أكد الكاتب الكبير يسري الجندي أن الثورة لم تكن من ضمن أهداف الإخوان، وأنهم لم يسعوا إليها، موضحاً أن كل ما يشغلهم حالياً هو السيطرة والاستيلاء على مؤسسات الدولة وليس تحقيق أهداف الثورة.
وقال يسري الجندي إنه لا يخشى من اتهام اليهود له بسبب مسلسله الجديد «خيبر» لأنه سبق اتهامه بهذه التهمة في شبابه، مشيراً إلى أنه على النخبة أن تترك الجلوس أمام الفضائيات، وتنزل للناس في الشارع. وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى أداء الإخوان فى الحكم؟
- على الإخوان أن يسألوا أنفسهم ما الذى يفعلونه فى مصر، فأنا أزعم أن الإخوان يكتبون نهاية الجماعة والحلم الذى راودهم منذ تأسيسها قبل حوالى 80 سنة، لكن للأسف رغم أن تاريخهم طويل، ويعتبر جزءاً من تاريخ الحركة الوطنية فإن أهدافهم سياسية، وليست دعوية كما يزعمون، وتعرضت لهذا الموضوع فى مسلسل «ناصر» الذى أصبح ممنوعاً من العرض فى التليفزيون المصرى، وكلنا نعرف أن تاريخهم محزن، لكن الشعب المصرى بعد الثورة وجد نفسه بين خيارين، فأحد المرشحين للرئاسة كان يمثل نظام مبارك، والآخر يمثل الإخوان، والناس اختارت الإخوان ليس حباً فيهم، ولكن رفضاً للنظام السابق، ثم بدأت تعرية هذا الكيان الذى كان البعض قد بدأ يتعاطف معه. وأعتقد أن الثورة لم تكن من أهداف الإخوان، وعندما قامت الثورة لم يهتموا بأهدافها، ولكنهم كانوا يسعون للسيطرة والاستيلاء على مؤسسات الدولة، والدليل على ذلك التدهور الذى يحدث على كل المستويات، ولست مع مقولة أن الثورة مثلما كشفت عن أفضل ما فى المصريين كشفت أيضاً عن أسوا ما فيهم، بل على العكس فالإخوان هم الذين جعلوا الناس يكفرون بالثورة حتى وصلنا إلى أن عدداً من البلهاء يطالبون بعودة مبارك.
■ لماذا لم يستغل الإخوان الفرصة، ويحاولون كسب تعاطف الشعب معهم؟
- لا أستطيع القول بأن هذا نوع من عمى البصيرة، فهم خارج العصر، ويتحركون، ويفكرون بمرجعية قديمة، ولو كان لديهم جوهر الدين الإسلامى الحقيقى، لكانوا تفاعلوا مع كل العصور، وكان أول نجاح يحسب لهم هو احتضانهم الأقليات، لكن للأسف ليس لديهم فكر أو تنوير. والموضوع بالنسبة لهم ليس ديناً، بل طموحاً سياسياً بحتاً، فهم لم يطوروا أفكارهم، ولم ينظروا للجانب الدعوى، لذلك أحترم السلفيين أكثر من الإخوان، لأنهم أصحاب موقف واضح وصادقون مع أنفسهم حتى لو كنت أختلف معهم، ولذلك عندما بدأ السلفيون فى كشف التواءات الإخوان اعترضوا عليهم، وتاريخ الإخوان يكشف عن أنهم يعملون بمنطق «اللى تكسبه العب به» والمسألة لا يحكمها مبدأ، بقدر ما تحكمها الغاية أياً كانت الوسيلة، فالجماعة لا تفكر إلا بمنطق المنفعة والوصول إلى الهدف بأسرع ما يمكن، بغض النظر عن الويلات التى يضج بها الشارع المصرى، لذلك هناك حالة ارتباك فى العقل العام المصرى، فهم أطفأوا التوهج الذى حدث خلال الـ 18 يوماً الأولى للثورة.
