فى ظل المنافسة العالمية الشرسة فى مجال التكنولوجيا التى استطاعت أن تتجاوز الحدود بين البلدان، بفضل سوق الإنترنت الواسعة، التى أتاحت الفرصة لظهور العقول والكفاءات المتميزة فى مجال تطوير البرمجيات، ظهرت شركة فيموف «Vimov» المصرية، كتجربة رائدة استطاع أصحابها أن يثبتوا أنفسهم فى مجال تكنولوجى حديث عالمياً، وهو مجال تطوير برمجيات الكمبيوتر اللوحية «آى باد» والهواتف الذكية «آى فون»، إذ نجحت الشركة التى أسسها 3 من الشباب خريجى هندسة الحاسبات بجامعة الإسكندرية، خلال فترة لم تتجاوز العامين منذ بداية تأسيسها، فى تطوير تطبيقات خاصة لمنتجات شركة أبل «Apple» العالمية، تصدر أحدها قائمة أبل للأكثر تحميلاً بين أدوات مطورى البرامج لجهاز «آى فون»، بينما استطاع تطبيق آخر لجهاز «آى باد» أن يحتل مكانة كبيرة فى الوصول إلى المركز الثالث على قائمة «أبل» لأكثر تطبيقات «آى باد» مبيعاً فى العالم بين آلاف البرامج والتطبيقات الخاصة، التى يقوم بتطويرها مبرمجون حول العالم لشركة Apple ويتم طرحها على شبكة الإنترنت للشراء.
بدأت التجربة، كما يحكيها الشركاء الثلاثة أسامة عبدالكريم وعمرو رمضان وإسلام المؤذن، الذين كان تعارفهم من خلال الجامعة وجمعتهم فكرة التحدى للمنافسة العالمية والطموح بعد تخرجهم فى الجامعة، حيث لم يشعروا بالرضا تجاه العمل النمطى فى سوق البرمجيات المصرية وقرروا أن يؤسسوا شركة خاصة بهم هدفها تطوير منتجات تكنولوجية للمنافسة فى الأسواق الأمريكية والأوروبية، والقصة يرويها أسامة عبدالكريم، المدير التقنى، أحد مؤسسى الشركة، قائلاً: «بعد تخرجنا فى الجامعة عام 2006 وجدنا العمل فى كل الشركات فى مصر عملاً نمطياً يقتصر على تقديم برامج لحساب الغير outsourcing مثل برامج محاسبات للشركات وقواعد للبيانات، وهو عمل مقصور على خدمة الجانب المحلى، بخلاف ما يحدث فى أوروبا وأمريكا مثلاً، حيث يتم إنتاج برامج يتم تسويقها لتباع فى العالم كله، ففكرنا فى إنشاء شركة خاصة بنا تقوم على ذلك المبدأ العالمى ووجدنا الأمر لا يحتاج لملايين الجنيهات أو خبرات هائلة بقدر ما يحتاج إلى القدرة على إنتاج برمجيات قوية، يمكن أن تجد مكاناً لها فى السوق العالمية، فأسسنا الشركة عام 2008 بتمويل ذاتى وقررنا أن نغطى نفقاتها عن طريق تخصيص نصف الوقت لإعداد برامج للسوق المصرية يمكن من خلالها توفير الدعم المالى، الذى يساعدنا فى تطوير منتجاتنا وتوفير الدعاية المناسبة لها».
وأضاف: «كان أول ما أنتجناه لعبة (آى فون)، حملت اسم طارد الأرواح (Exorcis) وكانت بالنسبة لنا تجربة مبدئية، ثم برنامج المحاكاة آى سيميوليت (I-simulate) وهو برنامج مخصص لمطورى برمجيات آى فون، وجاءتنا فكرته خلال رصدنا لاحتياجاتنا كمطورين، إذ إننا عادة كنا نجد صعوبة فى التعامل مع تحميل البرامج لتجربتها على الهاتف، ثم إعادة صياغتها، ففكرنا فى تطوير طاقم أدوات المطورين بحيث يكون مصمماً ليحاكى ما يقوم به المبرمج على الهاتف ويظهره على شاشة الكمبيوتر، مما يسهل عمل المطور، وقوبل البرنامج بعد طرحه على الإنترنت بكثير من الاستحسان واحتل المركز الأول بين البرامج الأكثر تحميلاً لمطورى آى فون، ثم تلاه تطبيق ويزر إتش دى (weather HD) وهو تطبيق خاص بأجهزة (آى باد) طرحته شركته قبل نزول الجهاز للأسواق فى أمريكا وأوروبا، وهو تطبيق يعرض حالة الطقس ودرجات الحرارة، فى أكثر من 150 مدينة حول العالم بطريقة مجسمة وجذابة، ورغم وجود ما يقرب من 600 تطبيق لمعرفة حالة الطقس الآن فى سوق أبل لـ(آى باد)، فإن البرنامج استطاع أن يتصدر قائمة برامج الطقس منذ أول يوم لطرحه، كما نجح فى الوصول إلى المركز الثالث، فى عدد التحميلات التى وصلت نحو 6000 تطبيق لأجهزة (آى باد)».
وعن سبب اختيار الشركاء للتخصص فى تطوير برمجيات الكمبيوترات اللوحية «آى باد» والهواتف الذكية «آى فون»، قال عمرو رمضان، المدير العام لـ«فيموف»: «سبب ذلك هو أن (آى باد) و(آى فون) بدآ ثورة فى «السوفت وير» على الموبايل وخلال السنتين الماضيتين حتى الآن لايزال يمثل أكبر سوق فى مجال البرامج على الموبايل، بينما أقرب منافس له هو «الأندرويد»، وعدد البرامج عليه أقل من 1/5 عدد البرامج على الجهاز «آى فون»، إلا أننا لم يكن يوجد ما يمنعنا من العمل على أجهزة أخرى وبالتأكيد عندما يبدأ الطلب على برامج للأجهزة الثانية سنتجه إليها، وبالفعل كانت لنا تجارب فى العمل على برامج أخرى مثل: «أندرويد» و«بلاك بيرى» و«نوكيا».
