33.3% مقارنةً بعام 2010، بينما بلغت قيمة الواردات البرازيلية من مصر 344.72 مليون دولار أمريكي خلال الفترة ذاتها، بنمو يبلغ 104% ويشير هذا إلى أن التبادل التجاري في صالح البرازيل.
وتعد البرازيل أحد النماذج التنموية البارزة في العالم التي استطاعت التحول من أزمتها المالية والسياسية في الثلاث حقب الأخيرة بالقرن العشرين، لتصبح إحدى أهم القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم، فخلال فترة السبعينيات من القرن العشرين، تبنت الحكومات العسكرية البرازيلية سياسات رأسمالية في صالح رجال الأعمال وأصحاب الشركات، دون الاهتمام بالطبقات الفقيرة، واتبعت سياسة الاقتراض من الخارج، الأمر الذي أدى إلى وقوعها في أزمة الديون في الثمانينيات، وخلال حقبة التسعينيات بدأ الجيش يتراجع عن الحياة السياسية ويعود إلى ثكناته، وتم الانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة مدنية منتخبة، انتهجت سياسة الانفتاح الاقتصادي والخصخصة، وأدت هذه السياسات إلى مزيد من البطالة وتراجع حاد في الإنتاج المحلي، وتراجع معدلات التصدير وارتفاع معدلات الفقر التي كانت مرتفعة.
وتنامت المشكلات الاقتصادية كمشكلة انخفاض قيمة الريال البرازيلي أمام الدولار الأمريكي، والتضخم وارتفاع مستويات الدين العام سواء الخارجي أو الداخلي وضعف معدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة والفقر. بالإضافة إلى مشكلة النقص الحاد في توصيل الكهرباء إلى مساحات كبيرة من البلاد، كما تعاظمت المشكلات الاجتماعية كمشكلة التسرب من التعليم وتردى أحوال المدارس، وانتشار الجريمة المنظمة والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع.
ومع نهاية 2002، تولى الحكم مرشح اليسار ورئيس اتحاد النقابات العمالية، لولا دي سيلفا، وقامت الحكومة باتباع عدة برامج من أجل التخلص من أزمة الديون وتحقيق تنمية اقتصادية شاملة، في دراستها حول تجربة النمو الاقتصادي في البرازيل، كالتالي:
1- سياسة التقشف، باعتبارها الحل الأمثل لحل المشكلات الاقتصادية، وأدت هذه السياسة إلى القضاء على انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي إذ أدت إلى خفض عجز الموازنة وارتفاع التصنيف الائتماني، كما تلقت البرازيل نحو 200 مليار دولار استثمارات مباشرة من 2004 حتى 2011، وقد أدت هذه الاستثمارات إلى رفع الطاقة الإنتاجية للدولة وتوفير فرص عمل جديدة.
2 - تغيير سياسة الإقراض، من خلال توفير تسهيلات ائتمانية وخفض سعر الفائدة من 13.25% إلى 8.75 % وهو ما سهل الإقراض بالنسبة للمستثمرين الصغار، ومن ثم أدى ذلك إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة، وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية والنمو وهو ما ساهم بشكل عام في حل مشكلة الفقر.
3 - الاستفادة من الموارد الطبيعية، فتمتلك البرازيل عوامل مساعدة كالمناخ والأراضي والأنهار والهطول المطري، مكنتها من إنتاج محاصيل زراعية غير متوفرة في بلاد أخرى ويزداد الطلب عليها، كالبن، بجانب امتلاكها ثروات معدنية ونفطية هائلة.
4 - التوسع في الصناعة بشقيها: البسيطة القائمة على المواد الخام مثل تعدين المعادن والصناعات الغذائية والجلدية والنسيج، والصناعات التقنية المتقدمة، كصناعة السيارات والطائرات.
5 - القطاع السياحي، فالبرازيل تمتلك قدرات طبيعية من غابات وشواطئ وجبال مكنتها من اجتذاب السياح إليها.
6- مشكلة الفقر، من خلال الإعانات الاجتماعية ورفع مستويات الدخول، واستمر اتباع سياسة الإعانة المعروفة بـ بولسا فاميليا، وهي السياسة التي تم اتباعها في عهد «كاردوسو»، واستمرت في عهد «سيلفا»، وتقوم على أساس إعطاء معونات مالية للأسر الفقيرة بقصد رفع مستواها وتحسين معيشتها، وبلغ عدد المستفيدين نحو 11 مليون أسرة، بما يعادل حوالي 33% من الشعب البرازيلي.
7 - الاندماج في التكتلات الاقتصادية، من خلال منظمة «الميروكسور» التي تعد السوق المشتركة لدول الجنوب وتشكلت باعتبارها اتفاقية للتجارة الإقليمية بين كل من البرازيل والأرجنتين وباراجواى وأوروجواى في 1991، وتعد الآن رابع أكبر قوة اقتصادية في العالم، بجانب مجموعة البريكس، وهي تجمع لخمس دول تعد صاحبة أكبر اقتصاديات على مستوى الدول النامية.