متى ينزل الجيش؟.. السؤال المطروح فى الشارع الآن. سؤال لا يخلو أى مجلس أو حلقة نقاش منه. سؤال لم يعد محصوراً فى نطاق جغرافى معين، أو تطرحه فئة أو طبقة بعينها! الكل يتساءل، ويطرح رؤى وسيناريوهات وتصورات حول الأزمة التى تشهدها مصر الآن.. قبل أسابيع فجر عدد من العسكريين المتقاعدين مفاجأة بإعلانهم عن تأسيس حزب جديد. البعض اتهمهم بالتبعية للجيش، والبعض الآخر أبدى ارتياحه لهذه الخطوة.. اللواء عبدالرافع درويش، وكيل مؤسسى الحزب الجديد، الذى اختار اسماً مبدئياً له «الإرادة والبناء» أكد أن الجيش سيعاود النزول مع بوادر «الحرب الأهلية».
وقال فى حوار لـ«المصرى اليوم» إن الشعب المصرى وحده هو صاحب الشرعية، وهو القادر على التغيير فى أى وقت.. وإلى نص الحوار:
■ حزب الإرادة والبناء.. معظم مؤسسيه من العسكريين المتقاعدين.. لماذا اتجهتم إلى تأسيس حزب سياسى.. وماذا تتوقعون منه.. وما الفرق بينه وبين الأحزاب القائمة بالفعل؟
- حزب الإرادة والبناء قررنا تأسيسه قبل نحو عام من الآن، وكان هدفنا أن يكون الحزب رقم 1 فى مصر. لأننا وجدنا مصر كما هى بعد الثورة، لا شىء قد تغير.. الفقراء يأكلون من القمامة والطبقة الوسطى مهدرة حقوقها، ومنذ وصول الإخوان إلى الحكم تفاقم الوضع بشكل خطير لم يعد السكوت معه مجدياً.
■ مادام الهدف هو الإرادة والبناء.. لماذا الإصرار على تأسيس حزب سياسى.. لم لا تكون جمعية لتنمية المجتمع المحلى على سبيل المثال؟
- ما نهدف إليه يقتضى أن يكون من خلال حزب سياسى، فالإرادة لابد لها من قرار سياسى يحرك هذه الإرادة، فنحن لدينا القدرة على الإرادة والإدارة أيضاً، وبلدنا ملىء بمقدرات ومقومات، وحان الوقت لإعادة اكتشاف هذه المقومات.
■ ولكن أنتم كعسكريين سابقين لم تكن لكم ممارسات سياسية سابقة.. كيف ترى ذلك؟
- السياسة كما يعلم الجميع هى فن «الممكن»، وهى فى معجم اللغة العربية مشتقة من كلمة «يسوس» والذى يسوس يصبح مسؤولاً عن ستة أفعال رئيسية هى: توفير المأكل والمشرب والتأمين الطبى، والتدريب، والأمن، وقراءة واستطلاع المستقبل قدر الإمكان، وبالتالى فقيادة العمل السياسى لابد أن تعتمد على هذه العوامل الستة. ونحن نرى أن مصر الآن لا تحتاج إلى مجرد رؤى نظرية، ولكنها تحتاج إلى أفكار مخلصة قائمة على الصراحة فى المقام الأول.
■ ولكن لماذا اختيار هذا التوقيت على وجه التحديد لتأسيس حزب يضم العسكريين المتقاعدين.. أو ما يسميه العامة «حزب الجيش»؟
- أود أولاً أن أؤكد أننا لسنا «حزب الجيش» فنحن حزب مدنى لكل أبناء الوطن، ولكننا وجهنا الدعوة فى البداية إلى العسكريين المتقاعدين الذين هالهم ما يرونه الآن تحت حكم الإخوان المسلمين، وهم الذين قد حاربوا من أجل تراب هذا الوطن، وبعضهم ضحى بحياته فداء لمصر، والبعض الآخر مازال ينتظر.
■ وأين كنتم على مدى العامين الماضيين؟
- لقد كنت أشغل منصب أمين عام حزب «الثورة»، وأعلنت استقالتى منه على الهواء مباشرة بإحدى الفضائيات، وبعد استقالتى قررت اعتزال العمل السياسى نهائياً، ولكن بعض الأصدقاء تطرقوا إلى ضرورة تأسيس حزب جديد، وبالمناسبة فإن هذا الحزب ليس مقصوراً على الضباط المتقاعدين، كما يروج البعض، ولكن لكل العسكريين المتقاعدين من مختلف التخصصات.
■ ما طبيعة العلاقة بين الحزب والقوات المسلحة.. وهل تدعمكم بشكل أو بآخر؟
- علاقتنا بالقوات المسلحة واضحة تماماً، نحن أبناء لهذه المؤسسة العريقة التى هى من أقدم المؤسسات فى مصر. ولكن هذا لا يعنى أننا نتلقى دعماً منها، فنحن حزب مدنى نسعى لمجتمع مدنى، يقدر دور قواته المسلحة وتاريخها، ولا يقبل إهانتها أو الإساءة إليها، فنحن بمثابة «خط الدفاع الأول» عن الجيش المصرى.