وعن القرصنة كأحد المعوقات التى يواجهونها كمطورين للبرامج يقول: «قرصنة البرامج موجودة بالفعل على «آى فون»، وبرغم أن برنامجنا «ويزر اتش دى» من أكثر البرامج المقرصنة على «آى باد» إلا أن هذه الظاهرة تحولت الآن إلى واقع يجب التعايش معه، بالتعامل مع الضرر المادى كجزء غير محتسب من حسابات ربح البرنامج، لكن بشكل عام فإن نسبة القرصنة فى أمريكا وأوروبا، السوق الخاصة بنا، ليست عالية مقارنة بأمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا».
وحول واقع شركات البرمجيات فى مصر والوطن العربى، قال رمضان: العدد الآن يعتبر قليلاً جداً ومقتصراً على عمل برامج موجهة للعرب وأخرى إسلامية، أما كفكر تكون البرامج موجهة للتسويق فى العالم كله ولا توجد شركات أخرى وإن وجدت فعددها ضئيل جداً، وهذا الأمر ليس مقتصراً على سوقى «آى فون» و«آى باد» فقط، لكنها للأسف موجودة فى سوق الكمبيوتر بصفة عامة، إذ تركز الشركات على البرامج لحساب الغير، لأنها فكرة مربحة والمخاطرة فيها أقل من البرامج فى حين أن سوق البرامج مربحة على المدى البعيد، فأنت من تصنع البرنامج ومن يتحكم به، مما يرفع من فرصة الربح فى حالة نجاح البرنامج ووجود تكالب على شرائه.
أضاف رمضان: ما نحتاجه حقاً هو وجود منافسين مصريين، يمكن أن يصنعوا مصداقية للسوق المصرية عالمياً، وهو ما يمكن أن يحدث طفرة حقيقية فى سوق البرمجيات فى مصر وسيعود علينا كشركة بالنفع، إذا استطاع أن يلفت أنظار العالم إلى ظهور سوق برمجيات مصرية تعمل بجدية وجودة عالية، فدون وجوده نعانى كوننا نحارب بمفردنا لكى نصنع اسمنا فى السوق العالمية، أما وجودنا ضمن سوق نحن جزء منها، فيؤدى بالضرورة إلى رفع كفاءتنا إذ إن صعوبة المنافسة والتحديات التى يخلقها وجود مجال جديد، تسهم فى ظهور كوادر لها طموحات وأحلام وخبرات وكفاءات أكبر فى هذا المجال، ولديهم طريقة جديدة فى التفكير، تهدف إلى تمثيل مصر فى السوق العالمية ومحاولة الوصول للصدارة فى مجالنا».
وعن إمكانية قبول الشركاء، لعروض للسفر للخارج والعمل ضمن الشركات العالمية، قال إسلام المؤذون، نائب الرئيس لتطوير المنتجات: الفكرة غير مطروحة فنحن منذ أن بدأنا لا يوجد بيننا من يبحث عن العمل فى شركة مثل «جوجل» مثلاً ولكن طموحنا أن نصنع أنفسنا عن طريق شركتنا الخاصة، التى تستطيع أن تنافس عالمياً ويرغب المطورون فى العمل بها، مثل جميع الشركات العالمية الكبرى.
حاول الشركاء الثلاثة تطوير شركتهم والاستعانة بشباب من مطورى المواقع، لكن المشكلة الأساسية هى قلة عدد المؤهلين للعمل فى هذا المجال، بسبب حالة الإحباط العامة وغياب الطموح لدى الشباب، وقال عمرو رمضان: العامل الأساسى فى النجاح هو أن تتجاوز حالة التظلم من الأحوال المحيطة بك وتكون لديك رغبة بداخلك لأن تصنع تأثيراً فى العالم عن طريق رؤية لما تريد وتخطط له، فالمشكلة الأساسية الآن هي، أن الوضع الطبيعى أصبح هو أن كل طالب يدخل الجامعة تتلخص كل أحلامه وطموحاته، فى أن ينجح فى الاختبارات حتى يتخرج ويبحث عن وظيفة يحصل منها على راتب ثابت ولا يوجد الآن من لديه الطموح والاستعداد للمخاطرة بفعل شىء جديد، مما ينتج فى النهاية أشخاصاً بلا خبرات حقيقية، لا يعرفون شيئاً عما يحدث فى العالم أو ما يدور من منافسات فى عالم التكنولوجيا، لأنه لم يقرأ أكثر من الكتب الدراسية خلال فترة الدراسة ولم يحاول اكتساب خبرات حقيقية فى مجاله أو حتى تحديث معلوماته لمعرفة تحديات المستقبل».
وحول الاستفادة التى حصلوا عليها من دراسة الهندسة قال: أفادتنا من الناحية العلمية، ولكن على الجانب الآخر لم نجد تشجيعاً من جانب الأساتذة، ومشكلة الجامعات المصرية، هى أن الفائدة من الكلية أصبحت مقتصرة على اكتساب العلم فقط، دون أن يكون لها دور فى خلق رؤية لدى الطلاب، تطور مستواهم وترتقى بهم وتشجعهم على أن تكون لهم طموحات وأحلام كبيرة لمستقبلهم.