■ هل سيبقى الإخوان طويلاً فى الحكم، أم أن الشعب قادر على التغيير؟
- من البداية كنت على يقين أننا سنخرج من هذه الظروف وورطة الإخوان، لكن سندفع الثمن، وبالفعل ندفعه حالياً، وربما أخذنا وقتاً أكثر من المتوقع لكى نعبر هذه الظروف، لأن التحولات الكبيرة أو التحول النوعى لا يكون سهلاً، والتاريخ يقول إن هذه هى المرة الأولى التى يقوم فيها الشعب المصرى بثورة حقيقية، لكن الانحراف الشديد الذى حدث، وجعلنا لا نخرج من هذه الظروف بسرعة- يرجع إلى وجود عناصر انتهازية قفزت على المشهد، وهى عناصر الإخوان، خاصة أنهم الجهة الوحيدة التى كانت منظمة، لكن الإخوان بدأوا فى الفشل، وهناك نوع من الالتباس ومزيد من الأكاذيب وكلام ليس له رصيد، وأعتقد أنهم لن يستمروا طويلاً لأنهم فى النفس الأخير المتمثل فى الإعانات التى تأتى من الخارج، لأن كل هدفهم حالياً هو أن تمر مرحلة الانتخابات بأى شكل من الأشكال، فهم حالياً يراهنون على ذلك، لكن الإصلاح يحتاج لرؤية وهم يفتقدون لهذه الرؤية، لذلك أعتقد أن الإخوان لن يبقوا فى الحكم طويلاً، فهم حكموا على أنفسهم وعلى حلمهم القديم بالموت قبل أن يولد.
■ وما السبيل لخروج مصر من أزمتها الحالية؟
- خروج مصر من أزمتها الحالية يتوقف على الانتخابات البرلمانية القادمة، فيجب على النخبة أن تنتبه جيداً وأن تترك الجلوس أمام شاشات الفضائيات، فالكلام لن يأتى بنتيجة، وعليهم أن يتجهوا للناس بشكل حقيقى لرفع درجة وعيهم، فهذه معركتها الحقيقية، لأننا لن نستطيع التخلص من الإخوان إلا من خلال الانتخابات، فالإخوان يركزون على جر النخبة إلى حوار فارغ ليس له أهمية، ولذلك لابد أن ينزلوا للناس لكيلا يخضعوا مرة أخرى لكيس السكر وزجاجة الزيت، وربما ما حدث فى الفترة الأخيرة من نعم الله علينا لكى يعرف المواطن المصرى كيف يتخذ القرار الصحيح.
■ هل تؤمن بنظرية المؤامرة وهل هناك من يتآمر على مصر؟
- عدوك لا يستمد خططه أو قوته إلا من ضعفك وغياب وعيك، فمن الممكن أن تاتى المؤامرة بعد وقوعنا فى أخطاء، فكل ما كسبته إسرائيل حتى الآن قام على أخطاء النظم العربية، خاصة بعد أن تخلص الغرب من شخصيتين مهمين هما محمد على وجمال عبدالناصر، وبعد ذلك أصبحوا متربصين بنا حتى سنة 1967 لكن بعد انتصارنا فى حرب أكتوبر بدأوا يحتلون المنطقة بعد أن تعلموا درس البترول، وحاولوا جر المنطقة لاضطرابات متعددة، وأنا أوافق على أن هناك مؤامرة، لكننا جعلناهم يجيدون إحكام الحلقة حول رقابنا، وإسرائيل تلعب اللعبة بشكل صحيح، وهناك مؤامرات، ولو لم تكن من أجل قناة السويس أو البترول، لاختلف الأمر، لكن مصالح الغرب وإسرائيل تتجدد كل فترة، فهم حالياً يركزون على السيطرة على المناطق المهمة فى البحر لكن الموضوع ليس كله عبارة عن مؤامرة، لأن الثورات العربية لها ما يبررها، خاصة أن الوضع فى مصر كان قد وصل إلى الذروة ومبارك كان فى طريقه لتوريث الحكم.