■ وكم عدد التوكيلات التى حصلتم عليها حتى الآن؟
- حوالى خمسة آلاف توكيل، وسنقدمها إلى لجنة شؤون الأحزاب خلال أيام.
■ هناك سؤال يفرض نفسه الآن على الواقع المصرى: «متى ينزل الجيش؟»
- أنا لا أخفى سراً أننا عقدنا لقاءات مع قادة بالقوات المسلحة، وطرحنا هذا السؤال، الذى يدور فى الشارع الآن، وطرحنا كل ما يشغل فكر المواطن المصرى حالياً.
■ ماذا طلبتم على وجه التحديد؟
- نحن أسسنا جبهة تحمل اسم «طوق النجاة» وهى تابعة للحزب، وتسعى وفقاً لأهدافه، وملخص ما تسعى إليه هذه الجبهة هو العودة للعمل بدستور 1971، والإعلان الدستورى المكمل الصادر فى مارس 2011 ليكونا الأساس فى العمل خلال الفترة الحالية، وخلال مدة 60 يوماً سيتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا بحكم منصبة إدارة البلاد استعداداً لتسليمها إلى مجلس رئاسى مكون من خمسة أشخاص، وهم اثنان من خبراء الاقتصاد، وممثل للأزهر الشريف وآخر للكنيسة المصرية، إضافة إلى أحد العسكريين المتقاعدين، وفى خلال عام يتم انتخاب مجلس نيابى، ويتم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأعتقد أن فكرة المجلس الرئاسى هى فكرة ليست جديدة، وطرحتها النخبة السياسية الوطنية بعدة اتجاهات ورؤى، ولكن المبدأ لا خلاف عليه، لأننا أمام جماعة «محظورة» ظلت لسنوات طويلة ممنوعة من العمل السياسى، واضطرت لتأسيس حزب على أساس دينى، والدستور يمنع قيام أو تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وجلس على رأس هيكل هذا الحزب رئيس كان مقبوضاً عليه على ذمة قضية، ولم يقدم إلى العدالة، وهرب من محبسه، وأنا هنا لا أتهمه، فالقضاء وحده هو الذى يحدد إن كان مداناً أم لا.
■ ولكن رئيس الحزب هذا ترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، وقبلت اللجنة العليا للانتخابات أوراقه.. كيف؟
- هذه القضية تحتاج إلى تفسير كبير، فهناك نقاط مهمة مازالت غامضة، فمن الذى أصدر حكماً ببراءة المواطن محمد مرسى؟.. لا أعلم!
■ ولكن فى النهاية أصبح هذا «المتهم» سابقاً رئيساً للجمهورية.. ما رأيكم؟
- هذا ما دفعنا إلى أن نتحرك، فإهدار دولة القانون ليس سهلاً على دولة عرفت الدساتير قبل 150 عاماً، فقد حصن الرئيس قراراته مع الإعلان الدستورى، وهو الذى أقسم ثلاث مرات على أن يحترم الدستور والقانون، فإذا به أول من يعصف بمنصة القضاء.
■ نعود مرة أخرى لنزول الجيش.. ما النقاط الرئيسية التى تطرقتم إليها خلال لقاءاتكم بقادة القوات المسلحة؟
- كان هناك تأكيد من بعض قادة القوات المسلحة على ضرورة احترام الثوابت الوطنية والقادة السابقين للجيش.. لدرجة أن آخرهم قال لى: «نحن أبناء حسنى مبارك.. كما أنتم أبناء عبدالناصر.
أما عن «متى ينزل الجيش؟».. فأعتقد- من خلال ما لمسته عبر هذه اللقاءات- أن الجيش سينزل عندما تمتلئ الميادين فى مصر بعد أن يفيض الكيل من سطوة فصيل معين على الحكم بمصر.
■ ولكنى أتحدث عن «التوقيت».. متى؟
- فى اعتقادى أنه ليس الآن فإذا تحرك الجيش فى الوقت الحالى، فإن ذلك يمثل «انقلاباً» وهى فكرة لم تعد مقبولة عالمياً. وهى ستعطى مبرراً دولياً للتدخل، خاصة من جانب أمريكا وحلف الناتو، وهذا ربما ما يسعى إليه الغرب لضرب الجيش المصرى، فكلنا يعلم أن الجيش المصرى هو آخر الجيوش العربية الموجودة حالياً.
■ ولكن رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى تحدث عن إمكانية النزول والتحرك.. «إذا احتدم الأمر».. ما رأيكم؟
- هذا صحيح.. فإذا تطلب الأمر نزول الجيش سريعاً، فسيحدث بالفعل، كما قال رئيس الأركان، فهنا النزول سيكون لحماية الشعب من استغلال فصيل معين لمقدرات الدولة، أو محاولة زعزعة استقرارها.