■ ومن الذى ستوجه له كتب التاريخ أصابع الاتهام والإدانة؟
- الموضوع ليس موضوع إدانة، لأننا فى فترة صعبة ومعقدة، وجزء من الذى يحدث حالياً طبيعى، وأعتقد أن الذى سيبقى فى ذاكرة التاريخ هو الجيل الجديد، لأن المطلوب هو ميلاد مصر جديدة، والجيل الذى تم إقصاؤه من المشهد سيولد إلى جواره جيل جديد آخر سيتحمل للأسف تركة ثقيلة تركها مبارك، وهناك أشخاص سيكونون خارج التاريخ، وسيضيعون بالثمانين عاماً التى عملوا خلالها، وما يبعث على الأمل هو أننا لدينا جيل جديد لم يقم بدوره بعد، وهذا الجيل موجود فى النقابات والاتحادات الطلابية، وموقف من يطالبون بعودة مبارك يؤكد أن المشهد أصبح «فشنك» ولن تحسمه إلا نهاية حقيقية تزيل كل هذا العبث، وأن يخلق جيل جديد يتحمل المسؤولية، ومع احترامى لكل قيادات المعارضة، فالوقت لن يسعفهم، ولن يمنحهم الفرصة.
■ وماذا لو قامت ثورة أخرى؟
- لا نستطيع تسميتها ثورة أخرى، لكنها ستكون امتداد للثورة ودخولها بشكل جديد، وتؤكد أن الشعب قرر أن يكون صانعاً للقرار مثل كل شعوب العالم فى وقت لا يصح أن تندمج معها إلا بالديمقراطية، ومصر بالفعل دخلت هذا الإطار لأول مرة بثورة 25 يناير، وهنا لابد أن توجد ديمقراطية سياسية ليكتمل مفهوم الديمقراطية بمعناها السياسى الاجتماعى.
■ ألا تخشى أن يتهمك اليهود بمعاداة السامية بسبب مسلسلك الجديد «خيبر»؟
- اتهمت وعمرى 26 عاما بمعاداة السامية عندما كتبت مسرحية «ما حدث لليهودى التائه مع المسيح المنتظر»، فكتبوا أننى ضد السامية، وهم دائماً يلجأون لهذا الابتزاز الرخيص وحتى الآن يلعبون على نفس النقطة، والغرب يستجيب لهم، فهم يستحلون لأنفسهم وصف الإسلام بالإرهاب، وعندما نتعرض لهم بالكشف عن تاريخهم يتهموننا بمعاداة السامية.
■ ما سر حرصك على تناول اليهود فى عمل درامى فى الوقت الحالى؟
- هناك رسالة مهمة أريد توضيحها، وهى ألا نعطيهم الأمان، لأنهم طوال الوقت يغيرون فى أشكال مؤامراتهم علينا، فهم أينما حلوا حلت المؤامرات، وهذه هى القاعدة التى تحكم تاريخهم، وتتغير حسب العصر الذى يتواجدون فيه، ونريد ألا ننسى أنهم طوال الوقت يتحدثون عن السلام رغم أنهم لا علاقة لهم بالسلام، وما يحدث من حصار للوطن العربى لهم يد فيه، فهم لا يتركون سقطة إلا استغلوها وأشعلوها لخدمة مصالحهم، حتى وصلنا لما نحن فيه من تشرذم وأنظمة فاسدة، فإذا كان مبارك كنزاً استراتيجياً لهم، فإن ما نفعله حالياً يعطيهم ضمانات لم يكن مبارك يعطيها لهم، وتأجيل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة كان بسبب جلوس شخصية إسرائيلية مع الإخوان، حيث حصلوا على ضمانات تخص إسرائيل قبل وصول الإخوان للحكم.
■ كيف ترى المشهد الثقافى والفنى حالياً؟
- الثقافة والفن كانا مهمشين فى فترة مبارك، لكن حالياً هما أمام أبواب مغلقة، والرعب أصاب الفنانين والمبدعين فى الفترة الحالية، والموقف الذى يواجهه الفن حالياً ليس نتيجة أزمة اقتصادية فقط، ولكن هناك عطل ما حدث فى مجال الإبداع وصدمة حدثت فى مكان ما فى مخ المبدعين والفنانين، وأعتقد أن كل هذا سينتج عنه مناخ ثقافى وفنى جديد، لأن الإخوان جعلوا الفنانين يعرفون قيمة الفن ودوره، لأنهم أخذوا «على قفاهم»، وهذه فرصة لكى يعرفوا معنى الثقافة والفن الحقيقى، لأن الموضوع أصبح يخص حياتهم و«لقمة عيشهم».