■ ألا ترى أن الأمر «قد احتدم».. وكيف يرى الجيش الوضع الآن من وجهة نظرك؟
- دعنى أؤكد أن الجيش هو مؤسسة قتالية، هدفها الأول حماية حدود الدولة وأمنها القومى، فهو ليس حزباً سياسياً يتدخل فى صراع ما، ولكنه يهدف إلى حماية الوطن فى الداخل والخارج. ومن بين إجراءات الحماية هذه، حماية الشعب المصرى نفسه، بمعنى أن الجيش حينما يشعر بأن هناك اعتداء على الشعب أو بوادر «حرب أهلية» أو اعتداء من فصيل معين، هنا لابد أن يتدخل الجيش، لأن ذلك من مهامه الأساسية فى حماية الأمن القومى لمصر.
■ هل «الحرب الأهلية».. أم بوادرها؟
- الجيش لن يسمح بوقوع «حرب أهلية»- لا قدر الله- لأنه سيتدخل قبل ظهور بوادر هذه الحرب.
■ ألا تعتقد أننا لم نصل بعد إلى «بوادر» الحرب الأهلية؟
- هذه البوادر اقتربت إلى حد كبير.
■ معنى ذلك أن «نزول الجيش» قد يكون قريباً؟
- ممكن.. إذا ما ظهرت هذه البوادر، لأن الجيش لن يصمت طويلاً أمام هذا العبث.
■ الأستاذ هيكل قال منذ أيام إن استعجال الجماعة لـ«الإخونة» هو دليل قلقها.. ودعوات الشعب لنزول الجيش نابعة من فقدانه الأمن.. كيف ترى هذا التصور؟
- هو وصف طبيعى ودقيق للمشهد الحالى، لأننا إذا نظرنا حولنا، فسنجد اليوم محافظة مثلاً بدون محافظ، وهناك ثلاث مدن أدارت نفسها دون سلطة أثناء حظر التجوال بمدن القناة الذى فشل نظام الإخوان فى تطبيقه. «الأخونة» اربكت الدولة، وجعلت الإخوان يتصرفون بعشوائية وتخبط.
■ هل ترى أنه فى حالة نزول الجيش مرة أخرى، سيعود مفرد «الانقلاب» إلى قاموس السياسة المصرية؟
- نزول الجيش لن يكون انقلاباً، ولكنه «حماية» لمقدرات هذا الشعب.
■ حتى بالرغم من أن الرئيس الحالى جاء بـ«شرعية الصندوق»؟
- وما العجب؟ هتلر نفسه جاء بشرعية الصندوق.. ماذا حدث؟.. الشرعية هى «شرعية الشعب»، وهى أقوى مليون مرة من شرعية الصندوق، التى قد تكون خضعت لمعادلات سياسية ما!.. الشعب هو القادر على التغيير.
■ كيف ترى خروج المشير طنطاوى والفريق سامى عنان؟
- أعتقد أن مجزرة رفح المدبرة، كانت الضريبة التى دفعتها القوات المسلحة للإسراع بخروج طنطاوى وعنان.. وهى مؤامرة بكل المقاييس.
■ وما سر التعتيم على ما يدور فى سيناء الآن؟
- هذا هو أسلوب الإخوان فى الإدارة عموماً. هم يرغبون فى التعتيم على كل شىء. إضافة إلى سلسلة «التراجعات» فى القرارات التى يتم اتخاذها فى الصباح والتراجع عنها بعد ساعات.. حالة من التخبط غير المسبوق.
■ السيناريو الذى حدث مع المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، ربما يتكرر مرة أخرى مع الفريق السيسى.. ألا ترى أن ذلك ممكن؟
- هم يحاولون ذلك دائماً، فطبيعة الإخوان هى الانفراد بالسلطة، لسهولة تنفيذ المخططات المعدة مسبقاً، التى تتم وفقاً لسيناريوهات أعدها التنظيم الدولى للإخوان، فكما حاولوا من قبل عزل المجلس العسكرى، هم يحاولون الآن السيطرة على قيادة القوات المسلحة، وجعلها تتحرك وفقاً لمخططاتهم.. وهم بالتالى يطلقون «بالونات اختبار» بين وقت وآخر لاستطلاع ردود الأفعال.
■ ولكن البعض يرى أن المرحلة تجاوزت «بالونات الاختبار».. وإننا ربما نفاجأ بين لحظة وأخرى بعزل «الفريق السيسى» أو خروجه فى «تعديل وزارى»..كيف سيكون الرد؟
- أعتقد أنه سيكون عنيفاً، فالقوات المسلحة لن ترضى بعزل «السيسى»، وشعب مصر سيكون رد فعله أكثر عنفاً لأن ذلك هو قمة «التمكين»، فالوزارات السيادية لها حسابات أخرى تختلف تماماً عن بقية التعديلات الوزارية.